نواكشوط- «القدس العربي»: كاد يصبح رئيس موريتانيا، عام 1992، في أول انتخابات تعددية تشهدها البلاد، لولا ما سماه هو نفسه “مؤامرة تزوير للانتخابات حاكه العسكر ضده لإبقاء الرئيس الأسبق العقيد ولد الطايع في الحكم”. أسس حزب تكتل القوى الديموقراطية، الذي ملأ الدنيا بمعارضته للعسكر، وسعيه لتمدين الحياة السياسية في موريتانيا، بعد أن استولى الجيش على الحكم فيها إثر إطاحتهم، عام 1978، بأخيه، مختار ولد داداه، مؤسس دولة موريتانيا.
إنه أحمد ولد داداه، السياسي الموريتاني المخضرم، الذي وجد نفسه اليوم خارج قمرة قيادة حزب التكتل: حدث شغل ويشغل الرأي العام الموريتاني، أعلن عنه فجر الإثنين، إثر مؤتمر استثنائي عقدته قيادة حزب التكتل رغماً عن مؤسسه، لتعلن، في بيان رسمي، إزاحته من الرئاسة التنفيذية لحزب التكتل، وبقاءه رئيساً شرفياً متفرغاً، وفقاً لما نقلته عنه قيادة الحزب الجديدة، “لتلاوة مصحفه ولعبادة ربّه”.
جاءت هذه التطورات نتيجة أزمة سياسية عاشها هذا الحزب الهام في الساحة السياسية الموريتانية، بعد انقسام قيادته بين مجموعة مقربة من أحمد ولد داداه، منجذبة لموالاة الرئيس الغزواني، حيث ساندته في الانتخابات الرئاسية، ومجموعة كبيرة باقية على خط الحزب المعارض لنظام الرئيس الغزواني ساندت المترشح المعارض العيد ولد محمدن.
وأعلنت القيادة الجديدة لحزب التكتل، في بيان صدر الإثنين، أنه “استناداً للمادة 18 من النظام الأساسي للحزب، التأمَ مؤتمرٌ استثنائي، يومي السبت والأحد، 20-21 يوليو 2024، بمقر الحزب بمقاطعة لكصر، بدعوة من ثلثي أعضاء المكتب التنفيذي، وتضمن جدول الأعمال النظر في الحالة العامة في البلد، وفي الوضعية التنظيمية للحزب”.
عبّر المؤتمرون عن وعيهم لخطورة الأزمة السياسية والاجتماعية التي تعيشها موريتانيا، في ظل عجز السلطات القائمة عن تقديم حلول ملموسة تخفف من وطأة الظروف المعيشية
ويضيف البيان: “بخصوص الوضعية التنظيمية للحزب، فقد قرر المؤتمرون انتخاب الزعيم أحمد داداه رئيساً شرفياً لحزب تكتل القوى الديمقراطية، الذي سيبقى قدوة للديمقراطيين الوطنيين المخلصين، رغم أنف كل الأنظمة وأذنابها، التي تحاول أن تنال من مكانته السامقة وسمعته الحسنة، وانتخاب المختار الشيخ رئيساً للحزب، وإطلاق حملة انتساب وتنصيب تفضي إلى تنظيم مؤتمر وطني في أقرب فرصة”.
وأكد المؤتمرون، وفقاً للبيان، “تمسّك حزب التكتل بخطه السياسي المعارض، وتشبثه بأهدافه ومبادئه التي أسس عليها من أول يوم، واعتزازه بالماضي المشرف للحزب، كما يطالب النظام الحاكم بتغيير نهجه في التعاطي مع الشأن العام، والتوقف عن سياسة إطلاق الشعارات الجوفاء التي انكشف زيفها وأدت إلى انعدام الأفق وفقدان الأمل لدى غالبية المواطنين، ويدعو كافة القوى الحية الوطنية إلى تحمّل المسؤولية ورصّ الصفوف من أجل إرساء ديمقراطية حقة في موريتانيا، وخلق تنمية تلبي آمال كافة الموريتانيين”.
ويؤكد البيان: “وفي النقطة الخاصة بالحالة العامة للبلد، عبّر المؤتمرون عن وعيهم لخطورة الأزمة السياسية والاجتماعية التي تعيشها موريتانيا، في ظل عجز السلطات القائمة عن تقديم حلول ملموسة تخفف من وطأة الظروف المعيشية للمواطنين، وتقلص من الفوارق الاجتماعية، وتؤسس لحكامة رشيدة”، محذرين “من انتشار الدعوات القبلية والجهوية والشرائحية التي تهدد تماسك النسيج الاجتماعي، في ظل الصراعات الملتهبة في المنطقة الجيوسياسية التي تسود فيها الانقلابات والتحولات السياسية الكبيرة”.
وتحدث بيان المؤتمر عمّا سماه أزمة تنظيمية حادة يعيشها تكتل القوى الديمقراطية، منذ أزيد من خمس سنوات أزمة، بدأت مع انشغال الزعيم أحمد ولد داداه عن ممارسة مهامه كرئيس للحزب بسبب الظروف الصحية لحرمه، وتفاقمت الأزمة مع تولي خلية في الحزب لتسيير أموره الجارية، في ظل انعدام وجود نواب للرئيس قادرين على تحمّل المسؤولية في غيابه”.
ويختم البيان: “وقد أصرّت الخلية المذكورة على تغييب كلّي للهيئات، خلال تلك الفترة، وانفردت بالقرارات المصيرية، ودخلت في تنسيقات مع السلطة، وبعض الفرقاء السياسيين، دون الرجوع للمكتب التنفيذي، وأمعنت الخلية في قفزها على النصوص بشكل صريح، من قبيل محاولة تغيير خط الحزب السياسي، وأخذ موقف من الانتخابات الرئاسية، دون اتباع المسطرة القانونية لذلك”.