الثورة امرأة…

حجم الخط
7

يقاس نجاح أو فشل الأنظمة والثورات بموقفها من المستضعفين في المجتمع وإنصافهم، من خلال منحهم الفرص المتساوية في تحقيق الذات، بدون تمييز قومي أو ديني أو مذهبي أو عنصري أو جنسي أو حزبي، وعلى رأس هؤلاء المستضعفين في المجتمعات العربية وبشكل صارخ هي المرأة.
وعندما نقول تحرّر المرأة، لا نقصد التحرّر الشكلي الدعائي، وتسليعها، حيث تتمركز «حرّيتها» بعروض الأزياء والماكياج ونعومة البشرة والقوام الرشيق والبيديكور والمينكور، وكيف تلوي إليها أعناق الرجال! ولا دوس القيم الاجتماعية والانحلال بحجة ( جسمي وأنا حرة فيه)، ولكن نعني تحرّرها الذهني ومساواتها بالفرص مع الرجل في الفكر والتعلّم والعمل والإنتاج والإبداع وتحقيق الذات في كل مجالات الحياة.
إن مجتمعًا يُسلّط ظلمه واستبداده على الأنثى بصورة مَرَضِية بحجج وأعذار ذكورية، لا يمكن أن يكون حُرًا هو نفسه برجاله ونسائه وأطفاله، وستبقى المرأة سلاحًا يُسلّطُ ضده بهدف إبقائه تحت نير العبودية التي تتخذ أشكالا وأقنعة مختلفة، ســـواء من قبل أنظمة تدّعي التقدمية والانفتاح ودعم المرأة وفي الوقت ذاته تقــــمع وتدوس الرجــــل والمرأة وكل القيم الإنسانية في سبيل بقائها في السلطة ورفض تداولها لتحافظ على امتيــــازاتها وفسادها ونهب ثروات الشعب، أو من قبل أنظمة غارقـــة في التخلف والاستبداد، تتخذ من الإمعان في قمع المرأة وتغييبـــها العقـــلي والجسدي طريقًا سهلا لاستعباد الرجال من خلال تجهيل أمهاتهم، وتصوير الأنثى كشـــيطان ذي نوايا دائمة الخبث والرجل في حـــالة دفـــاع مــســـتمر عن روحه وشرفه وكرامته ودينه أمامها، ليغدو الشغل الشاغل للرجـــال هو المرأة وملحقاتها كاللباس والكلام والحركة والسفر والتعلّم وتحقيق الذات والهوايات وغيرها، ليصبح الرجل «الحُرّ» هو الأكثر قمعًا لإناث أسرته وبيئته، بينما هو لا يجرؤ على رفع رأسه أو تحريك لسانه أمام كرباج النظام الاستبدادي.
إن أكبر مصدر ثروات للبشر ليس كنوز الأرض من البترول والغاز والذهب والمعادن الأخرى مع أهمية كل هذا، بل إن ذهن الإنسان، هو الثروة الكبرى، وهذا يشمل الذكر والأنثى، فالبلدان المتقدمة تتقدم ليس فقط لأنها غنية بموارد طبيعية أكثر من غيرها، بل لأن هناك استثمارًا في العقول منذ الطفولة للإناث والذكور، بحيث تنمو على حرية الفكر والإبداع التي تؤدي في نهاية الأمر إلى نشوء أجيال من المبدعين للحياة من خلال الاختراعات والاكتشافات العلمية التي تعود على شعوبها والبشرية عمومًا بالخير والتقدم والرفاه وتقبّل المختلف في الدين والمذهب والقومية والجنس واللون، ولهذا السبب تقوم الدول المتقدمة بشراء العقول لاستثمارها والاستفادة منها، فكثير من العقول في الغرب وأمريكا تم استيرادها واستيعابها من بلدان العرب والعالم الثالث التي لم تقدر قيمة عقول أبنائها وبناتها، ولم تمنحهم فرص التقدم والإبداع في أوطانهم.
تغييب عقل المرأة هو أكبر المصائب، لأنه يعني تعطيل عقل الأمة كلها، لهذا نستطيع القول إن الأمم المتخلفة، هي التي تكون فيها الأم جاهلة ومتخلّفة، والأمم المقموعة تكون فيها الأم مقموعة، فالأم هي الأُمَّة، والأمة الفقيرة هي الأمة التي غيّبت ذهن المرأة، وحرمتها من تحقيق ذاتها، وبالتالي غيّبت أكثر من نصف طاقاتها.
عندما نبحث في مستوى حياة الأفراد والدخل القومي في العالم والرفاه، نرى أممًا وشعوبًا فقيرة بثرواتها الطبيعية، ورغم ذلك تعيش في بحبوحة ومستويات متقدمة في كل مجالات الحياة، في المقابل نرى بلدانًا غنية في مواردها ولكن مستوى الحياة فيها متدن، كذلك مستوى جامعاتها والتعليم فيها، ونرى أن قدرتها على الاكتشافات العلمية تكاد تكون معدومة، وعمومًا فهي دول استهلاكية غير منتجة، وهذا نتيجة لتغييب عقل الإنسان عمومًا بعد تغييب عقل المرأة. ولهذا فإن الثورة تعني في ما تعنيه تفجير القدرات الذهنية الكامنة لدى نساء الوطن وطاقاتهن، الأمر الذي يعني تقدم الوطن، فلا ثورة مع تخلّف المرأة وقمعها ومحاربتها تحت أي مسمى، ولا حرية ولا عدالة في مجتمع يقمع جوهر الحرية وهو المرأة.
دلائل كثيرة تقول إننا نقترب نحو نهاية مرحلة من تاريخ سوريا الحديث، وبالتالي دخول سوريا والمنطقة في مرحلة جديدة. إلا أنها لا تبدو في الصورة التي طمح إليها شعب سوريا في مطلع ثورته، فهذا ليس ما ثار لأجله ودفع دماءه مهرًا له، فالهدف لم يكن إسقاط بشار الأسد فقط، بل إسقاط نهج دكتاتوري قامع مجرم مستبد فاسد ناهب لخيرات الشعب.
الذين خذلوا شعب سوريا في بداية ثورته وحرموه من نصر كان وشيكًا بدون إراقة كل هذه الجداول من الدماء، وبدون كل هذه الفظائع التي جعلت الإنسان يشكك بكونه إنسانًا، وتركوه يتيمًا أعزلَ في مواجهة حرب إبادة، لن يمنحوه الحرية التي حلم بها، من منحوا القوة لعصابات مشبوهة إرهابية عزّزت وعمّقت الطائفية والمذهبية واحتقرت المرأة والتقت مع النظــــام في صناعة الإرهــاب لإفشال الثورة وحرف مسارها، لن يرضـــوا بالحــــرية الحقيقية للشعب السوري، لا السياسية ولا الاجتماعية، وخصوصًا تفجير طاقات المرأة وتوفــــير الأدوات لها لتحقيق ذاتها، ولهذا فالمهمة التي تنتظر الشعب السوري ليست فقط التخلص من النظام الحالي المجرم، بل ومنع السطو على الثورة من قبل إرهابيين وداعمين لهم، ليسوا سوى الوجه الآخر للقمع والظلم والإجرام الذي انتفض ضده شعب سوريا العظيم..

سهيل كيوان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    والله كلامك ذهب يا أستاذ سهيل
    فعلا تخلف شعوبنا بسبب تخلف المرآة عندنا
    وسأهديك قصيدة العلم والأخلاق لشاعر النيل حافظ إبراهيم :

    والمـال إن لم تدخره محصنا بالعلــم كـان نهايـة الإمـــــلاق
    والعلــم إن لم تكتنفه شمائــل تعليه كان مطيـــة الإخـفــــاق
    لا تحسبن العلــم ينفع وحـــده مـا لم يتـوج ربــــه بخــــــلاق
    من لي بتربية النساء فإنهــــا في الشرق علة ذلك الإخفــــاق
    الأم مــدرسـة إذا أعــددتـهـــا أعـددت شعبا طيب الأعــراق
    الأم روض إن تعهــده الحيـــا بالـــريّ أورق أيمـــا إيــــراق
    الأم أستــاذ الأساتــذة الألــــى شغلت مآثرهم مدى الآفـــــاق
    أنا لا أقول دعوا النساء سوافراً بين الرجال يجلن في الأسواق
    يدرجن حيث أرَدن لا من وازع يحـذرن رقبتـه ولا مـن واقـــي
    يفعلـــن أفعال الرجــال لواهيــــا عن واجبات نواعـس الأحـــداق
    في دورهــن شؤونهــن كثيــــرة كشؤون رب السيف والمــزراق
    تتشكّل الأزمـــان فــي أدوارهـــا دولاً وهن على الجمـود بواقـــي
    فتوسطـوا في الحالتين وأنصفــوا فالشـرّ فـي التّقييــد والإطــــلاق
    ربوا البنات على الفضيلــة إنهـــا فـي الموقفيـن لهـنّ خيـر وثـــاق
    وعليكمُ أن تستبيــن بناتكـم نـــور الهــدى وعلـى الحيــاء البـــاقي

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول د.منصور الزعبي:

    ان الرجال قوامون على النساء ، وانا ارغب بمعرفة القوامون على الثورات العربية ؟ هذه ليست ثورات و إنما محاولات اغتصاب للأوطان .

  3. يقول سامح // الامارات:

    * في نقطة أثارها المقال مهمة جدا : ـ
    ** ( تقوم الدول المتقدمة بشراء العقول ) والإستفادة منها ؟؟؟
    * ومن زاوية أخرى ( هجرة العقول العربية ) للغرب ؟؟؟
    ** نعم لنعترف أن الغرب وخاصة ( أمريكا ) تقدر العلم والعلماء
    والمبدعين ولهذا تستقبلهم وتحتضنهم وتقدم لهم كل التسهيلات الممكنة
    وفي الآخر تكسب ( إنتاجهم وحصادهم ) .
    * شكرا

  4. يقول سليمان الجزائر:

    1/- حتى نخرج من العموميات ، ما هو التغيير الذي أحدثته المرأة في الغرب بالتحديد حتى ساد الغرب العالم به ، و منذ متى كان للمرأة الغربية ككتلة واحدة لا بعض الأفراد هنا أو هناك أي دور في التاريخ الغربي ، هناك مفكر فرنسي مكروه من النخبة الحاكمة قال أن السياسة إذا عظم دور المرأة فيها ، فهذا دليل تبخر السلطة و القوة منها و بالتالي العجز عن القيام بأي تغيير حقيقي بها ، طبعاً ليست المرأة المسؤولة عن هذا الوضع ، لكن المشكل فقط هو أن الرجال و بالتحديد “الذكور المسيطرين” أو بتعبير أخر أصحاب كاريزما القيادة لم يكونوا ليتركوا المجال للمرأة لتصل للسلطة حقيقية ، ليس لأنها إمرأة و لكن لشدة المنافسة و ضراوتها ، و الدليل هم الشركات الكبرى CEO و البنوك الغربية التي لم يعد يخفى على أحد أنها هي الكل في الكل و لا يجرأ أكبر سياسي غربي على مخالفتها ، هذه الشركات و البنوك ينذر أن توجد إمرأة في مجلس إدارتها
    2/- لما دائما نخلط بين الأسباب و النتائج ، ليس العلم هو سبب هيمنة الغرب على العالم و إلا لما كانت اليابان فقط تابع للغرب ، الغرب هيمن على العالم أولاً بإمتلاكه إرادته ثم فرض إراضته بالحروب و الحديد و النار
    3/- عندنا إعتقاد خاطئ أن قوة الغرب بدأت مع الديموقراطية ، مع أن هيمنة الغرب و قوته و ثراءه بدأوا قبل دمقرطته بقرون ، تماماً مثل ما يحدث الأن في الصين الصاعدة
    4/- لا أدري من المقصود بالتحديد من جملة ” إرهابيين و داعمين لهم” ، لكن هؤلاء الإرهابيين هم وحدهم من يقف في وجه المجرم بشار و هم وحدهم من يحمي الشعب السوري ، و هم و حدهم من سيحرره ، لا مدعي الثورة ، لا مرتادي الفنادق ، لا من مشى في مظاهرة ، شتان بين من يحمل السلاح لحماية شعبه و بين من يحمل علماً ظناً أن هذا العلم سيحمي الأطفال و هم يقصفون ، الثورة ليست شعاراً

  5. يقول Samaher:

    رائع الكاتب سهيل سلمت وكل حرف صادق عادل خطاه قلمك ..وكما تفضلت حضرتك اكرر بدوري انا واقولها ..ولان للمرأه دورها الاساسي في منع المزاعات واعادة تأهيل الامم انهالت عليها وخاصة في دولنا العربيه انماط جديدة من سلطت عليها لعنات الحكم والحكام وسلطت عليها جماعات متطرفة لتدمرحياتها وحياة كل من تمت لها بصله من النساء والفتيات ومجتمعاتهن في العراق وسوريا وفلسطين وغيرها من المناطق حول العالم. ووهذه الانتهاكات تمثل الناحية الأكثر تطرفاً من موجة أصولية محافظة تلغي الحقوق الانسانية التي عانت النساء والفتيات لانتزاعها. غير اننا نعلم علم اليقين أن تمكين المرأة هو أساس المجتمعات القوية والمستقرة التي يمكنها الوقوف سداً منيعاً بوجه الأصولية والتطرف. لذا علينا الوقوف دفاعاً عن هذه الحقوق وتلك المجتمعات وقفة لا تقل صلابةما يجري في المنطقة العربية، وما يجري للمرأة العربية بالتحديد، من قتل واغتصاب وانتهاك لكرامة جسدها وروحها وفكرها، ومن إقصاء عن القرارات المصيرية المتعلقة بمستقبل منطقتها، ليس من معدنِ تاريخنا وديننا وليس من معدنِ شعبنا ولا من معدنِ ثقافتنا. ما يجري هو دخيلٌ على أطياف حياتنا، ودخيلٌ على تقاليدنا وعاداتنا ودخيلٌ على طموحاتنا وتطلعاتنا، لا أهداف له سوى إعادتنا الى دهاليز الانحطاط وأسرنا في سجون الجهل ومعتقلات الخوف والرعب، ولا أهداف له سوى القضاء على الشعلة الحضارية فينا التي كانت دائماً تنير طريقنا وتعبّد دروبنا

  6. يقول ابو سالم:

    المرأة ثلثي المجتمع،

  7. يقول محمد سوري:

    في مجتمع الكثير من أفراده يفرض على إناثه إخفاء الشعر خوفا من الفتنة والإغراء والاثارة لا يمكن إلا أن يكون النفاق سلوك منهجي يعتمده الشعب

إشترك في قائمتنا البريدية