رئاسيات موريتانيا: جدل مشتعل بعد كل استحقاق ما الأسباب وما الحلول؟

عبد الله مولود
حجم الخط
0

لم يحدث أن اتفقت أطراف الساحة السياسية على تشكيل اللجنة الانتخابية المستقلة الذي ترى المعارضة أنه تشكيل تعينه السلطة على مقاسها، ما يجعلها أداة بيد الحكومة توجهها حيث شاءت.

نواكشوط ـ «القدس العربي»: هكذا حالة موريتانيا بعد كل استحقاق انتخابي: جدل مشتعل، واحتجاجات عنيفة، واعتقالات: وذلك منذ أن انتقلت عام 1991 من النظام العسكري إلى التعددية السياسية، ذلك الانتقال الذي فرضته الظروف ولم ينبع من قناعة سياسية داخلية لدى المؤسسة العسكرية التي انتقلت من ممارسة الحكم إلى التحكم في الحكم.

وتواجه موريتانيا منذ 1978 تاريخ الإطاحة بحكم المختار ولد داداه القائم على الحزب الواحد، صعوبة كبيرة في إرساء بنية تحتية مستقرة للحكم السياسي الديمقراطي؛ ما أدى لعدم الاستقرار ولكثرة الانقلابات.
فبعد البدء في التجربة الديمقراطية التعددية، انقسم المشهد السياسي الموريتاني بصورة شبه دائمة، إلى نظام عسكري يحكم بواجهة مدنية، وساحة سياسية معارضة تسعى لتمدين النظام السياسي وإبعاد الجيش عن دواليب السلطة ممارسة وتأثيرا، وتحويله إلى جيش جمهوري.
وباستثناء الانتخابات الرئاسية التي نظمت 2007 لم يحدث أن نظمت انتخابات رئاسية أو برلمانية أو بلدية في موريتانيا إلا وتلاها جدل عاصف حول نتائجها أو تمخضت عن أزمة سياسية يتلوها جفاء وقطيعة بين أطراف المشهد وفي حالات نادرة يتلوها حوار سياسي.
والسبب في كل هذا هو أنه لم يحدث قط أن اتفقت أطراف الساحة السياسية على تشكيل اللجنة الانتخابية المستقلة الذي ترى المعارضة الموريتانية أنه تشكيل تعينه السلطة على مقاسها، ما يفقد اللجنة ثقة المعارضة، ويجعلها وكأنها أداة بيد الحكومة توجهها حيث شاءت؛ وزاد من فقدان هذه الثقة أن رئيس اللجنة المستقلة غالبا ما كان وزير داخلية سابق أو مسؤولا كبيرا متقاعدا في ظل أنظمة ماضية مسخوط عليها.
يقول الدكتور أبو العباس متحدثا عن حقيقة الأزمة القائمة «ما يفعلُه بيرام ولد الداه واضِح بالنسبة لي؛ وهو أنّه في 2019 شرّع الانتخابات ونأى بنفسِه عن الحراك في الشوارِع حينها، ولكنّه سرعان ما تعرّض لطعنة من صاحِبه غزواني، الذي رفضَ ترخيص حزبِه وقام بمضايقته سياسياً، الآن يريد بيرام أن يتخلّى عن الصكّ الأبيَضَ الذي منَحه قبل سنوات، لأنه لم يحصُد منه شيئا؛ هو يريد إرجاع النظام إلى طاولة المفاوضات».
وأضاف «من ناحية أخرى فإنّ الولولة على موقِف بيرام، الرافض للانتخابات، أنّه طعنة للديمقراطية يُغفِل أنّ موقِفه معياري للمعارضة وأنّها، باستثناء 2007 و2019 لم تعترِف بأي انتخابات رئاسية في تاريخ البلد».
لم يحدث أن نظمت انتخابات تعددية في موريتانيا إلا وقوبلت بالرفض من طرف المعارضة التي ظلت المهزوم فيها دائما.
وفي انتخابات 2003 قدّمت حملة المترشح محمد خونا هيدالة 19 خرقاً انتخابياً أسّست عليها رفضَها للانتخابات، وقدّمتُ للجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية 12 خرقاً ذهَب كلّ منها، ترجيحاً، بما يلغي 0.25 من الأصوات، إضافة لخروقاتٍ أخرى.
يقول الأستاذ أبو العباس ابرهام «من المألوف والعادي جِداً في تقاليد هذا البلَد رفض النتائج الانتخابية؛ ففي 1992 أدّت الاحتجاجات على الانتخابات إلى سقوطِ عدّة قتلى وحوادِث اختفاء؛ ولم تعترِف المعارضة بأيّ انتخابات تحت حكم ولد الطائع، بما فيها انتخابات2001؛ وبعد 2010 رفضت المعارضة الاعتراف بالرئيس السابق ولد عبد العزيز، ومع الربيع العربي، نزلت المعارضة للشارِع بغرض اقتلاعِه».

حجج الطرفين

أسفر اقتراع 29 حزيران/يونيو الماضي، عن فوز الرئيس المنصرف محمد ولد الغزواني المترشح لخلافة نفسه بنسبة 56.12 في المئة من الأصوات، وتلاه في سلم الفوز بيرام الداه اعبيد الذي حصل على نسبة 22.45 في المئة، ما جعله يرفض النتيجة ليشتعل بذلك الجدل، وتتفجر الأزمة.
ويقول بيرام الداه اعبيد قائد الحراك الرافض لنتائج الانتخابات «إن السبب في حدوث أزمة ما بعد انتخابات 29 حزيران/يونيو هو أن الموريتانيين لا يثقون في الهيئات المشرفة على الانتخابات لأنها هيئات تشكلها مجموعة معروفة على مقاسها».
وقال «إذا أراد النظام أن يستل فتيل الأزمة، فإن عليه أن يفتح حوارا مع المعارضة من أجل تشكيل هيئات توافقية للإشراف على الانتخابات تكون هيئات محصنة، تتولى الإشراف على العملية الانتخابية برمتها بدءا بإحصاء الناخبين ومرورا بوضع مدونة انتخابية مجمع عليها وانتهاء بتشكيل لجنة انتخابية مستقلة بصورة حقيقية».
أما الطرف الآخر فيرى أن كل ما يتحجج به بيرام الداه اعبيد وحلفاؤه، قد تم القيام به عبر تشاور بين وزارة الداخلية والأحزاب المرخصة في ايلول/سبتمبر 2022 حيث عينت لجنة انتخابية توافقية بين الموالاة والمعارضة يوم 31 تشرين الأول/أكتوبر 2022 وهي التي تولت الإشراف على الانتخابات النيابية والجهوية والبلدية في شباط/فبراير 2023.
ويتفق معظم المراقبين الذين أدلوا بآرائهم حول اللغط المثار حول الانتخابات الأخيرة على أن نتائجها مقبولة من حيث مسار تنظيمها وطريقة إحصاء وعرض نتائجها وحضور ممثلي المترشحين لفرز الأصوات التي تمخضت عنها، لكن بعضهم يعترف بأن الانتخابات مشوبة بالكثير من الغموض والتناقض.
يقول الأستاذ الجامعي الدكتور ابو العباس ابرهام «عندما تفشَل الانتخابات، بفعل عدم مصداقيتها والإحباط منها وسوء تسييرها للمرّة الرابِعة على التوالي، في جمعِ الناس على كلمة واحِدة، فيجب التفكير في دورِها الوظيفي في السلم الأهلي». وقال «صحيحٌ أن الانتخابات فرصة اقتصادية تتحرّك فيها الأموال وينتفعِ فيها السوق وتكثُر فيها الأحلام والخِطط وتصعد فيها المواهب السياسية، لكنّها لم تعُد تلعب دوراً وظيفياً في السلم الأهلي والإجماع الوطني».
وأضاف «الانتخابات التي تنتهي بصراعٍ مجتمعي وبجانبيْن من المدينة يتحاربان، أحدُهما بالمصادرة والثاني بالمغاضبة، أحدُهما بالقمع والآخر بالتخريب، ليست ناجِحة».
وخاطب الوزير السابق محمد ولد امين بيرام الداه عبيد قائد حراك الرفض قائلا: الأمور واضحة ومكشوفة، والمحاضر متوفرة وكل المرشحين اعترفوا بها بمن فيهم حزب الإخوان الذي غطى كل المكاتب؛ ولا أظن أن هناك أي مصلحة في هذا الهروب الى الأمام الذي يسعد المتربصين بموريتانيا وسينتهي بصاحبه إلى عزلة قاتلة».
وعن الحل يقول أبو العباس «لا بدّ من الجلوس على الطاولة للاتفاق على قواعِد اللعبة ووضع صمامات للحياة العامة، وهذه مسؤولية وطنية وفكرية للأسَف قلّة من النخب تستطيع القيام بالمهمة».
وأضاف «في حقيقة الأمر، ما لم تُحلّ مشكلة العدالة الانتخابية فلن تكون الانتخابات شرعية، ويشمل حل هذه المشكلة حيادية الدولة وحيادية مواردها، وقانون وسقف انتخابي شفاف للتمويل يمنع الرشوة والابتزاز السياسي، ومنع المشيخات الدينية والمساجد والفقهاء، المستفيدين من المال العام، ومنع غسيل الأموال والتمويلات الخارجية من الانتخابات».
وزاد «النظام عبّأ الموظّفين والكوادِر العموميين في حملاته، مستخدِماً العصا والجزرة، بل إن التعيينات الانتخابية صارت سُلماً وظيفياً؛ وما دام المال السياسي مستخدما، والمكافأة السياسية سارية بين العشائر والدولة والمال العام، والتحكّم في اللوائح والقوانين الانتخابية، ما دام كلّ هذا الغشّ لانتخابي قائماً فإنّ جزءاً كبيراً من الشعب سيظلّ يشعُر بالغبن؛ وحلّ هذا الشعور بالضيم ليس الاستصراخ الوطني واستهبال الناس بل فتح تفكير عمومي في جوهر المشكلة، مشكلة الضيم الاجتماعي والسياسي؛ ولا بدّ من عمَل أكثَر على قواعِد النزاهة، فبدون الشفافية توجد الشِّقاقِية، وإنّك لا تجني من الشوك العِنب».
ولكي تخرج موريتانيا من ورطة الشقاق الانتخابي المزمن، لا بد لها من إصلاح جذري لنظامها السياسي ومدونتها الانتخابية.
ويرى الدكتور أبو العباس «أن الإصلاح يتطلب الاتفاق على مبادئ منها إعادة العمل بالنسبية وتوسيع دوائرها، وحلّ أزمة البطاقات اللاغية بإدراج أنماط تصحيحية من التصويت إمّا بالإنابة أو بالإشهاد في حالة الأمية، ومنع التصويت العلني، والالتزام بسرية الاقتراع بمنع تصوير التصويت، وطبعاً منع شراء الأصوات وجوقلة وتهجير الناخبين».
وزاد «طبعاً، لا بدّ من دمقرطة البرلمان والسماح له أن يكون غرفة للنقاش الجاد ولحوار البرامج؛ والسماح للنوّاب بالحديث بمداخلات احترافية طويلة، وليس بثلاث دقائق واتسابية».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية