«مقاعد أم أصوات؟»: جدل أردني يتجدد بعناوين «المال السياسي»

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان- «القدس العربي»: احتدم الجدل مبكراً في الأردن في إطار نقاش يسبق الانتخابات النيابية تحت عناوين تحاول ترسيم ما هو مسموح أو شرعي، وما هو محظور وسلبي في ملف المال السياسي تحديداً. واضح أن مسار أحزاب تحديث المنظومة السياسية يواجه مبكراً أزمة الدعم والتمويل المالي، خصوصاً أن القوائم العامة على الأقل التي تسعى لتحصيل 41 مقعداً مخصصة للأحزاب، تحتاج لنفقات مالية كبيرة للإنفاق على الحملات الانتخابية حتى تتمكن من الصمود والمنافسة.
في المقابل، الأحزاب نفسها حذرة جداً من أي صيغة لتفسير تبرعات مالية يقدمها الأغنياء في الهيئات الحزبية بعدما دفع بعضهم الكثير عملياً خلال عامين لأغراض التأسيس وتمويل المقرات والمكاتب والزيارات الميدانية للجمهور.
سؤال تمويلي طرق أبواب الأحزاب مبكراً، لا بل بعضها يطالب الدولة والخزينة بالتصرف في وقت ضائقة مالية وفي إطار ما يسمح به القانون، وإن كان القانون لا يسمح بالكثير هنا، فيما قرعت آراء لبعض الشخصيات الاعتبارية جرس الإنذار مبكراً عندما أشارت لظاهرة مفترضة باسم شراء المقاعد البرلمانية بدلاً من شراء الأصوات.

مداخلة «دسمة»

مداخلة «دسمة» في هذا السياق سجلت عبر منصات التواصل الاجتماعي لوزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة، الذي كان عملياً في موقع متقدم جداً في اللجنة الملكية التي صاغت وثائق التحديث السياسي، بمعنى أن ملاحظة الحباشنة هنا ملتزمة على الأرجح وخالية من الغرض وتهدف إلى الحرص على سلامة مسار التحديث نفسه، خصوصاً مع عدم وجود طموحات شخصية أو ذاتية معروفة لديه.
حقق رأي للحباشنة، وهو سياسي مثقف وخبير، معدلات تداول مرتفعة عندما حذر الجميع من دور وبصمة المال السياسي في اختيار المرشحين للمقاعد العامة أو غيرها، فيما الإثارة بجرعة أكبر؛ لأن الحباشنة أشار إلى حادثة محددة يعلم بها في مدينته الكرك، فكرتها أن أحد المرشحين عرض عليه مقعد الترشيح مقابل مبلغ مالي. لذا ينبغي أن تقرأ ملاحظة الحباشنة في سياق تحفيز رقابة السلطات وليس في سياق الاصطياد المبكر في مياه الأحزاب السياسية.
في المقابل، ثمة نقاش مبكر يحاول التأشير إلى أن المال السياسي برز في بعض التعبيرات الحزبية عندما يتعلق الأمر بانتقاء واختيار المرشحين، خصوصاً مع وجود أسماء في قوائم حزبية أعلنت لمرشحين غامضين أو مجهولين أو لم يعرف عنهم، الاهتمام بالانتخابات بالعادة.

الأحزاب تعاني مبكراً من «أزمة تمويل»

مستوى الجدل والنقاش وصل إلى وجود تشكيك هنا وهناك، لكن بدون تقديم أدلة حقيقية يمكن إقناع الرأي العام بها أو بناء شكوى قانونية على أساسها، فيما النقاش استرسل لحد الجدل والتجاذب بزاوية محددة، هي التفريق ما بين متبرعين يقدمون مالاً من أبناء الأحزاب لأغراض الانتخابات وبين ما يسمى الآن بشراء مقاعد لم يثبت فعلاً بأي حالة.
وجهة نظر يعتد بها تقول إن التبرع المالي لخدمة أهداف الحزب من عناصره مسألة محكومة بنص قانوني ولا تخالف القانون، وهو ما ألمح له قادة أساسيون في الأحزاب الجديدة عدة مرات، اقترح بعضهم مبكراً التفريق ما بين مال سياسي شرعي يدفع لخدمة التنمية الحزبية وبين المال الأسود لأغراض التأثير بالتصويت بالانتخابات.
أول من حذر من المال الأسود في حضور «القدس العربي» مرتين، هو الأمين العام لأكبر أحزاب الوسط الميثاق الدكتور محمد المومني، وأعلنت الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات ضمناً أنها جاهزة للحرب والاشتباك مع أي مخالفة يمكن أن تظهر وجود المال الأسود.
حذر رئيس الهيئة موسى المعايطة علناً، مؤخراً، من أن الهيئة ستقوم بواجبها وتراقب المعطيات لأي مخالفة تتعلق بشراء الأصوات، وقبل ذلك أعلنت الهيئة للمواطنين عموماً أنها جاهزة لتلقي البلاغات والتحقق واستعمال صلاحياتها القانونية.
خطاب الهيئة هنا يمكن حسابه في إطار الجهد المرتبط بالتصدي لشراء الأصوات والمال الموصوف بالأسود. لكن المال السياسي «القانوي» مسألة أخرى، وخصوصاً في الجزء المرتبط بتبرعات يسمح بها القانون داخل الحزب الواحد، وإن كان النقاش عند التفاصيل قد يوقع جميع الأطراف بمحظورات هنا أو هناك، بما في ذلك السماح بولادة شائعات لها علاقة بشراء نفوذ انتخابي، مع أن الأحزاب الكبيرة والأساسية اجتهدت من جهتها في وضع معايير لاختيار مرشحين بعيداً عن إمكاناتهم المالية؛ لأن المال السياسي يمكنه تحصيل بعض الامتيازات في بعض الدوائر الانتخابية الفقيرة، لكن لا سطوة كبيرة له على حجم الأصوات خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالقائمة الحزبية الوطنية العامة وليس بالدوائر الفرعية.

دعم وتمويل الأحزاب؟

المعايطة كان من أوائل المسؤولين الذين توقعوا سابقاً في حديث مع «القدس العربي» مواجهة سؤال الدعم والتمويل المالي للأحزاب التي ستولد، متوقعاً أن سؤال المال اللازم مطروح، والأهم أن الأحزاب معنية بتدبير شؤونها هنا دون أي مساس من أي صنف باستحقاقات للقانون، وما يسمح به أو يحظره.
ثمة انطباع بأن بعض المرشحين الذين أُعلنت أسماؤهم، لديهم رافعة مالية فقط.
لكن الأحزاب نفسها تنفي ذلك، والتقولات ترافق بالعادة المرشحين بكل المواسم. والانطباع لن تسانده بعد لا أدلة ولا قرائن مقنعة، والسياق السلبي العام الذي يطرحه خصوم المنهجية الحزبية اليوم والسلبيون تجاه ملف الانتخابات هو ذلك الذي قد يشير إلى تضخيم ومبالغة في مسألة دور المال السياسي، علماً بأن التعليمات المرجعية أيضاً حاسمة وصارمة في هذا السياق، بمعنى تنظيم انتخابات نظيفة إلى حد معقول ومنطقي.
الرغبات والتوجهات والتوجيهات التي تساندها بنية تشريعية بالنص اليوم ترسم وتحدد الشرعي من غيره، لكنها قد لا تكفي للإجابة عن أسئلة دور المال في الانتخابات؛ لأنها اجتماعياً ومالياً بالعادة مكلفة، ولأن الأحزاب على الأقل الطامحة للحصول على مقاعد ضمن سيناريو القوائم العامة يقتضي واجبها الإداري إيجاد حلول لمعضلة الإنفاق، فيما يمكن تحميل المرشحين أنفسهم في دوائر الانتخاب الفرعية كلفة ونفقات إدارة حملاتهم الانتخابية، حتى لو ترشحوا باسم بعض الأحزاب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية