لماذا يقدم المنتخب الإنكليزي كرة قدم قبيحة في يورو 2024؟

عادل منصور
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: بعد الوصول إلى قمة هرم النجاح بالترشح لنصف نهائي كأس العالم عام 2018 للمرة الأولى منذ تسعينات القرن الماضي، وخسارة المبارة النهائية لكأس الأمم الأوروبية 2020 أمام أسياد الدفاع منتخب إيطاليا في نهائي «ويمبلي» الشهير في يوليو/تموز 2021، يبدو وكأن مدرب المنتخب الإنكليزي غاريث ساوثغيت، لم يعد لديه الجديد ليقدمه لمنتخب بلاده، وتجلى ذلك في النسخة الباهتة التي كان عليها الفريق في أول مباراتين في يورو 2024، باستثناء بعض الومضات النادرة في الشوط الأول في ليلة الفوز الاقتصادي الذي تحقق على حساب المنتخب الصربي في افتتاح مباريات المجموعة الثالثة، قبل أن يسقط المدرب الخمسيني وكتيبته المدججة بنجوم ومشاهير الدوري الأقوى والأكثر تنافسية على هذا الكوكب، في المحظور أمام أحفاد الفايكينغ منتخب الدنمارك، في موقعة الخميس الماضي، التي انتهت بالتعادل الإيجابي بهدف للكل، وكانت كاشفة لكل الثغرات ونقاط الضعف التي حذر منها أغلب النقاد والمحللين قبل السفر إلى ألمانيا لبدء رحلة استكشاف الأميرة الأوروبية للمرة الأولى في تاريخ منتخب مهد كرة القدم، وأولى الألقاب الجماعية الكبرى منذ أول وآخر لقب بمونديال نسخة 1966، والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه الساعات: لماذا يقدم المنتخب الإنكليزي المعنى الحرفي لمصطلح «كرة القدم القبيحة» في بطولة كبار أوروبا؟ وهل كانت وما زالت هناك مؤشرات لاستمرار لعنة هذا المنتخب مع البطولات الكبيرة؟ هذا ما سنستعرضه معا في موضوعنا الأسبوعي.

ما قبل اليورو

بينما كان المنتخب الإنكليزي يتصدر قائمة المرشحين للفوز بأعرق بطولات القارة العجوز على مستوى المنتخبات في مكاتب المراهنات بفارق ضئيل عن وصيف بطل العالم المنتخب الفرنسي، كانت الأصوات والأقلام المحايدة، تُحذر من بعض المشاكل والعيوب التي يعاني منها فريق المدرب ساوثغيت ولا تبشر بعودته من الألمان بكأس الأمم الأوروبية، منها على سبيل المثال لا الحصر، معضلة الظهير الأيسر، بعد إصرار المدرب على استدعاء المدافع الأيسر لمانشستر يونايتد لوك شو، رغم أنه لم يشارك سوى في 15 مباراة مع فريقه في مختلف مسابقات الموسم الماضي، والأكثر تعاسة أنه لم يركل الكرة منذ الثامن عشر من فبراير/شباط الماضي، وهذا يعكس أو يفسر حالة العجز التي كانت عليها الجهة اليسرى في أول اختبارين أمام صربيا والدنمارك، وذلك بطبيعة الحال، لعدم قدرة المدافع الأيمن كيران تريبير على القيام بالدور المطلوب منه في الجهة اليسرى على أكمل وجه، والأمر لا يتعلق بمعاناته لمحاكاة دور الظهير الأيسر، كلاعب معروف عنه أنه يجد راحته في مكانه الطبيعي في الجهة اليمنى، بل أيضا في إشكالية غياب التفاهم والتجانس بينه وبين اللغز المحير فل فودن، ذاك اللاعب الزئبقي الذي استعاد بريقه ومستواه المعروف عنه مع مانشستر سيتي منذ بداية العام الميلادي الجاري، وبالأحرى بعد انفجار موهبته في مركز الجناح الأيمن، الذي يتسلم الكرة على حدود منطقة الجزاء أو ما تُعرف بالمناطق السحرية في الثلث الأخير من الملعب، لينثر إبداعاته في دفاعات الخصوم، بتلك الطريقة التي جعلته يساهم في تسجيل ما مجموعه 29 هدفا مع السكاي بلوز الموسم الفائت، منها 17 هدفا من توقيعه بالإضافة إلى 12 تمريرة حاسمة من مشاركته في 55 مباراة في مختلف المسابقات، إلا أنه لا يظهر بنفس النسخة مع منتخب بلاده، والسبب؟ فتش عن اختراعات ساوثغيت، الذي يتفنن في استهلاك طاقة سهمه السماوي في أماكن عديمة الفائدة في الملعب، بالاعتماد عليه في مركز الجناح الأيسر المشاهد للمباريات في طريقة 4-2-3-1، وفي رواية أخرى المعزول بمفرده في الجهة اليسرى، نظرا لابتعاده عن جود بيلينغهام وهاري كاين والبقية، ربما لتركيز المنتخب أكثر على جهة كايل ووكر وساكا، وربما لمشقة المهمة على فودن، باعتباره مفتاح اللعب الوحيد في الجهة اليسرى، لكن الشيء المؤكد والواضح وضوح الشمس في هذه الأيام، أن جناح المان سيتي، يبصم على بطولة للنسيان، كواحد ممن تأثر بشكل سلبي برؤية مدرب المنتخب، من خلال توظيفهم في مراكز مختلفة عن مراكزهم الأصلية مع أنديتهم.

علامات استفهام

أيضا على مستوى خط الدفاع، كانت هناك تحذيرات أو مخاوف على نطاق واقع من تأثير غياب رجل ساوثغيت المخلص، هاري ماغوير، بعد ما تسببت انتكاسته في ربلة الساق، في خروجه من القائمة المدافعة عن ألوان الأسود الثلاثة في يورو ألمانيا، وهذا يرجع في المقام الأول لقيمة المدافع البالغ 31 عاما وأهميته في المنظومة الدفاعية للمنتخب الإنكليزي منذ قدوم المدرب الحالي، كيف لا والحديث عن الخيار الأول الذي لم يخسر مكانه في القوام الرئيسي في أنجح حملات الإنكليز في السنوات الأخيرة، على غرار إنجاز الوصول لنصف نهائي كأس العالم 2018 ونهائي يورو 2020، حتى في كأس العالم قطر 2022، كان واحداً من أفضل لاعبي إنكلترا في المسابقة، رغم حملات التشكيك والسخرية التي يتعرض لها من مشجعي ناديه مانشستر يونايتد قبل ألد الأعداء والخصوم، بسبب كثرة هفواته وجرائمه الدفاعية في تلك الفترة، وكما أثبتت التجارب أن المنتخب سيعاني الأمرين في مركز الظهير الأيسر، بسبب النقص العددي الحاد في هذا المركز، حدث نفس الأمر بالنسبة لمركز قلب الدفاع، في ظل الحالة المقلقة التي يبدو عليها ثنائي محور الدفاع جون ستونز ومدافع كريستال بالاس مارك غيهي، بعد استقرار المدرب على الدفع بمدافع النسور، رغم أنه لم يختبر في هكذا مستوى على الصعيد الدولي، فقط في رصيده 6 مشاركات ضمن التشكيل الأساسي للمنتخب قبل اليورو، حتى مدافع المان سيتي، غاب عن أغلب مباريات الفريق في نهاية موسم الدوري الإنكليزي، بمشاركته في 21 دقيقة في موسم الاحتفاظ باللقب للموسم الرابع على التوالي، دليلا على أن المنتخب الإنكليزي يخوض نهائيات كأس أمم أوروبا، بخط دفاع أقل ما يُقال عنه غير مؤهل للمنافسة على بطولة كبرى بهذا الوزن، ما بين عدم جاهزية المدافع الأول من ناحية البدنية، وافتقار الثاني للخبرة اللازمة لهذا المستوى من المنافسة والاحتكاك، إلا إذا حدثت معجزة كروية، وكان اليورو شاهدا على مولد مدافع دولي من الطراز العالمي، إما بتحسن غيهي، وإما بتوهج واحد من الثلاثي لويس دانك وإيزري كونسا، وجو غوميز بعد حصولهم على الفرصة، أما غير ذلك، فجُل المؤشرات تظهر أن دفاع المنتخب الإنكليزي لا يملك من الجودة والقوة والتنظيم على المستوى الجماعي ما يكفي للفوز لا بلقب اليورو هذا ولا الألقاب الجماعية، في ما هو أشبه بالعودة إلى جحيم الماضي غير البعيد، كمنتخب يضم كوكبة من النجوم والمواهب اللامعة، لكن لا يجد من يطوع هذه الطاقة لمصلحة المنظومة الجماعية. والمثير للدهشة والاستغراب، أن المدرب الحالي، كان سباقا في نسف المقدسات القديمة، التي كانت تنصف المشاهير ونجوم الصف الأول على المجتهدين والأكثر تعطشاً لتمثيل المنتخب، من خلال انحيازه الواضح لفئة الشباب والجواهر الصاعدة في السنوات القليلة الماضية، هو من أعاد استنساخ تجارب الماضي التعيس في هذه البطولة، بمبالغة في الاعتماد على الاسماء اللامعة على حساب احتياجات المنتخب داخل المستطيل الأخضر.

مجاملات وخطايا

على سيرة الاحتياجات الفنية التي تتماشي مع سوء توظيف اللاعبين، شاهد الداني والقاصي توابع مقامرة ساوثغيت بالاعتماد على الاسماء الأكثر شهرة في التشكيل الأساسي في أول مباراتين، على غرار الدفع بالظهير الأيمن لنادي ليفربول ألكسندر أرنولد في مركز لاعب الوسط الثاني بجانب الخيار الأول ديكلان رايس في طريقة 4-2-3-1، وذلك لتعويض الضربة المزدوجة التي تعرض لها المدرب في الأشهر الماضية، متمثلة في التراجع الكبير في مسيرة كالفن فيليبس منذ انتقاله إلى مانشستر سيتي، بجانب القرارات الكارثية التي اتخذها قائد ليفربول السابق جوردان هيندرسون الموسم الماضي، باللعب في مستوى تنافسي أقل من البريميرليغ، مع الاتفاق السعودي في بداية الموسم، ثم أياكس الهولندي في الميركاتو الشتوي، الأمر الذي جعل المدرب يمارس هوايته القديمة المفضلة، باقتباس أفكار بعض مدربي البريميرليغ، كما فعلها من قبل مع كايل ووكر، بتوظيفه في مركز قلب الدفاع، كما كان يعتمد عليه بيب غوارديولا في مركز المدافع الثالث في طريقة 5-3-2 ومشتقاتها، وجود بيلينغهام في نفس مركزه المعدل مع ريال مدريد، كصانع ألعاب عصري خلف المهاجم الكلاسيكي رقم (9) أو اثنين مهاجمين في طريقة 4-3-2-1 أو 4-3-3، لكن هذه المرة جانبه التوفيق، في اقتباس الفكرة التي لجأ إليها يورغن كلوب في بعض الأوقات مع ليفربول، بتحريك أرنولد إلى وسط الملعب، للاستفادة من انطلاقاته العنترية في الثلث الأخير من الملعب. ولعل من شاهد أول مباراتين للمنتخب الإنكليزي، لاحظ من الوهلة الأولى، مشاكل البناء السليم من الخلف إلى الأمام، في ظل الفراغ الواضح في المنطقة المستباحة بين رباعي دفاع المنتخب ودائرة الوسط، لأسباب تتعلق في المقام الأول، في بطء الكرة بين قدمي لاعب ليفربول المسكين، طبعا لعدم اعتياده على تقنية استلام الكرة وتمريرها تحت الضغط، والأكثر صعوبة التصرف بها بشكل صحيح، أي التمرير بشكل عمودي لبيلينغهام أو أقرب زميل في وسط ملعب المنافس، هذا في الوقت الذي قضى فيه كل عمره داخل المستطيل الأخضر، في كيفية تطوير نفسه في المساحات الشاغرة على الأطراف، فكانت المحصلة، الصورة البائسة التي كان عليها وسط الملعب بداية من الشوط الثاني أمام صربيا وحتى وقت كتابة هذه الكلمات، في ظل عدم ثقة المدرب في الوجوه الصاعدة التي تجلس على مقاعد البدلاء أمثال كوبي ماينو وآدم وارتون، وبدرجة أقل لاعب تشلسي كونور غالاغر، لضعف خبرة ماينو ووارتون على الصعيد الدولي، بمشاركة كل لاعب في 4 مباريات مع المنتخب الأول قبل اليورو، وعدم تغير النظرة تجاه مكافح البلوز، كبديل غير مستخدم على طول الخط منذ المونديال الشرق أوسطي.
هذا ولم نتحدث عن تفاقم أزمة الهجوم التي كانت وما زالت حديث الشارع الرياضي الإنكليزي، بداية من المخاوف الكبيرة من الحالة البدنية للقائد هاري كاين، الذي عانى من انتكاسة مزعجة مع بايرن ميونيخ في نهاية موسمه الأول الصفري في «آليانز آرينا»، وعلى إثرها يعاني الأمرين من أجل استعادة نسخته المهيبة التي استعادها مع العملاق البافاري هذا الموسم، كجلاد قادر على التسجيل من نصف فرصة، وبصرف النظر عن هدفه في شباك الدنمارك في مباراة التعادل، يرى أغلب النقاد والمتابعين، أن أمير لندن في السنوات الماضية، ليس في أفضل حالاته مع منتخب بلاده في هذه البطولة، ربما لتأثره بالدور المركب الذي يلعبه بيلينغهام في إستراتيجية ساوثغيت الجديدة، كصانع ألعاب أو لاعب وسط رقم (8) على الورق، يتحول فجأة إلى مهاجم ثان أو رأس حربة صريح في الغارات المكثفة على دفاعات الخصوم، بتلك الطريقة التي خطف بها المرشح للفوز بجائزة «البالون دور» الثلاث نقاط أمام صربيا، بمتابعة بالكربون من مشاهد أهدافه بالرأس مع ريال مدريد في موسم كأس دوري أبطال أوروبا الخامسة عشرة، وربما لعدم قدرة كاين على تنفيذ تعليمات المدرب، باستهلاك مخزونه البدني بتحركات عديمة الجدوى لإفساح المجال للقادمين من الخلف، كما كان يبدع في نفس الدور بجانب هيونغ مين سون في منتصف عقد العشرينات من عمره، وما يؤكد أن ساوثغيت لم ينجح حتى تطويع طاقة بيلينغهام وكاين معا لمصلحة المنظومة الجماعية، ذاك التباعد الكبير بينهما، بتمريرات متبادلة تعد على أصابع اليد في المباراتين، منها لمستان فقط من جود إلى قائده في أول 45 دقيقة أمام صربيا، والتي تعتبر أفضل 45 دقيقة قدمها المنتخب الإنكليزي في اليورو حتى الآن، إضافة إلى ما سبق، لا يوجد بديل على نفس جودة وخبرة القائد، تحسبا لحدوث أي شيء خارج التوقعات، في ظل وجود موهبة أستون فيلا أولي واتكينز، الذي لم يترك ذاك الانطباع المنتظر منه، تأثرا بالضغوط الكبيرة التي يتعرض لها منذ انضمامه إلى القائمة المشاركة في البطولة الأوروبية، وبدرجة أقل مهاجم برينتفورد إيفان توني، الذي يرى البعض أنه كان محظوظا بما فيه الكفاية بحصوله على مكان على متن الطائرة المسافرة إلى ألمانيا، نظرا لابتعاده عن المشاركة في النصف الأول بسبب الإيقاف، واكتفائه بتسجيل 4 أهداف فقط في النصف الثاني من الموسم، هذا في الوقت، الذي قرر فيه المدرب استبعاد عدد لا بأس به من أصحاب الخبرات والباع في هكذا مواعيد، في مقدمتهم ماركوس راشفورد، الذي يجيد اللعب في كل مراكز الهجوم، بما في ذلك الدور المركب المطلوب من هاري كاين مع بيلينغهام، وزميله العائد لأضواء الشهرة والنجومية جادون سانشو، بعد انتقاله إلى بوروسيا دورتموند على سبيل الإعارة في بداية العام، كواحد من أكثر المساهمين في وصول الفريق إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا التي خسرها أمام العملاق المدريدي بثنائية نظيفة، وغيرها من الأسماء والمواهب التي يُقال عنها «قادرة على صنع الفارق في الأوقات الحاسمة»، ويتمناها أي مدرب في العالم، باستثناء ساوثغيت.

تخبط وبراغماتية

من التحذيرات السابقة التي تحولت إلى كابوس في اليورو، ما يمكن وصفه بتكرار سيناريو ستيفن جيرارد وفرانك لامبارد في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، بمناقشة وجدال حول أفضل طريقة أو مركز للاستفادة من فل فودن وجود بيلينغهام في نفس التشكيلة، بنفس الجدال القديم على المفاضلة بين ستيفي وسوبر فرانك في مركزي (6) و(8)، وكانت المشكلة واضحة قبل ضربة بداية اليورو، نظرا لتألق وتأقلم كلا اللاعبين تقريبا في نفس المركز في طريقة 4-3-3، مع بعض المرونة لفودن، الذي يعتمد عليه بيب غوارديولا في كل المراكز في الثلث الأخير من الملعب، وهي المرونة التي قضت على صاحبها في اليورو، بعد انكشاف نوايا المدرب بتفضيل الرهان على بيلينغهام، في مركزه المفضل، كلاعب وسط بصلاحيات مهاجم رقم (9.5)، في الوقت الذي أشرنا أعلاه إلى انعزال فودن بمفرده في الرواق الأيسر، باستثناء بعض الومضات عندما يقوم بتبديل مركزه مع ساكا، والتي جاءت واحدة منها في القائم، إثر تسديدة مباغتة أطلقها من منطقة انفجاره في الجهة اليمنى على حدود مربع العمليات، هذا في الوقت الذي يتجاهل فيه أسماء أخرى من الممكن الاستفادة منها بشكل أفضل في مكان فودن غير الموفق، في مقدمتهم العلامة المضيئة في موسم تشلسي كول بالمر، الذي أنهى موسمه الأول في «ستامفورد بريدج» وفي جعبته 17 هدفا و15 تمريرة حاسمة من مشاركته في 48 مباراة في مختلف المسابقات، وبوجه عام، يمكن القول، إن ساوثغيت لم يضع يديه على الطريقة المناسبة للاستفادة من القوة الضاربة المتاحة في الثلث الأخير من الملعب، الأمر أشبه بالاستسهال في الاختيارات، بعيدا عن إمكانيات اللاعبين ومدى استيعابهم وقدرتهم على تنفيذ أدوارهم المختلفة عن أدوارهم مع أنديتهم، كما هو واضح في وضعية هاري كاين وباقي مساعديه في الثلث الأخير من الملعب، بالتواجد دائما وأبدا على مسافة بعيدة من المناطق المحظورة في دفاع الخصوم، على عكس ما نراه مع بايرن ميونيخ، كمهاجم متمركز داخل مربع العمليات، ونفس الأمر بالنسبة لبوكايو ساكا، الذي يضطر للقيام بأدوار دفاعية من منتصف الملعب، بخلاف الطاقة التي يهدرها في المراوغات والحلول الفردية على أطراف الملعب، بدون تواصل حقيقي مع جود أو كاين، دليلا على صحة الاتهامات التي تلاحق ساوثغيت كظله، بالفشل في تحقيق أقصى استفادة من الترسانة المسلحة في خط هجوم المنتخب الإنكليزي، وذلك منذ التراجع الملموس في مسيرته مع الأسود الثلاثة في فترة ما بعد خسارة المباراة النهائية ليورو 2020، مقارنة بالصورة شبه النموذجية التي رسمها لنفسه في السنوات الأولى لولايته، كمدرب عرف كيف يجمع الأمة على قلب رجل واحد، بعد استعادة أمجاد المنتخب من خلال مجموعة يغلب عليها الشباب المتعطش لتقديم أفضل ما لديه للمنتخب، أو كما هو الانطباع المحفور في الأذهان عن المنتخب الإنكليزي الشاب الذي كان بعد خطوة واحدة من التأهل للمباراة النهائية لكأس العالم روسيا 2018، وخسر بعدها بثلاثة أعوام المباراة النهائية لكأس أمم أوروبا أمام إيطاليا، في النهائي الشهير الذي امتد إلى الأشواط الإضافية، وفي الأخير أعطت الكرة ظهرها للإنكليز كالعادة في ركلات الجزاء الترجيحية، ومنذ تلك اللحظة والشكوك لا تفارق المدرب ساوثغيت ومستقبله مع المنتخب، بسبب مبالغته في أسلوبه البراغماتي، الذي يحد من إبداع اللاعبين داخل الملعب، استكمالا للتراجع المخيف في أداء ونتائج المنتخب منذ ضياع لقب اليورو الأخير، وصلت لحد الاكتفاء بتحقيق الفوز في 6 مباريات فقط في 25 مواجهة أمام مدارس الكرة الأوروبية القوية مثل فرنسا، وهولندا، وألمانيا، وكرواتيا، وبلجيكا، وإسبانيا، وإيطاليا، ما يعني أن المنتخب الإنكليزي بحاجة لمزيد من التحرر والجرأة في معاركه أمام خصومه الكبار، أو كما يُطالب الإعلام والجمهور الإنكليزي برؤية المنتخب أكثر شجاعة وإقناعا، وغيرها من الأمور الفنية التي تقع على عاتق المدرب، فهل يا ترى سنرى استجابة من ساوثغيت ورجاله في ما تبقى من اليورو؟ أم ستصدق التوقعات التشاؤمية التي لا تنتظر عودة كرة القدم إلى حضن الوطن؟ هذا ما سيجيب عنه صاحب الشأن بداية من صدام الثلاثاء أمام سلوفينيا قبل الدخول في معمعة مراحل خروج المغلوب الأسبوع المقبل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية