إذا كان صحيحاً أن الوزير فرنجية حليف للثنائي الشيعي، ولكنه في الوقت ذاته كرئيس للبلاد في حال انتخابه لا يمكنه إلا تجسيد إرادة الغالبية وصون صلاحيات الرئاسة والتوازن الوطني.
بيروت ـ «القدس العربي»: إذا كانت الجبهة الجنوبية حافظت على اشتعالها بين حزب الله وإسرائيل، فإن الجبهة الداخلية لم تكن أقل اشتعالاً على خلفية خريطة الطريق التي تقدمت بها قوى المعارضة لانتخاب رئيس وترى فيها إمكانية لتذليل العقبات وتسهم في إخراج لبنان من حالة التعطيل.
واقترحت المعارضة خيارين لحل أزمة الرئاسة ولاشكالية الحوار الذي يشترط رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يكون برئاسته كممر إلزامي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي. الاقتراح الأول الذي يتوافق نوعاً ما مع الطرح الأساسي لتكتل «الاعتدال الوطني» هو الآتي: «يلتقي النواب في المجلس النيابي ويقومون بالتشاور في ما بينهم، دون دعوة رسمية أو مأسسة او إطار محدد حرصاً على احترام القواعد المتعلقة بانتخاب رئيس للجمهورية المنصوص عنها في الدستور اللبناني. على أن لا تتعدى مدة التشاور 48 ساعة، يذهب من بعدها النواب، وبغض النظر عن نتائج المشاورات، إلى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية وذلك حتى انتخاب رئيس للجمهورية كما ينص الدستور، من دون إقفال محضر الجلسة، ويلتزم جميع الأفرقاء بحضور الدورات وتأمين النصاب».
أما الاقتراح الثاني الذي يحفظ نوعاً ما هيبة وموقع وصلاحيات الرئيس بري ويوفّق بين رؤية المعارضة ومطلب الحوار فهو الآتي: «يدعو رئيس مجلس النواب إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، ويترأسها وفقًا لصلاحياته الدستورية، فإذا لم يتم الانتخاب خلال الدورة الأولى، تبقى الجلسة مفتوحة، ويقوم النواب والكتل بالتشاور خارج القاعة لمدة أقصاها 48 ساعة، على أن يعودوا إلى القاعة العامة للاقتراع، في دورات متتالية بمعدل 4 دورات يومياً، من دون انقطاع ومن دون إقفال محضر الجلسة وذلك إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، ويلتزم جميع الأفرقاء بحضور الدورات وتأمين النصاب».
وإذا كانت اللجنة المصغّرة المنبثقة عن قوى المعارضة قد باشرت عقد اجتماعات مع ممثلي الكتل النيابية لشرح رؤيتها لإنهاء الشغور الرئاسي، إلا أن الثنائي الشيعي سارع إلى توجيه السِهام إلى مبادرة المعارضة وإدراجها في خانة «النكد السياسي» ما يؤشر إلى رفضها لتلقى مصير سابقاتها من مبادرات وتحركات للجنة الخماسية وللموفد الفرنسي جان إيف لودريان. وكان لافتاً أن الثنائي الشيعي أرجأ تحديد موعد للقاء نواب المعارضة إلى ما بعد انتهاء ذكرى عاشوراء، فيما بعض نواب كتلتي «التنمية والتحرير» و«الوفاء للمقاومة» تولوا التصدي للمبادرة، من خلال التأكيد على دور رئيس مجلس النواب في توجيه الدعوة إلى الانتخاب وترؤس الحوار تحت قبة البرلمان. وجاء بيان كتلة «التنمية والتحرير» التي عقدت اجتماعها برئاسة الرئيس بري ليدين ما رأى فيه «حملات تجنٍ وافتراء تطاول رئيس المجلس النيابي ودوره وصلاحياته» مؤكدة «أن هذه حملات حتماً ممجوجة ومكشوفة الأهداف» وسائلة «لماذا خشية هذا البعض من علة وجود لبنان وهو الحوار؟ ولماذا تصوير الحوار أو التشاور على أنه فزاعة وتجاوز للنظام والدستور؟».
وحسب أوساط الثنائي الشيعي فإن «طرح المعارضة يأتي في سياق تخفيف الضغط عن هذا الفريق الذي يرفض الحوار الذي دعا إليه الرئيس بري ويحاول تحويل الأنظار نحو الطرف الآخر» ورأت «أن محاولة المعارضة الانتقال من حالة الدفاع وتبرير رفض الحوار إلى حالة الهجوم وتفصيل التشاور على قياسها لن تؤتي ثمارها». وسألت الأوساط «أما وقد أقرّت المعارضة بمبدأ التشاور فلماذا محاولة تهميش دور رئيس المجلس وإدارته لهذا التشاور؟» مشيرة إلى «أن المتضرر من الشغور الرئاسي ومن غياب الشراكة والتوازن في البلد من مصلحته التمتع بالمرونة والتجاوب مع مبادرة الرئيس بري لإنجاز الاستحقاق الرئاسي اليوم قبل الغد».
ولكن بماذا ترد المعارضة على فريق الثنائي الشيعي؟
تقول مصادر المعارضة «إن اشتراط الحوار كممر إلزامي للاستحقاق الرئاسي يكرّس أعرافاً جديدة من خارج الدستور تنسف مبدأ فصل السلطات. وإذا كان تطبيق الدستور يتطلب حواراً فما علينا إلا تعميم هذا العرف على كل الانتخابات الدستورية، من رئاسة مجلس النواب إلى رئاسة مجلس الوزراء» وترى أنه «بعيداً عن تكريس الأعراف، فليس من مصلحة الثنائي الشيعي في الوقت الحاضر انتخاب رئيس للجمهورية وذلك كي يستمر هذا الفريق قابضاً على السلطة والقرار خصوصاً أن لبنان مقبل على مفاوضات بعد انتهاء حرب غزة والعمليات العسكرية في الجنوب». وتضيف «أما إذا وصل رئيس إلى قصر بعبدا فستقع على عاتقه إدارة دفة المفاوضات، وهذا ما سينزع ورقة التفاوض من يد الرئيس بري ومن خلفه حزب الله، وما نشهده من احتكار للقاءات مع المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين خير دليل».
فهل ما تعلنه المعارضة في محله وهل فعلاً يرغب الثنائي الشيعي في إبقاء ورقة التفاوض بيده حتى لو وصل إلى قصر بعبدا رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية؟
من الصعب التكهّن بما ستؤول إليه الأمور في المستقبل، ولكن إذا كان صحيحاً أن الوزير فرنجية حليف للثنائي الشيعي، ولكنه في الوقت ذاته كرئيس للبلاد في حال انتخابه لا يمكنه إلا تجسيد إرادة غالبية اللبنانيين وصون صلاحيات رئاسة الجمهورية والتوازن الوطني. ومن غير المعروف عن بيت فرنجية المساومة على حساب الثوابت، وسبق للرئيس سليمان فرنجية يوم كان رئيس «جبهة الخلاص» في مؤتمر لوزان عام 1984 أن رفض الانتقاص من صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني وإعادة النظر في صيغة النظام تحت عنوان الإصلاح الدستوري. ومن الصعوبة بمكان أن يقف فرنجية الحفيد في مواجهة بكركي والأكثرية المسيحية كُرمى لـ«الخط» ما يعني الاستمرار بخطف الرئاسة وإبقائها رهينة.