انتخابات الأردن: تحديث المنظومة السياسية

الحديث عن برلمان ينسجم في الأردن مع مسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد يتطلب رموزا مؤمنة بالتحديث أصلا، وبطريقة تلقائية وعفوية وبرامجية بعيدا عن سياسة استصلاح الأراضي الزراعية.

يتجه الأردن نحو انتخابات مهمة. جرعة الإيجابية في مراقبة هذه الانتخابات حصرا متاحة وموجودة ولا بد من الاستثمار فيها بصيغة تؤدي إلى وجود ناخبين وبعدد منطقي ومعقول، مادامت الانتخابات ستجري والإيجابية هي الرد الأساسي على تلك الآراء التي يقولها الناس عبر منصاتهم، وهم ينصحون الدولة بالاستغناء عن مجلس النواب وعن الانتخابات، ولو تحت عنوان توفير الرواتب والنفقات.
تلك صورة سلبية بالتأكيد ويمكن اتهامها أحيانا بالعدمية لكن نقضها واستهدافها بالصورة الإيجابية يتطلب مناقشة التفاصيل والإقرار بحصول أخطاء لا بل بتكرار حصولها ابتداء من التدخل غير المبرر في الماضي هنا أو هناك، مرورا بثبوت العبث بالصناديق والأصوات شعبيا وبيروقراطيا عدة مرات، وانتهاء بفعاليات الهندسة التي يبدو أنها أصبحت واقعا موضوعيا يتعامل معه الجميع.
نضم الصوت للإيجابيين والمتفائلين وللقائلين بأن انتخابات 2024 في الأردن استثنائية الأهمية ليس لأنها ستشهد ولادة تجارب حزبية في سلطة التشريع، فالمكونات الاجتماعية لا تزال مرتابة بالأحزاب السياسية ولم تعتد عليها، ولكن لأن سمعة مجمل مسار التحديث السياسي والتمكين الاقتصادي عموما ومصداقية الخطط التي وضعت على المحك في الشكل والمضمون والنوايا أيضا.
سواء أعجبتنا وثائق تحديث المنظومة والتمكين الاقتصادي أم لم تعجبنا أصبحت واقعا موضوعيا الآن فيه من الرؤى النبيلة والقوى الوطنية المحترمة الكثير ولا شكوك بأن التوافق انتهى بخطوات جدية في مسار التحديث لكن مسألة المصداقية هي الأهم الآن، والانتخابات هي مسرح العمليات الذي ينتهي بإنتاج دلالات تقنع المواطن بأن المسار جدي.
لا يخفى على كل مهتم أو مراقب أو حتى مواطن بسيط القول بأن أدوات قياس واختبار مصداقية العملية الانتخابية هي الأساس في ترسيم مصداقية مسار التحديث برمته الآن.
ولا يخفى على الجميع أيضا أن مقاييس ومواصفات المطلوب من منظومة النزاهة الانتخابية لم يعد سرا نوويا فهو معروف للجميع وعنوانه وقف نمو حالة الهندسة والتدخل مع فرص متوازية لكل المترشحين بصرف النظر عن خلفياتهم السياسية لمخاطبة الناخبين خلافا لإظهار الحرص الشديد على تجنب أي شبهات ذات بعد تأثيري مرتبطة مراحل وخطوات ومسارات العملية الانتخابية من لحظة السماح بالدعاية الانتخابية إلى لحظة جمع وفرز وإعلان الأصوات. لا نريد أن نسمع كمواطنين هذه المرة تلك السرديات عن تعطل أجهزة كومبيوتر أو انخفاض قابس التيار الكهربائي فجأة.

انتخابات 2024 في الأردن استثنائية الأهمية لأن سمعة مجمل مسار التحديث السياسي والتمكين الاقتصادي عموما ومصداقية الخطط التي وضعت على المحك في الشكل والمضمون والنوايا أيضا

وفي الوقت الذي نطالب فيه السلطات التنفيذية والحكومية بالسهر الحاد على الحياد والنزاهة ونبذ أي شبهة إدارية نطالب المقترعين والمواطنين بنبذ ومحاصرة كل مؤشرات تزوير إرادة الناخبين وتزييف الوعي عبر التركيز على المرشحين القادرين على العطاء والاقتراع على أساس برامج وطنية ناضجة والابتعاد ولو قليلا في المرحلة الأولى عن خيارات العشيرة والمنطقة والعلاقات الانتهازية.
واجب الدولة والناس معا إعلان الحرب الحقيقية على أي مال أسود يرصد لارتكاب جناية هنا أو هناك، والقانون فيه من النصوص ما يكفل الحد من تأثير المال السياسي، وإذا نجح الأردنيون حكومة وشعبا هذه المرة في استعادة ولو جزء بسيط من مصداقية العملية ستصبح مهمة تنظيم انتخابات بوجود قاعدة عريضة شعبيا من الناخبين مهمة أسهل مستقبلا وليست معقدة.
نفهم بأن نسبة التصويت محطة في غاية الأهمية. لكن نفهم بالمقابل أن نسبة التصويت مهما كانت متدنية عليها أن تعكس الإطار التمثيلي النزيه والحقيقي وأن تدنيها ليس ذريعة أو حجة لحقنها بجرعات من التدخل على أمل زيادتها، فالنسبة القليلة الآن ستزيد في الانتخابات التي تلي المقبلة إذا ما شعر الناخبون بالمصداقية والنزاهة.
نعم الانتخابات الوشيكة في الأردن فرصة للجميع.
نعم نؤيد كل الاتجاهات الإيجابية التي منحت الشارع الأردني فرصة أكبر للاختيار والتمثيل والممارسة الديمقراطية على أساس دعم مسار تحديث المنظومة ونعتبر بأن هذا المسار رغم وجود ملاحظات متعددة عليه هو بمثابة كلمة سواء يقبلها المواطن ولا تريد المساس بها المؤسسات فيما الانتخابات المقبلة هي المفصل في التقييم.
نلاحظ مع الملاحظين على كيفية تشكل الأحزاب السياسية الجديدة لكن ذلك لا يعني بأن السخرية منها وإعاقتها من جهة رموز التيار المحافظ في المجتمع والدولة هو سلوك ينتمي مع متطلبات ومقتضيات الولاء بقدر ما هو مسار مريب لأن الأحزاب الموجودة على علتها ينبغي أن يسمح لها بالولادة والنمو حتى تنضج التجربة لاحقا أكثر.
لا بد من تحذير الناس عموما بأن عليهم ممارسة حقوقهم في الانتخابات واختبار الجميع وبالمقابل لا بد من تحذير السلطات التنفيذية والمشرفة والسياسية بأن كلفة التدخل حتى عبر الهندسة يوم الاقتراع ستكون كبيرة وستعيق بالتأكيد مسار التحديث.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية