عمان ـ «القدس العربي»: اللحظة التي تم الإعلان فيها عن فوز أحد طلاب الجامعة الأردنية وبرقم كبير متصدر في انتخابات اتحاد الطلبة، وهو خلف القضبان، كانت عملياً لحظة فارقة في التأسيس لسلسلة لا ينتهي منها الأردنيون من التساؤلات والأخرى المضادة.
ليس سراً أن ذلك الطالب السجين الذي تصدر، وهو موقوف إدارياً، لائحة المنتخبين، كان موقوفاً على ذمة نشاط سياسي مباشر تحت سقف اللجان الشبابية المساندة لأهل غزة وللمقاومة الفلسطينية. المفاجأة في اللحظة المفارقة كانت أن الاتجاه الطلابي الإسلامي تمكن من جذب نحو 50 ٪ من أصوات الطلاب في الجامعة رغم دخول 7 أحزاب وسطية على الأقل على خط الاشتباك لاحقاً لفوز بعض الطلبة وليس قبل ذلك.
الحسابات الرقمية
وفي كل حال، ما يردده نشطاء شباب حصراً هذه الأيام وحتى من الألوان اليسارية، أن ما حصل في انتخابات طلاب الجامعة الأردنية قبل عدة أسابيع هو هز الغربال السياسي؛ بمعنى أن مراكز الثقل التي تبرمجت على أساس إقصاء التيار الإسلامي قدر الإمكان ثم عزل سياقات غزة ومعركة طوفان الأقصى، سرعان ما أعلنت حالة طارئة خشية من أن تعطي نتائج انتخابات الطلاب مؤشراً لا يعجب الكثيرين في انتخابات البرلمان المقررة في 10 أيلول الشهر المقبل.
لا أحد من النخب المقربة للسلطات أو المحسوبة عليها تحدث عن صدمة أرقام طلاب الجامعة الأردنية. لكن في المقابل، دخلت تلك الحسابات الرقمية في عقل عملية التحضير لانتخابات البرلمان فوراً، ما دفع التيار الإسلامي حصراً لإرسال مذكرات للحكومة تشتكي من مضايقات وتدخلات تطال مرشحي وقواعد الحركة الإسلامية وأنصارهم وشركائهم في قوائم الانتخاب.
الجامعة و «حي الطفايلة» وهز الغربال السياسي قبل الانتخابات
ورغم أن نتائج وتداعيات انتخابات الشارع الطلابي في أم الجامعات الحكومية مرتبطة بإيقاعات الجريمة الإسرائيلية فقط، وليس بإيقاعات حضور الإسلاميين في الشارع فقط، فإن الأرقام التي حصل عليها طلاب الاتجاه الإسلامي لا بل نشطاء اللجان المناصرة لغزة منهم، شكلت فعلاً علامة فارقة لم يعد أحد يعلم كيف ستؤثر في مجريات الأمور، ليس فقط في الانتخابات المقبلة ولكن في الساحة المحلية عموماً، بعدما تبين أن ما يجري في غزة أو سيجري لاحقاً هو عنصر أساسي في وجدانيات مكونات المجتمع الأردني.
حاضنة المقاومة وسط الأردنيين كبيرة جداً، لكن ما ينتجها -برأي الخبراء- هي طبيعة الجريمة الإسرائيلية وليس سطوة حركة حماس ولا الإخوان المسلمين أو ميل الأردنيين لأي منهما.
في المقابل، لا يبدو أن مراكز التأثير والنفوذ في دوائر القرار معنية بفهم جوهر ذلك بقدر ما ترى في نفوذ الإسلاميين ثم سطوة ملف غزة على ذهن الأردنيين خطراً داهماً دون تعريف هذا الخطر في الواقع، بدلاً من الانتباه للاستثمار في تلك السطوة لأحداث غزة وركوب موجتها حتى ولو من باب التوظيف السياسي.
مبكراً في وقت سابق، تحدث الخبير الدكتور أنور الخفش لـ «القدس العربي» عن كتلة اجتماعية عريضة تتشكل وسط الأردنيين، ليس شرطاً أن التيار الإخواني يقودها أو يحاول استثمارها، لكنها كتلة لديها مشاعر ومخاوف وموقف، ومن الجهل إنكارها لا بل قد يكون الأكثر جهلاً هو محاولة إخضاعها.
دليل… وسؤال
قدم الناشط الاجتماعي في حي الطفايلة أحمد اربيحات، دليلاً دون قصد أو تراتب زمني على ما يقوله الخفش، عندما علق على جهد تحاول بذله جهة حكومية تحت عنوان السيطرة على جمع التبرعات من أجل غزة وغيرها. أطلق اربيحات هنا عبارة بمنتهى البساطة في تغريده إلكترونية علنية عندما استفسر وسأل: من هو الجاهل الذي يعتقد أن إحالة عدد من شباب حي الطفايلة إلى النيابة للتحقيق بتهمة مشرفة، هي جمع التبرعات لغزة، سيحدث فارقاً أو سيوقف جمع التبرعات؟
بصرف النظر عن مؤشر السخرية العميق في تغريدة اربيحات، فإن بعض الأوساط البيروقراطية مصرة على أن إجراءات ضد نشطاء جمع التبرعات وأخرى ضد الطلاب الإسلاميين الذين فازوا في انتخابات الجامعة الأردنية يمكنها حقاً أن تحدث فارقاً.
وأغلب التقدير أن شرائح متعددة في الإدارة البيروقراطية لا تجد إلا مثل هذه الوصفات المعلبة؛ للإيحاء بأنها تعمل ضد موجة الطوفان التي تتربع في مشاعر وحراكات واتجاهات الأردنيين هذه الأيام، مع أنها موجة يمكن بكل بساطة تكييشها سياسياً بدلاً من إخضاعها.
في كل حال، حتى من يقول من الرسميين والموظفين بضرورة عزل غزة وما يحدث فيها ولها وما تعنيه عن انتخابات 10 أيلول، لا يقدمون إجابة نظامية عميقة مقنعة على السؤال التالي:
المشاعر والاتجاهات التي تكدست في ذهن الأردنيين الجماعي ضد أو بسب طبيعة الجريمة الإسرائيلية في غزة، أين سيذهب فائضها إذا ما كانت التقنية الوحيدة هي الصدام معها أو إخضاعها؟
سؤال يعتقد كثيرون، ومنهم الناشط البارز عاصم العمري، أنه في غاية الأهمية، وواجب الدولة والمسؤولين الإجابة عليه؛ لأن الموقف من أحداث غزة وطبيعة الجريمة التي يرتكبها الشريك الإسرائيلي عابر تماماً للإسلاميين ولفصائل المقاومة ولكل التناقضات والاجتهادات المتنافسة وسط المجتمع الأردني. ولأن ما قاله يوماً المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة عندما صاح «غزة شأن وطني أردني» قد يكون صحيحاً الآن، فيما كل نظريات وسيناريوهات إعادة التغليف لا تجيب عن سؤال العمق الحساس حول كلفة وفاتورة المنع والقمع أو الملاحقة ومطاردة التيار فقط دون ترسيم أو تحديد المكان الذي تتسرب إليه أو تتسل تلك الطاقة؛ لأن الجريمة أبشع وأوضح وأقسى من أي إمكانية لنكرانها.