برلين- “القدس العربي”:
في ظل تزايد التهديدات الروسية لألمانيا، دافع المستشار الألماني أولاف شولتس عن خطط نشر صواريخ أمريكية يصل مداها إلى 2500 كيلومتر في بلاده، فيما وصفه بـ“التهديد القادم من روسيا”، قائلا: “هذا جزء من الردع ويضمن السلام. إنّه قرار ضروري ومهم اتُخذ في الوقت المناسب”.
وأكد المستشار الألماني: “نعلم أن هناك تسلحا هائلا في روسيا بأسلحة تهدد الأراضي الأوروبية”. وأضاف أنه على مدار فترة طويلة، تمت مناقشة كيفية الرد على هذا التحدي، إلى جانب مظلة الحماية النووية للناتو بوسائل الردع التقليدية.
تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تعتزم، لأول مرة منذ الحرب الباردة، معاودة نشر أنظمة أسلحة في ألمانيا تصل إلى روسيا، وذلك وفقا لما اتفق عليه البيت الأبيض والحكومة الألمانية يوم الأربعاء. وتقع العاصمة الروسية موسكو على مسافة خط جوي مباشر يبلغ 1600 كيلومتر من العاصمة الألمانية برلين.
واعتبارا من عام 2026، من المنتظر أن تعمل صواريخ كروز من طراز توماهوك، وصواريخ دفاع جوي من طراز “إس إم 6” وأسلحة أخرى تفوق سرعة الصوت تم تطويرها حديثا، على توفير حماية أفضل لأعضاء حلف شمال الأطلسي في أوروبا. وأعاد القرار ذكرى الحرب الباردة.
وكشف شولتس أنه تم إقرار نشر أسلحة بعيدة المدى في الاستراتيجية الوطنية الأولى لأمن جمهورية ألمانيا الاتحادية قبل عام، وأردف: “لهذا السبب، فإن قرار الولايات المتحدة يتماشى تماما مع هذه الاستراتيجية التي ناقشناها علنا منذ فترة طويلة”.
إلى ذلك، كشفت مجلة شبيغل الألمانية عن تسريبات لخطة سرية وضعها الجيش الألماني في حالة المواجهة مع روسيا، حيث يعمل الجيش الألماني على وضع خطط لوجستية لحشد مئات الآلاف من الجنود ونقلهم إلى الجبهة الشرقية في حالة اندلاع نزاع. وتعتبر الطريق السريع A2، الممتدة من أوبرهاوزن إلى حلقة برلين، محوراً رئيسياً لهذه العمليات. وتشمل الخطط تفاصيل حول حماية الجسور الحيوية، مثل جسر هوهينفارت، الذي قد يكون هدفاً محتملاً لهجمات صاروخية أو أعمال تخريبية.
تشمل السيناريوهات نقل 800,000 جندي و200,000 مركبة، بما في ذلك الدبابات والشاحنات الثقيلة، من موانئ بحر الشمال في هولندا وبلجيكا وألمانيا إلى الجبهة الشرقية في فترة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر. ويشير تيزلر إلى أن القوات قد تواجه محاولات تعطيل مستهدفة لتحركاتها، مما يتطلب اتخاذ تدابير أمنية إضافية.
قامت القوات الألمانية بمناورات لتجهيز مراكز دعم القوافل العسكرية، مثل تلك التي أجريت في مدينة ألسفيلد بولاية هسن. وقد شملت هذه المناورات مشاركة جنود من الجيش الأمريكي، حيث تم استخدام قاعات كبيرة بالقرب من الطرق السريعة كمحطات توقف وإعادة تزويد للقوات والمركبات.
رغم هذه الاستعدادات الواسعة، أبدت المجتمعات المحلية ردود فعل محدودة تجاه التمارين العسكرية. ويعبر ستيفان باول، عمدة مدينة ألسفيلد، عن دهشته من قلة الاهتمام الشعبي، مشدداً على أهمية الاستعدادات الدفاعية في ظل التغيرات الجيوسياسية الراهنة.
وعقب تقرير إعلامي أمريكي عن خطط روسية لمهاجمة رئيس شركة “راينميتال” الألمانية لصناعة الأسلحة أرمين بابيرغر، دعا خبير الشؤون الدفاعية في الحزب المسيحي الديمقراطي، رودريش كيزفيتر، إلى تعزيز أجهزة الاستخبارات الألمانية.
وقال كيزفيتر في تصريحات للقناة الثانية في التلفزيون الألماني (تسي دي إف): “يتعلق الأمر بضمان أن تكون أجهزتنا الاستخباراتية قادرة على الاستطلاع بصورة أفضل بدون تصعيب الأمر عليها عبر لوائح التخابر”، مضيفا أنه يجب جعل الاستخبارات الألمانية على قدم المساواة مع أجهزة الاستخبارات في البلدان المجاورة.
من جهته، انتقد رئيس مؤتمر ميونخ الدولي للأمن، كريستوف هيوسغن، أغلبية أعضاء الحكومة الألمانية تحت قيادة المستشار أولاف شولتس، فيما يتعلق بتصريحاتهم بشأن الحرب الروسية في أوكرانيا.
وقال مستشار شؤون السياسة الخارجية الأسبق للمستشارة السابقة أنغيلا ميركل في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية: “في ألمانيا يتحدث وزير الدفاع صراحة عن ضرورة أن نصبح مستعدين لخوض حرب”، مضيفا أن أعضاء آخرين في الحكومة الألمانية لا يزالون في المقابل يقللون من خطورة الوضع.
وقال هويسغن: “حتى يومنا هذا، لدي شعور بأن معظم المسؤولين السياسيين يعتقدون أنهم لا يستطيعون التحدث بصراحة إلى الشعب ويقولون: نحن نتعامل مع عدوان على غرار ما كان عليه الحال في الحرب الباردة… هناك بعض التردد والاعتقاد بأنه لا يمكن التجرؤ على إخبار الشعب بذلك”. موضحا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وضع لنفسه هدف استعادة الاتحاد السوفيتي القديم، وأضاف: “ما زلنا نستخف إلى حد ما بكل شيء: لا تزال النبرة المهدئة تهيمن على تصريحاتنا السياسية في ألمانيا. ربما هناك خوف من إخبار الناس بوضوح بما يحدث”.
وذكر هويسغن أن بوتين أثبت مدى عدوانيته، وقال: “من الصواب أن نشرع الآن في عواقب من جانبنا”، وذلك في إشارة إلى خطط نشر صواريخ كروز أمريكية يصل مداها إلى 2500 كيلومتر في ألمانيا اعتبارا من عام 2026.
وهذه المرة الأولى التي تخطط فيها الولايات المتحدة لنشر أنظمة أسلحة في ألمانيا تصل إلى روسيا منذ الحرب الباردة. وقال هويسغن: “لا يمكن التفاوض مع شخص مثل فلاديمير بوتين إلا من موقع قوة”.