«يلعنه الله ويلعنه اللاعنون»

أراد أن ينتحر
وما فكّر بمن يتحمل مسؤوليتهم
فضحى بمئة وخمسين راكباً
والطائرة الباهضة الثمن وما فيها.
طلاب في ربيع العمر ينتظرهم مستقبل زاهر
ورجال أعمال
وأطفال ونساء
هكذا بضغطة زرٍ
هوت (الإيرباص) مثل صاعقة
على القمم الثلجية في الألب
خطأ من هذا؟
ومن سيحاسب عليه؟
الطبيب الذي عالج مساعد الطيار من أعراض الكآبة؟
عدم وجود أكثر من مساعد واحد للطيار؟
تستر الأهل على مرض أبنهم حفاظاً على مستقبله؟
عدم إخضاع الطيارين للفحص الطبي المنظم وشبهة تناول المخدرات؟
أين الخطأ؟ وكيف يمكن تداركه مستقبلاً؟
عذرنا الموسيقار محمد عبد الوهاب لخوفه من ركوب الطائرة؟
قال لي: لما يصير عطل بالسيارة نركنها على جنب ونتوقف،
أين تركن الطائرة إذا أصابها عطب في الجو؟
ولكن هذه الكارثة ليست بسبب العطب
بل بسبب الغضب
لأن مريضاً موشكاً على الجنون
خاف أن يتأزم حالة
فآثر الأنتحار.
مريض أو نصف مريض
حمّل مسؤولية كبرى
فلم يصنها
ودمر حياة مئة وخمسين أسرة
وأبتلاهم بالكآبة التي
تخلص هو منها بالموت.

«حربية»

ليس لها علاقة بالحروب مطلقاً.
كان أسمها حربية.
خادمة جيراننا ذات العباءة الكالحة الألوان.
هي عباءة سيدتها بعد أن عتقت، فخلعتها على حربية.
لا أدري كيف أسميها، الأنسة حربية لأنها لم تتزوج، وعمرها الآن خمسون عاماً.
لطفاء الفرنسيون، حين تبلغ العانس الخامسة والثلاثين يسمونها مدام وإن لم تتزوج.
مدموزيل للشابات فقط غير المتزوجات.
حربية تقوم بكل أعمال البيت.
بعد الغداء، تناديها سيدتها: حربية وين الچاي؟
ويكون الشاي جاهزاً.
حربية ربّت أطفال الأسرة، ورافقتهم رضّعاً وخريجي كليات.
بل كانت تصحب أختهم الوحيدة إلى المدرسة (تحوش) عنها الوحوش في الطريق، ونظرات البنت تغريهم باللحاق بها.
حربية لا تذكر من أين جاءت.
ومن أهلها.
أهلها الآن هم أسيادها.
بعد أن قدمها ذووها لتخدم في بيت (الكاتب الموظف الحكومي)
في أحدى مدن الجنوب المشمولة بالفقر.
ربما أقنعوها أن لها راتباً مدخراً لدى أهلها الجدد.
ربما دفعوا لأهلها من قبل مبلغاً زهيداً.
حربية مخلصة لأهلها الجدد وإن لم يدخلوها المدرسة كأولادهم،
ولم تلبس إلا ما رث من ثياب سيدتها.
كانت لأخلاصها تحمل الزبالة إلى رصيف الجيران
وتنشرها أمام سياج حديقة الجيران
تفتش جيداً فربما ضاع شئ من أدوات المطبخ.
ويشتكي الجيران وحربية لا تسمع.
لماذا لا تنشر زبالتها على رصيف دارهم؟
أحياناً أتعب من شغل البيت وأمنيتي أن أقيل بعد الغداء،
ولكن تنظيف المائدة لا يؤجل،
فأقول في سري: أه لو كان عندي حربية؟
لماذا يراد مني كل هذا العمل بعد الوظيفة
وجارتي ربة البيت لا عمل لها سوى الأمر على حربية والقشبة.
تعبت جارتي من الدوران على الجيران وتقصي الأخبار وبخاصة السلبية.
قالت لي: رجلي ما تساعدني، أنا أبعث حربية لتأتيني بالأخبار.
تشعبت مهام حربية وهي لا تشكو
مات السيد
وماتت السيدة
ومن المؤكد أن حربية الآن قد ماتت
ولكن صورتها في ذهني قد بقيت حية
أكتبها الآن لأتخلص منها

أديبة عراقية ـ سان دييغو

لميعة عباس عمارة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د محمد شهاب أحمد / بريطانيا:

    عندما تعطب الطائرة ، نركنها فوق السحاب …..و نطير بأرواحنا !
    ولا زال هناك الملايين من حربيه علي أرضك سيدتي ، فدعيها تعيش داخلك …فأنت ترعيها …..وشكرا لإطلالتك أيتها العراقية الجميلة إبنة العمارة حيث المياه العذبه

  2. يقول أفانين كبة . مونتريال ، كندا:

    الشاعرةالاستاذة القديرة لميعة عباس عمارة ، للأسف ان وجود الخدم في البيوت أصبح مجرد وجاهه وتنافس بين النساء العربيات . لابأس بها إن كانت ستخفف أعباء الحياة عن ربة البيت المرهقة ، لكن لايمكن الاتكال عليها في العناية بالاولاد ولتكون بديلة عن الأم التي تتفرغ لمجالس الثرثرة ومتابعة المسلسلات التلفزيونية و… الخ من قتل الوقت . حتى المرأة الغربية بصورة عامة لاتقوم بهذا التصرف عندما يصل الأمرلأولادها بل تريد أن تمارس دور الأم .

إشترك في قائمتنا البريدية