القاهرة ـ «القدس العربي»: لم تفضح غزة والحرب التي تشن على مليوني مدني من أهلها للشهر العاشر فقط الأنظمة والسياسيين وحدهم، لكنها عرت كذلك كتابا وشعراء اتخذوا من “الكلام” بضاعة فأكلوا الشهد ونالوا الأوسمة والجوائز من اكتاف فلسطين والقضية الأكثر نبلا في التاريخ المعاصر، إذ آثر السواد الأعظم من هؤلاء الصمت منذ اندلاع حرب الإبادة، خشية أن يتعرضوا لغضب الأنظمة، التي تحلت هي الأخرى بدور شاهد الزور الذي يؤثر السلامة، وينتظر الثمن خشية التعرض لبطش الإدارة الأمريكية التي تقود المذابح، وترسل القنابل وكل أصناف الأسلحة.
ومن أبرز القضايا التي تثير مخاوف المواطنين على بيع الأصول العامة: نفى المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، ما تداولته بعض صفحات التواصل الاجتماعي من مقطع صوتي يزعم اعتزام الحكومة بيع قناة السويس مقابل تريليون دولار. وتواصل المركز الإعلامي مع هيئة قناة السويس، التي نفت تلك الأنباء، مُؤكدة أنه لا صحة لاعتزام الحكومة بيع قناة السويس، وأن المقطع الصوتي المتداول مفبرك، والمعلومات الواردة فيه مزيفة ولا تمت للواقع بأي صلة، مُشددة على أن قناة السويس ستظل مملوكة بالكامل للدولة المصرية، وتخضع لسيادتها، سواء في إدارتها أو تشغيلها أو صيانتها، كما سيظل كامل طاقم هيئة القناة من موظفين وفنيين وإداريين من المواطنين المصريين. وأوضحت الهيئة، أنه لا يمكن المساس بالقناة، أو أي من مرافقها المُصانة دستوريا بموجب المادة 43 من الدستور المصري، التي تنص على “التزام الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها والحفاظ عليها بصفتها ممرا مائيا دوليا مملوكا لها.
ومن الاكتشافات البحثية: كشفت تقارير طبية عن متلازمة غريبة يشعر المصاب بها أنه تحول إلى وحش يرغب في تناول لحوم البشر، وهي حالة صُنفت ضمن الاضطرابات النفسية النادرة، وعرفت باسم ذهان وينديجو إشارة إلى المخلوق الأسطوري Wendigo، ويصاحب تلك المتلازمة ظهور عدة أعراض على صاحبها منها نوبات هلع وصداع شديد، ما يتطلب الخضوع للعلاج النفسي على الفور.. ومن أحزان الرياضيين: استيقظت أسرة الرياضة المصرية، أمس، على خبر صادم بعد وفاة السباحة شذى نجم لاعبة نادي طنطا، بعد نحو شهر من دخولها في غيبوبة تامة، إثر تعرضها للإغماء وتوقف عضلة القلب خلال مران فريقها وتعيد إلى الأذهان واقعة وفاة أحمد رفعت، الذي توفي بسيناريو مشابه، بعد أشهر قليلة من توقف قلبه داخل الملعب. ومن أخبار المحاكم: بدأت محكمة جنايات القاهرة، الاستماع لدفاع المجني عليها “فتاة التجمع” خلال أولى جلسات محاكمة “سائق أوبر” المتهم بمحاولة التعدي على الفتاة وتهديدها بسلاح أبيض. وطالب دفاع المجني عليها فتاة التجمع، بتعويض مليون جنيه من المتهم، للمجني عليها عن الأضرار التي لحقت بها من أذى نفسي وجسدي. وكشف أمر الإحالة أن “المتهم حسین، خطف أنثى هي المجني عليها نبيلة بالإكراه، وقد اقترنت تلك الجناية بجناية أخرى أنه في المكان والزمان ذاتهما قام بهتك عرض المجني عليها بأن أشهر في وجهها سلاحا أبيض (كتر)، محل الاتهام التالي وأحدث إصابتها الموصوفة بالتقارير الطبية المرفقة”.
من سينجيهم من الخطر؟
الأولى بالدفاع عن قضايا العرب ومشكلاتهم هم العرب أنفسهم، فهل فهم العرب كيف ينتهزون الفرص ويوظفونها في خدمة مصالحهم؟ هل أدركوا أن إعادة إحياء القضية الفلسطينية وظهورها للواجهة ما كان ليقع لولا دفاع الفلسطينيين عن مسجدهم الأقصى وإصرارهم على عدم تهويد القدس مهما كانت التكلفة؟ واصل طارق عباس تساؤلاته في “المصري اليوم”، هل تخيلوا أن هجوم “حماس” على غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. سيشعل حريق الكراهية ضد إسرائيل وسيزيد الرغبة في التحرر من احتلالها للأراضي الفلسطينية؟ أشياء كثيرة كان على العرب أن يفهموها ويدركوها، لكنهم – وللأسف الشديد- لا يزالون غارقين في سلطة الهيمنة الأمريكية، والرغبة في تأمين النفس والحكم بالانتماء لأفكارها ومصالحها وأهدافها، لا يزالون يتصورون أن معاداة إسرائيل ستجر عليهم ويلات سياسية واقتصادية وعسكرية لا قبل لهم بها، وأن التفاوض معها والدبلوماسية وإيثار السلامة سبل للحفاظ على سلامة الجبهة الداخلية العربية من المؤامرات والدسائس. لذلك جاءت أغلب مواقف هؤلاء الحكام باهتة وغير متناسبة مع خطورة الأحداث والجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، بل محدودية تلك المواقف بتصريحات الشغب والإدانة وضرورة بناء السلام الشامل والعادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وفي أسوأ الأحوال الاكتفاء بالصمت حيال ما يجري، الأمر الذي يناقض تماما سلامة الفطرة الإنسانية القاضية بضرورة حتمية صد الخطر ولو بالخروج إليه واستعجال مواجهته. المنطق يفرض أن انتظار الخطر هو أخطر من الخطر، فماذا ينتظر العرب الآن؟ هل يخافون إسرائيل وهي تضرب غزة؟ وماذا عساهم يفعلون إن تعرضوا للمصير نفسه؟ هل ينتظرون تدمير قطاع غزة والقضاء على فصائل المقاومة هناك، ثم تهجير الفلسطينيين لأماكن أخرى؟ وماذا سيفعلون عندما تخنقهم تلك الأخطار؟ ومن سينجيهم منها؟
الدفاع عن الحق
الغريب الذي شد انتباه طارق عباس أنه في الوقت الذي يفضل فيه بعض المسؤولين العرب عدم اتخاذ مواقف صلبة وواضحة تجاه انتهاكات إسرائيل وجرائمها في قطاع غزة، يأتي حكام ليسوا عربا ولا يحكمون بلدانا عربية ولا يمتون للعرب بصِلة، لكنهم يملكون أخلاق العرب وشهامتهم وشجاعتهم ونجدتهم، بل يتخذون مواقف يؤكدون من خلالها أن الدفاع عن الحق ليست له هوية ولا يقترن بجنسية، وأن الحق أحق أن يُتبَع، وأن الدين قبل أن يكون سماويا هو كامن في السلوك وموجود في المبادئ والقيم والأخلاق التي يتربى عليها الإنسان. حكام تراهم عربا أكثر من العرب، رغم كونهم من أمريكا اللاتينية. مع نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ونتيجة هول ما ارتكبته إسرائيل من مجازر ترقى إلى حد الإبادة الجماعية، اتخذت بوليفيا قرارها بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، احتجاجا على المذابح التي ترتكبها في القطاع ورفضا لعمليات التجويع والتعطيش والحصار التي يتعرض لها السكان الفلسطينيون، وعدم مراعاة الحقوق الدنيا للإنسان، وأعلن نائب وزير الخارجية البوليفي، أن هذا القرار جاء منسجما مع قناعات بلاده بتجريم انتهاك الشرعية الدولية والحرب غير المتكافئة في القوة بين جيش إسرائيل الذي يملك أحدث التكنولوجيات العسكرية، والمقاومين الفلسطينيين. على المنهج نفسه سار الرئيس الكولومبي غوستافو بترو، يساري الانتماء والفكر المعادي لكل أشكال الهيمنة الأمريكية والانحياز الأعمى لإسرائيل، لذلك تشدد في موقفه وطيلة الأشهر السابقة خاض مواجهات دبلوماسية خطيرة مع الصهاينة، احتجاجا على حرب غزة، بدأ تلك المواقف بإدانة ما تمارسه إسرائيل من انتهاكات لحقوق الإنسان على أرض غزة.. إن مبادئ العروبة مزروعة في أهل الفطرة السليمة، حتى لو لم يكونوا عربا، والحر لا تأسره المصالح ولا يكسره الخوف ولا يتردد في حماية الحق وحماية الحرية.
طريد العدالة
كأي هارب من العدالة يذهب نتنياهو إلى أمريكا بعد أيام، ولن تتوقف طائرته في أي دولة أوروبية في الطريق، كما كان مقررا خوفا من مذكرة اعتقال تعدها المحكمة الجنائية الدولية بحقه. كان في الأساس حسب جلال عارف في “الأخبار”، قد ابتعد عن التفكير في زيارة أي عاصمة أوروبية كبرى وخطط لزيارة جمهورية التشيك والمجر، لكنه في ما يبدو آثر الحذر أو تلقى ما لا يطمئن، لأن الدولتين من الدول التي صدقت على نظام المحكمة الأساسي. والنتيجة يسافر مباشرة إلى أرض الحليف الأمريكي الأساسي و«ربما الوحيد» مباشرة، وسيكون على الطائرة أن تطير بنصف حمولتها، وسيكون على نصف مرافقيه أن يسافروا على طائرات عادية، وربما يكون ذلك مبررا لكي يعيد نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس مطالبته للنواب الأمريكيين بتمرير مقترح فرض عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يرى الكثيرون في أمريكا أنه سيكون فضيحة أمريكية لا بد من تجنبها، لكن المؤكد أن نتنياهو يأخذ قرار المحكمة الجنائية على مجمل الجد، ويعرف عواقب أن يصبح «مجرم حرب»، مطلوبا للعدالة الدولية وبصورة رسمية. ولا شك في أن مخاوفه قد تضاعفت بعد التطورات الأخيرة في بريطانيا، التي قادت حكومتها السابقة بقيادة سوناك محاولة مفضوحة لتعطيل صدور قرار اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه، حيث طلبت سرا من المحكمة أن توقف نظر القضية على أساس أنها غير مختصة بمحاكمة الإسرائيليين. الطلب السري قدم في الشهر الماضي بالتنسيق مع نتنياهو نفسه، والمحكمة أعطت بريطانيا مهلة انتهت قبل أيام قليلة لتقديم مذكرات حول الموضوع. وبعد الهزيمة الانتخابية المريرة للمحافظين، قالت حكومة العمال الجديدة إنها ستلتزم بسياسة أكثر توازنا بالنسبة للقضية الفلسطينية، وإنها ستتخلى عن طلبها للمحكمة الجنائية. وبهذا ينفتح الباب لصدور قرار المحكمة بعد فشل مؤامرة التعطيل التي حاول نتنياهو إقناع دول أوروبا بالذات بالانضمام إليها ولم يستجب له أحد.
حلم السفاح
واضح والكلام لجلال عارف، أن نتنياهو يتوقع صدور قرار المحكمة قريبا، ويعرف جيدا أن أوروبا بالذات ستلتزم بالقرار لحد كبير. حتى ألمانيا، الحليف الأوروبي الأكبر، أعلنت ذلك، ومعظم العواصم الأوروبية قالت إنها ستنفذ قرار الاعتقال إذا صدر. أوروبا حريصة على احترام قرارات المحكمة الجنائية الدولية التي كانت على الدوام في صالحها أو بناء على طلبها.. وآخرها ما يتعلق بغزو أوكرانيا ومذكرة اعتقال الرئيس الروسي والأخطر الآن أنه لا توجد دولة في أوروبا، أو خارجها تتحمل وجود مجرم حرب مثل نتنياهو على أرضها، أو توقفه في مطاراتها. الشعوب تعرف جرائمه، والأكاذيب الإسرائيلية انفضحت تماما، وأعلام فلسطين ترتفع في عواصم أوروبا تطلب الحرية والعدل، بينما نتنياهو «من الآن» يتهرب من مصيره المحتوم كمجرم حرب هارب من العدالة إذا صدر قرار الجنائية الدولية قبل سفر نتنياهو لأمريكا، فسيتحدث أمام الكونغرس بوصفه مجرم حرب مطلوبا اعتقاله رسميا، وسيضاف ذلك للسجل «الذهبي» لخضوع نواب الكونغرس للوبي الصهيوني، وسنرى فضيحة جديدة مع التهديد بفرض العقوبات الأمريكية على المحكمة الدولية، إذا صدر قرار المحكمة، قد فشلت.. وفي الحالتين تبقى الحقيقة التي تؤكد أن الحصانة سقطت عن إرهاب إسرائيل، وأن العدالة ستطارد كل قادتها كمجرمي حرب وأعداء للإنسانية، فإن نتنياهو لم يعد متهما فقط بالفساد والاحتيال والرشوة، بل أصبح مجرم حرب متهما بالإبادة الجماعية، ومطاردا من العدالة الدولية التي ظن طويلا أنها لن تجد طريقها إليه.
المهم النتائج
بداية قوية بدأها وزير الخارجية الدكتور بدر عبدالعاطي بمؤتمرين.. أولهما حسب سكينة فؤاد في “الأهرام” لجمع شمل جميع أطراف الأزمة في السودان وكان المؤتمر الثاني لدعم مهمة الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين. وأعاد المؤتمران دق أجراس الخطر حول ما يحدث في السودان وما يرتكبه الاحتلال الصهيوني في غزة والأراضي العربية المحتلة في فلسطين. ما زلت أكرر دعوتي إلى أن أخطر وأهم الحلول لكل ما يرتكبه الكيان الإرهابي في فلسطين من جرائم حرب وإبادة، يفرض أن تقوم الدول العربية والإسلامية بقطع العلاقات التي أقامها معهم الكيان الإرهابي الصهيوني.. وهي دعوة ألح فيها مجموعة من كبار المفكرين العرب والأجانب، وعلى رأسهم الأستاذ العقاد، وكما سبق وأشرت إلى العدد الخامس عشر من النشرة غير الدورية «أيام مصرية» بتاريخ 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2000 ويحمل عنوانا عريضا من دفتر أحوال فلسطين عام 1948، ومن مقالات العدد بترول العرب أخطر سلاح في معركة فلسطين، بينما يكتب الأستاذ العقاد في العدد نفسه مقالا بعنوان: قضية فلسطين والحلف البريطاني الأمريكي اليهودي عام 1948 وكيف فرضت أمريكا مشروع تقسيم فلسطين على الأمم المتحدة، ثم فرضت الهدنة على العرب ثم صدّرت السلاح لليهود… تاريخ استعماري أسود تواصله أحدث إدارة أمريكية في دعم جرائم الحرب والإبادة على غزة وباقي الأراضي العربية المحتلة، فيما وصل إلى الشهر التاسع وتجاوزت أعداد الضحايا 38 ألف فلسطيني وأكثر من 10 آلاف مفقود تحت الركام، الذي تحولت إليه غزة، علاوة على الاعتداءات المتواصلة على المسجد الأقصى ومنع الصلاة فيه.. هل لا يستحق الكيان الإرهابي بعد كل هذا العزل والمقاطعة من الأمتين العربية والإسلامية؟
متى نغضب؟
نفق مظلم أجبرنا على السير فيه سنوات.. حلمنا بضوء في نهايته يبدد وحشة ما مررنا به.. وعدونا بالضوء.. لكن لا شيء يبشر بقدومه.. تزداد حيرتنا ونخشى أن تفاجئنا في نهاية نفقنا الخانق نار تحرقنا وليس نورا يهدى السبيل. تتوالى الأحداث الجسام من حولنا، التي تخشى توابعها هالة إبراهيم في “المشهد”: لا تكاد تمر إحداها بقسوة حتى تفاجئنا غيرها أشد قسوة ومرارة. غول الغلاء يتربص بنا، يخنقنا، يحول حياتنا لجحيم.. تكاد تسقط ورقة التوت التي تسترنا وتحمينا من سؤال اللئيم، نرفع أكفنا بتضرع وخشوع نطلب من الله العون وألا تجبرنا الحاجة لغير وجهه الكريم. نبحث عن ضوء ولو خافت يهدئ روعة نفوسنا الحزينة.. تسرقه منا قرارات تزيد من حلكة أيامنا، جدول بغيض تخفي وراءه حكومتنا الفشل فتطلق عليه من باب التدليل “تخفيف أحمال”. ساعات من الظلام وسط حر مرهق يطيح بما تبقى لنا من صبر، ويتلف ما بقي لنا من أعصاب. من ساعتين لثلاث ساعات يتأرجح اللعب بحياتنا، نبتلع الغصة في صمت مقهور.. لتستفزنا مهرجانات وحفلات وأضواء تتلألأ في سموات مدنهم المخملية، وتخرج ألسنتها للمطحونين في الجمهورية القديمة. يخشى ولاة أمورنا من صرختنا المكتومة أو ربما أرادوا لعبة أخرى من باب كسر الملل، أو التظاهر بإلقاء حجر في المياه الراكدة.. فيأتي الحديث عن حكومة جديدة، وإن جاءت متعثرة المخاض، لكنها أيضا لم تبشر بجديد، بل على العكس حملت بعض أسماء وزرائها وملفاتهم التعريفية ما يثير القلق والتخوف والرفض أكثر مما يثير الثقة والتفاؤل والاطمئنان. على قمتها تأتي صورته المحفوظة بينما يهز رأسه دوما بالموافقة ليبدو أقرب لتلميذ ليس بنجيب لكنه يؤثر إرضاء من حوله.
طوق الأحزان
لم تفلح الحكومة الجديدة شكلا العتيقة سياسة وبرنامجا وطريقا على حد وصف هالة إبراهيم، أن تبشرنا بضوء في نهاية نفقنا المظلم.. وتوالت حوادث لتكرس شعورنا باليأس. موت مفاجئ للاعب شاب.. كل التفاصيل تشير لموته قهرا، تشير لما تعرض له من ظلم.. تأتي الكلمات الكاشفة على استحياء، تبدو في محاولة لتخفيف وطأة تأنيب ضمائر ما زالت حية، لكنها لا تقوى على أن تبوح بكل ما لديها ليبدو ما خفي عنه أكبر بكثير مما استطاعوا على استحياء البوح به.. طوق الحزن الجاثم فوق قلوب مقهورة دفعت لمحاولة خجولة لامتصاص الغضب. ما زالت سياسة التضحية بواحد أو اثنين ممن أثاروا الاستفزاز وتحوم دوما حولهم الشبهات.. لكن هل يكفي ذلك لامتصاص الغضب وبث الثقة؟ أم أنه سيصب في الاتجاه المعاكس ليثبت للجميع أن منظومة الفساد أكبر من أن تجتث من جذورها، وأن ما بقي فيها من أعماق أخطر بكثير مما يطفو على السطح. وتأتى جريمة لاعبة الدراجات شهد لتزيد من تدفق دموعنا الحزينة.. تخطو خطواتها وهي تعرف جيدا قوانين البلطجة التي تحكمنا، وأن الغاية تبرر الوسيلة وأن صعودها للتأهيل في مونديال دولي يمكن أن يأتي بتحطيم منافسة لها وكسر عظامها وإصابتها بفقد مؤقت للذاكرة. رغم ما تعرضت له من عقاب بإيقاف وغرامة، إلا أن الحديث عن فرص سفرها وتمثيلها لمصر ظل يتردد، ولم يحسمه قرار رادع حتى الآن، وإن حجمته كلمات وموقف اللاعبة الضحية التي لم تؤثر الصمت فكشفت عن حجم الجريمة التي كان من الممكن أن تمر بهدوء، ودون ردع أو حساب. هل ما زلنا نحلم بضوء في نهاية نفقنا المظلم؟ يأتي الحديث عن بيع الأصول ليزيد من شدة الخوف على مستقبل يبدو حالكا.. وماذا بعد بيع الأصول وما يتبقى لنا من وطن منزوع الملكية مكبل بالديون.
لعلهم يسمعون
مشكلة الدواء في مصر يراها أحمد محمد طنطاوي في “اليوم السابع” تبدأ وتنتهي عند شركات الأدوية، محلية كانت أو عالمية، فالقانون رقم 163 لسنة 1950، والمعدل بالقانون رقم 128 لسنة 1982، وضع قيودا على تسعير الدواء، “التسعير الجبري” وتحديد الأرباح، مراعاة لظروف الطبقات الفقيرة، وعدم قدرة بعض الفئات على توفير الدواء، واحتراما لهذا الحق، الذي تنص عليه المواثيق والأعراف الدولية، ووضعه المشرع المصري على قائمة أولوياته منذ نحو 75 عاما. في ظل التقلبات الحادة التي شهدتها قيمة العملة المصرية “الجنيه” على مدار العامين الماضيين، بعدما تم تخفيض قيمته عدة مرات، أدت في النهاية حقيقة واحدة، مفادها أن سعر الدولار صار 3 أضعاف الجنيه المصري، ما يعني أن الدواء كسلعة استراتيجية يجب أن تتغير أسعاره أيضا، وفقا لهذه المعطيات الاقتصادية، التي لا يمكن أن ننظر إليها بمعزل عن القضية. نجت الأدوية المرخصة حديثا من فكرة التسعير الجبري، لكن الأدوية التاريخية المعروفة، المتعلقة بالأمراض المزمنة والمشهورة لدى العامة، لم تتمتع بهذه الميزة، فلجأت إلى التفاوض مع “هيئة الدواء”، التي تراجع تسعير الأدوية كل 6 أشهر، لتقرر لها نسب الزيادات وفق الظروف الاقتصادية، والسعر العادل للمواد الخام. قرار تخفيض العملة الأخير تراجعت على أثره قيمة الجنيه بنحو 60% تقريبا، الأمر الذي جعل أغلب شركات الأدوية في حاجة لرفع أسعارها لتتواكب مع المستجدات المالية الراهنة، بينما مراجعة أسعار الأدوية تتم كل 6 أشهر وفقا لضوابط معينة ينظمها القانون، ولها سقف خاص بنسب الزيادات وعدد المرات المسموح بها، وهو ما يجعل الشركات تتجه للقرار الأخطر، وهو وقف إنتاج بعض الأدوية، لحين رفع أسعارها مجددا. جزء من أهداف شركات الأدوية مشروع، باعتبارها مؤسسات تستهدف الربح، ولها خطط وبرامج استثمارية، خاصة أن أغلب خامات الأدوية مستوردة، وارتفعت أسعارها، والاستمرار في الإنتاج قد يترتب عليه الحد من أرباح تلك الشركات، أو ربما القليل من الخسائر، لكن في الوقت ذاته يجب أن يخضع إنتاج الدواء لرقابة صارمة، تتعلق بالكميات المطلوبة، وخطوط الإنتاج، فلا يمكن لشركة دواء تقدم سلعة استراتيجية مهمة، أن تتوقف فجأة عن الإنتاج تحت أي ظرف، أو تقلل حجمه لدرجة تخلق عجزا في الأسواق، أو تترتب عليها مشكلات تتعلق بغياب أدوية بعينها.
كالماء والهواء
حين قدم أبو التعليم المصري الحديث علي مبارك ميزانية التعليم للخديوي عباس استكثر الرقم المرصود، وقام بتخفيضه إلى السدس، ثم وجه بالاكتفاء بتعليم الأتراك، أما عن المصريين فلم ير فيهم، حسب الدكتور عمار علي حسن في “الوطن” غير فلاحين للأرض، وعمال للورش، وخدم للبيوت، وحرس لمن يدفع لهم. ولم يكن أمام علي مبارك سبيل للاعتراض على المشيئة الخديوية، لكن كان عليه في الوقت نفسه أن يحقق حلمه بتوسع التعليم أفقيا، ليصل حتى القرى والنجوع والأصقاع البعيدة، فينخرط فيه القرويون وسكان الأحياء البسيطة في المدن. كانت هناك بعض المدارس التي أنشأها محمد علي بغية تخريج موظفين إداريين للجيش، وللبيروقراطية الحكومية، فقام بتطويرها، ثم حول الكتاتيب في الريف إلى مدارس، وتصرف وفق الميزانية الضئيلة، دون أن يتخلى عن حلمه الكبير، الذي وضع بذرته رفاعه الطهطاوي، الذي كان قد نادى بالتوسع في بناء المدارس، وإلحاق أبناء البلد بها، وهو ما تحقق لعلي مبارك مع الخديوي إسماعيل بشكل نسبي. وكان وجهاء المدن وأعيان الريف يتحمسون لفكرة تعليم القلة، وباح عُمد القرى ومشايخها برأيهم في هذا الأمر، فقال بعضهم جهارا: إذا تعلم أبناء الفلاحين، فمن يفلح أرضنا؟ وشاركهم أصحاب الأعمال في المدن الرأي، فاستراحوا لعمالة أمية رخيصة، ليس مطلوبا منها أن تفكر إنما تشمر عن سواعدها في الأعمال الشاقة، دون دراية بحقوقها، ودون منازعة على الهوة الواسعة بين قيمة العمل الذي يقومون به والأجور التي يتحصلون عليها. فلما جاء ناظر المعارف عبدالله فكري في نظارة نوبار باشا، نادى بتعليم الكل، وكان صاحب هذا التوجه قبل طه حسين بسنوات طويلة، وتهيأ له الأمر بعض الشيء، بسبب تفهم الإدارة العليا للبلاد لذلك، لكن استمر التعليم ضيقا، لا يناله إلا القادرون والمتفوقون من أبناء الفقراء. فلما آلت نظارة المعارف إلى طه حسين رفع شعاره الشهير «التعليم كالماء والهواء»، وكان عليه أن يخوض معركته الكبرى في هذا، بعد أن صار سكرتير وزارة المعارف، ثم وزيرا لها.
للمحظوظين فقط
في تلك الأيام التي حدثنا عنها الدكتور عمار علي حسن، كانت هناك رؤيتان تتنازعان بلا هوادة، وتجذب كل منهما أنصارها. رؤية طه حسين التي تنادي بـ«ديمقراطية التعليم» أي توسيعه على قدر الاستطاعة، رابطا إياه بالحرية السياسية، التي تفرض ثقافتها وجود مواطنين عارفين بحقوقهم وواجباتهم، وهو أمر لم يكن في رأيه يمكن أن يقوم إلا بتعميق وعي الأغلبية، ودفعها إلى الانخراط والمشاركة في الحياة العامة. الرؤية الثانية كان يتبناها إسماعيل القباني وتنادي بـ«أرستقراطية التعليم» أو تعميقه رأسيا والاهتمام أكثر بالعلوم التطبيقية، فتصبح الجامعات مدارس عليا، ويكون التعليم الابتدائي طريقا إلى التعليم الفني المتوسط المكتفي بذاته، الذي لا يتجاوزه إلا الممتازون بالعلم أو بالمال، بحيث يشمل قلة نابهة، تسند إليها، بعد التخرج، الوظائف في مختلف الإدارات الحكومية، وإنتاج النخبة الاجتماعية، التي تأخذ بيد العامة إلى حياة حديثة، وتكون في هذا بمنزلة القاطرة التي تشد عربة المجتمع إلى الأمام. وانتصرت رؤية طه حسين، الذي برع في إقناع البرلمان بالتوسع في التعليم. اليوم نرى عودة إلى الرؤية القديمة التي تنادي بتعليم القلة، لتقوم بمد الحياة الإدارية والفنية بمختلف مجالاتها، بمن ينهضون بها، بينما يُكتفى بتعليم بسيط للأكثرية، يمحو أميتها فقط، ويكون عليها أن تتجه إلى الأعمال البسيطة واليدوية والمساعدة، بدعوى أن الدولة غير قادرة على تخصيص النفقات اللازمة لتعليم الكل، وأن على من أراد مواصلة تعليمه أن يدفع. ومع زيادة مصروفات التعليم، والتوسع في المدارس الخاصة والدولية، يكون الباب مفتوحا فقط أمام القادرين لتعليم أبنائهم. هذا الارتداد يخاصم ما يتجه إليه العالم بأسره من توسع في التعليم، بعد أن أدرك من بيدهم مقاليد الأمور أن أغلبية جاهلة، أو غير متعلمة، أو حائزة من المعرفة على القشور، ستصنع عوائق جمة.
كلام على الورق
حسب أمينة النقاش في “الوفد” أنه بحكمها الصادر الأسبوع الماضي، برفض الطعن على دستورية مادتين من قانون العقوبات والإجراءات الجنائية تخصان جريمة القذف، وحظر توقيع عقوبة سالبة للحرية في جرائم قذف الموظف العام عن طريق النشر، تعزز المحكمة الدستورية العليا دورها الرائد في الدعم القضائي لحريات الرأي والتعبير والصحافة، وترسي مبادئ حق المجتمع في العلم والمعرفة بحقائق ما يجري في قضايا تخص الشأن العام، وتعظم دوره في المراقبة والمساءلة لمن يتولون مسؤوليات الخدمة العامة. الهدف هنا هو المصلحة العامة، لمنع انحراف هؤلاء عن الدور القانوني المنوط بهم، ووقف توظيف هذا الدور لخدمة مصالح خاصة، بما يعلي من دولة الحق والقانون، ويدعم الجهود الجادة لمكافحة الفساد، الذي يبدد موارد الدولة، ويعرقل خططها، ويلعب دورا خطيرا في إشاعة اليأس في نفوس المواطنين.. أحد جوانب أهمية هذا الحكم يعود إلى أن أحكام المحكمة الدستورية العليا وقراراتها نهائية وغير قابلة للطعن عليها. وهو من جانب آخر يكشف أن قوى الظلام الاستبدادي، اللابدة في دوائر السلطات التنفيذية، لا تكف عن التحرك لحرمان المجتمع المصري من حقوقه الدستورية في صحافة حرة، تمتلك من الوعي والمسؤولية ما يمكنها من أداء دورها في الكشف عن الحقائق والدفاع عن حقوق الدولة والمجتمع، وتعقب أوجه الفساد الذي ينهش خيرات البلاد، ومساءلة من يرتكبونه أيا كانت مواقعهم التنفيذية. ومنذ المعركة الفاصلة التي قادتها نقابة الصحافيين، بدعم غير مسبوق من منظمات المجتمع المصري، من أجل إسقاط القانون 93 لسنة 1995، الذي شدد عقوبات الحبس والغرامة والتأثيم في جريمة قذف الموظف العام بواسطة النشر، والقوى المهزومة من جراء سقوطه، ولطالما كانت تخشى كل أنواع الحريات الديمقراطية، لأنها ببساطة تتعارض مع مصالحها غير المشروعة، لا تتوقف عن السعي لوضع مزيد من القيود التشريعية المتعسفة، على حرية الصحافيين في القيام بعملهم.
لعلها تصدق
منذ سنوات ونقابة الصحافيين تكافح كما أخبرتنا أمينة النقاش، من أجل إلغاء العقوبات السالبة لحرية الرأي والتعبير في القضايا التي تتضمن النشر في الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، والمؤتمرات العامة، من أجل توسيع نطاق الحريات الديمقراطية في المجتمع المصري. كما تقدمت بمشروع قانون تفصيلي بذلك للجهات التنفيذية المسؤولة، ما زال مهملا في أدراجها لأجل غير مسمى. ولعل صدور حكم المحكمة الدستورية الأخير، أن يكون حافزا، لكي يضع مجلس النواب على جدول أعماله، قبل انتهاء الدور التشريعي الحالي، مشروع قانون نقابة الصحافيين لمناقشته، عند بدء الدور الجديد، بجانب النقاش الدائر حول مطالبة مجلس امناء الحوار الوطني، بإلغاء الحبس الاحتياطي في قضايا الرأي، وإضافة التعويض المادي في نصوصه، في حال إتمام البراءة. استخدمت الحكومات المتعاقبة في معظم العهود، جرائم السب والقذف لفرض مزيد من القيود على حرية الصحافة والإعلام. وحين أباح المشرع في قانون العقوبات القذف والطعن في عمل الموظف العام، أو الذي يحمل صفة نيابية، أو الشخص المكلف بخدمة عامة، بالنشر في الصحف والمجلات وغيرها من وسائل النشر، فهو يحمى الصحافيين للقيام بأداء مهام وظيفتهم دون قيود، ويحمي المجتمع من استغلال نفوذ الموظف العام. ويعد قذفا كل من أسند لغيره أمورا لو صدقت لأوجبت احتقاره من أهل وطنه، وألزمت معاقبته. وبهذا يفهم لماذا استثنى القانون آحاد الناس من تلك الإباحة التي تطول الموظف العام. أما السب – وفقا لكتاب القاضي شريف كامل الجرائم الصحافية الذي استعين بتعريفه –فهو ما يتضمن أي معنى شائن يخدش الشرف وينشر في الصحف. وبينما تقع جريمة القذف بنسبة جريمة محددة إلى من وجهت إليه، فإن السب يقع بأي عبارة تشكل خدشا لشرف المجني عليه وسمعته بين الناس، دون إسناد واقعة محددة.
مش جايين نهزر
يأخذ محمد راغب في “الوفد” من كلام اللواء طارق مرزوق، محافظ الدقهلية الجديد، ما نعتبره برنامج عمل غير تقليدي، حين ألزم نفسه، في أولى جولتين له، في مدينتي المنصورة وأجا، بأنه لن يترك شبرا واحدا في المحافظة، إلا وسيزوره ويلتقي بالمواطنين لحل مشاكلهم، والحقيقة أن هذا الإلزام، بعث رسالة تفاؤل لشعب الدقهلية، بأن روحا جديدة وجادة، قد تقتحم ما يعانونه من مشاكل المرافق والخدمات – خاصة في القرى- التي تهالكت وخرج معظمها من الخدمة، نتيجة إهمال متعمد من المحافظ السابق الدكتور أيمن مختار، الذي كان يصر على إنفاق مخصصات الخطة الاستثمارية السنوية، على مشروعات شكلية في عاصمة المحافظة «المنصورة»، لم تكن حتى تعجب الناس هناك. الصورة الآن، كما لو أن كل شيء سوف يعود لأصله، مع محافظ استهل عمله بجولات ميدانية في الشوارع، وأفضل ما قاله – علنا- أمام الناس: «إن العمل سيكون 24 ساعة في الشوارع وليس في المكاتب، ولن أترك مكانا في نطاق المحافظة، إلا وسأصل إليه، من أجل المواطن البسيط».. وزاد بالقول: «إحنا مش جايين نتفسح.. إحنا مش جايين نهزر، إحنا حكومة حرب وهدفنا تغيير حياة المواطنين».. والحقيقة أن مسؤولا بهذه الجدية والشفافية، قد يعمل على بناء علاقة ثقة وتعاون مع المواطن، تكون الأساس في اختراق أي مشاكل جماهيرية، إذا ما استمر برنامج المحافظ «مرزوق»، بشأن التزامه بزيارات طول المحافظة وعرضها. هناك في قرى مجلس محلي العمارنة، الذي يتبع مدينة المنزلة، اثنتان من أخطر المشاكل على حياة الناس، بخلاف – طبعا- موضوع تهالك مرافق وخدمات الكهرباء، وانهيار شبكات مياه الشرب والصرف الصحي.. أولى المشكلتين تتعلق بوقف استكمال تغطية ترعة الطوابرة، التي تحولت إلى مستنقع للتلوث بالقمامة، ومزرعة مفتوحة للأمراض القاتلة.. والمشكلة الثانية، وهي طريق الطوابرة – حادوث، الذي خرج من الخدمة، وصار طريقا لحوادث الموت، نتيجة انهياره تماما، طالما لم تُجر عليه أي أعمال رصف أو تطوير، منذ سنوات عديدة.