المغرب: الجدل يتصاعد بين المعارضة والأغلبية بسبب «قانون الإضراب» ومراقبون يستغربون أسباب استعجال الحكومة

حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي»: حاول الوزير المغربي المكلف بالإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، أن يجد منطقة وسط بين النقابات وأرباب العمل من خلال الإشارة إلى حرص الحكومة على أن يكفل مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، الحقوق المنصوص عليها دستورياً ويحمي حرية العمل.
هذا التصريح وصفه بعض المراقبين بأنه محاولة لفرض المزاوجة بين الحرص على ممارسة الإضراب الذي هو حق دستوري لا اجتهاد فيه للحكومة، وبين حماية أرباب الشركات والمقاولات من أن تعصف بهم قرارات النقابات العمالية التي لا تجد مناصاً من خوض الإضرابات لتحقيق مطالبها المتعثرة لدى المشغِّلين.
مراقبون يرون أن الحكومة متعجّلة لإخراج قانون الإضراب، وهو ما يحيل على التساؤل حول أسباب هذا الاستعجال. وحسب النقابات، فإن حرص الحكومة على حماية أرباب العمل أكثر من حرصها على حماية حق ممارسة الإضراب بالنسبة للعمال، والقانون المعني بذلك فيه العديد من الثغرات التي لا تخدم مصالح الشغيلة، وهو ما ترجمته المعارضة في اجتماع للجنة القطاعات الاجتماعية في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) برفضها مناقشته من الأصل في غياب توافقات مع كل النقابات وليس فقط الأكثر تمثيلية، كما هاجمت “الدوس على حقوق الطبقة العاملة”، كما ورد في تدخل البرلمانية فاطمة التامني، عن حزب “فيدرالية اليسار الديمقراطي”.
بالنسبة للنقابات المشكِّلة لـ “الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد”، فقد كانت واضحة في آخر خروج إعلامي لها عبر بيان اطلعت عليه “القدس العربي”، هاجمت فيه الحكومة ووصفتها بـ “حكومة الرأسمال”، مؤكدة أن “هذه اللحظة دقيقة وتاريخية”، لأن “ما يتميز به الوضع الراهن” هو “تدهور خطير للحقوق الشغلية للطبقة العاملة”، وأيضاً “تضييق فادح على الحريات النقابية من طرف الدولة وأرباب العمل” وفق تعبيرها، لذلك فإن الأمر “يستدعي أعلى درجات المسؤولية الفردية والجماعية”.
وبين رفض المعارضة ودعم الأغلبية، والجدل المتواصل حول التفاصيل الدقيقة فيما يتعلق ببنود وفصول القانون المثير الجدل، تمكّن الوزير السكوري من تقديم مشروع قانون الإضراب أمام لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النوب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، وقال في تصريحات للصحافة “إن الحكومة عازمة، بعد التشاور لأكثر من 25 شهراً مع النقابات الأكثر تمثيلية وأرباب العمل في إطار مؤسسة الحوار الاجتماعي، على أن يكون القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب، قانوناً يحمي المضربين وحقوق المغاربة كما هو منصوص عليها في الدستور”، ولم ينس في تصريحه الإشارة الواضحة والجلية التي زادت من حدة غضب المعارضة، إلى أن الحكومة حريصة على أن يحمي هذا القانون كذلك حريات العمل واستمراره في المقاولات والمؤسسات والمرافق العمومية، وختم ذلك بقوله إن هذا القانون “يجب أن يكون في مستوى مغرب القرن 21″.
المعارضة أوضحت موقفها، وهو رفض مناقشة مشروع القانون المذكور دون استكمال الحوار مع النقابات، وليس ما أفاد به الوزير السكوري من كون إخراجه سيكون بالتوازي مع النقاش و”التوافق واحترام حقوق المواطنات والمواطنين”.
النقاش في لجنة القطاعات الاجتماعية تصاعد، وعبرت المعارضة عن رفضها الواضح والجلي حتى لمناقشة المشروع في غياب توافق نهائي مع النقابات، كما استغربت حالة الاستعجال التي تبدو عليها الحكومة وهي تحاول إخراج قانون الإضراب إلى أرض الواقع. وطالبت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن حزب “فيدرالية اليسار الديمقراطي”، الوزير السكوري بضرورة تفسير الأسباب التي جعلته يُعجل في تقديم القانون قبل التشاور، فيما قال النائب البرلماني عن حزب “العدالة والتنمية”، مصطفى الإبراهيمي: “لا نعرف كيف سنناقش ونصوت في غياب المعنيين بالأمر من رجال الأعمال والنقابات والمجتمع المدني، ولا كيف تم اختيار هذا التوقيت بالضبط لتمرير القانون، فالأولى الاستشارة مع المعنيين”.
اللافت في اجتماع اللجنة المذكورة ما تداولته الصحافة المحلية من الدعم الكبير الذي أبانت عنه الأغلبية للوزير السكوري، الذي لم يقف عند ممثلي أحزابها في البرلمان، بل تجاوزه إلى حضور رئيس مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، رشيد الطالبي العلمي، ونائبه محمد صباري.
بعيدًا عن نقاش البرلمان في لجنة القطاعات الاجتماعية، والتي عرفت شد الحبل بين المعارضة والأغلبية، وأن هذه الأخيرة تمكنت من تمرير رغبتها بتقديم مشروع القانون للمناقشة، بدعمها للوزير السكوري الذي ربط “التعثر” بمسألة “الحظ”، تتشبث “الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد”، بموقفها الأكيد من رفض هذا “القانون التكبيلي” كما وصفته.
الجبهة المذكورة التي تتشكل من “الجامعة الوطنية للتعليم”، و”الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الزراعي)”، و”النقابة المستقلة للمرضين وتقنيي الصحة”، و”النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام”، و”النقابة الوطنية المستقلة لهيئة تفتيش الشغل”، و”الهيئة الوطنية للتقنيين بالمغرب”، و”شبكة تقاطع للدفاع عن الحقوق الشغلية”، ذكّرت الحكومة في بيانها الأخير بأنه “بفضل ملايين العمال والعاملات والموظفين والمستخدمين، نمت الثروة الوطنية وبني الاقتصاد الوطني، وعلى أكتافهم تطور”، متأسفة بشدة على عدم استفادة الطبقة العاملة من هذا النمو، بالعكس “ازدادت أوضاعها تأزماً على كل المستويات”.
الجدير بالذكر أن الدستور المغربي ينص على أن “حق الإضراب يظل مكفولاً، ويحدد قانون تنظيمي الشروط والأشكال التي يمكن بها ممارسة هذا الحق”، وفي ذلك اجتهدت الحكومة في صياغة مشروع قانون ظل حبيس الجدل منذ الحكومة السابقة التي كان يقودها حزب “العدالة والتنمية”، حيث تراجع وزيران للشغل عن تقديمه، وكان السبب بالنسبة لمحمد يتيم هو غياب التوافق، أما محمد أمكراز فقد كان وباء كورونا هو السبب، وجاء الدور على الوزير السكوري ليخرج “الجن من المصباح”، كما علّق أحد الظرفاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية