صدر للباحث المغربي المهدي مستقيم مصنف جديد بعنوان: «إبيستمولوجيا الاعتقاد الديني وأخلاقياته»، عن منشورات دار استفهام ـ بيروت ـ لبنان 2024. ويعد هذا المصنف أولى ثمار ثلاثية الاعتقاد التي اشتغل عليها الباحث منذ ما يربو عن سبع سنوات.
يراهن الكاتب في مؤلفه الجديد على تحليل لحظة تلقي (Réception) المباحث الفلسفية المعاصرة، مسألة الاعتقاد الديني وفحصها واستبصارها، لاسيما مبحث أخلاقيات الاعتقاد الديني، ومبحث إبيستمولوجيا الاعتقاد الديني، إذ سلط الضوء على النقاشات التي دارت في فلك الأخلاقيات والإبيستمولوجيات المعاصرة، بين فئتين من الفلاسفة في مسألة تسويغ الاعتقاد. الفئة الأولى هم البَينِيون أو الحُجيون – نسبة إلى النزعة الحُجية Evidentialism، وهو اسم مشتق من الاستناد إلى الحجةEvidence في تسويغ الاعتقادات، سواء كانت دينية أم غير دينية – الذين لا ينزعون إلى الاعتقاد إلا في حالة استنادهم إلى أسباب وبينات معرفية. والفئة الثانية هم اللا-بَينُون أو اللا-حجيون الذين يرفضون ضرورة تأسيس الاعتقاد على الحجة والبرهان المعرفي. وعمل على الإجابة عن أسئلة أساس: هل تم التفكير في الاعتقاد الديني، بوصفه موضوعا أخلاقيا؟ ومتى حدث ذلك إن حدث؟ هل تم التفكير في الاعتقاد الديني بوصفه موضوعا إبيستمولوجيا؟ ومتى حدث ذلك إن حدث؟ وكيف تلقى رواد الأخلاقيات والإبيستمولوجيات المعاصرة أعمال بعضهم بعضا؟ وكيف تناظروا حول المفهوم؟ هل ثمة من تلازم بين التقويم الإبيستمولوجي للاعتقاد الديني والتقويم الأخلاقي للاعتقاد الديني؟ هل يُعَد الاعتقاد غير المسوغ، من وجهة نظر إبيستمولوجية اعتقادا غير مسوغ من وجهة نظر أخلاقية؟ هل يُعَد الاعتقاد غير المسوغ من وجهة نظر أخلاقية، اعتقاداً باطلا، من وجهة نظر إبيستمولوجية؟ ألا يختلف الاعتقاد الديني بطبيعته عن ضروب الاعتقادات الأخرى؟
ومن ثم، ارتأى الباحث المهدي مستقيم تناول موضوعة الاعتقاد الديني بتوسل مبحث الأخلاقيات ومبحث الإبيستمولوجيا، بالنظر إلى أهمية النتائج التي تَنْجَر عن تلاقيهما، إذ استعار من المبحث الأول المقاربة المنطقية الفلسفية، ومن المبحث الثاني المقاربة المنطقية التحليلية اللغوية. ويركز الكاتب دواعي توسله الأخلاقيات والإبيستمولوجيات المعاصرة من أجل إعمال النظر في موضوعة الاعتقاد الديني في:
ندرة استقبال مباحث فلسفة الاعتقاد الديني من لدن التأليف العربي المعاصر؛
حاجة الاجتماع العربي المعاصر إلى الاطلاع الدقيق على مكتسبات مباحث فلسفة الاعتقاد الديني؛
قدرة مباحث فلسفة الاعتقاد على المساهمة في الارتقاء الفكري والتميز الحضاري للإنسان العربي؛ وضع الاعتقاد الديني في مكانته المناسبة؛ تحرير الاعتقاد الديني من سطوة علوم الدين؛ إخراج الإنسان العربي من سباته العقائدي المستفحل؛
الحد من سلطة المؤسسة الإفتائية التي يهيمن عليها رجال الدين؛ إطلاق طاقات التحرر الوجداني؛ تنمية حس النقد والتجاوز والتجديد والإبداع والمشاركة والتضامن والانفتاح على تصورات العالم المرْبِكَة؛ معالجة الأعطاب الوجدانية التي تحول دون انبجاس إيمان وَدُودٍ يشجب التشنج والتعصب والإقصاء.
هكذا، آثر الكاتب، تقسيم مصنفه إلى قسمين، أطلق على الأول عنوان: أخلاقيات الاعتقاد الديني، وقسمه بدوره إلى ثلاثة فصول:
الأول: ويليام كليفورد: الاعتقاد المتخلق والاعتقاد الفاسد.
الفصل الثاني: ويليام جيمس ضد ويليام كليفورد: من إرادة الاعتقاد إلى قوة الاعتقاد.
الثالث: الاعتقاد ورهان المصالحة بين الاعتقاد والامتناع عن الاعتقاد هاري جي جنسلر.
في حين أطلق على القسم الثاني عنوان: إبيستمولوجيا الاعتقاد الديني، وقسمه بدوره إلى خمسة فصول:
الرابع: في لبنات المعرفة: الصدق، التسويغ، الاعتقاد.
الخامس: التسويغ المعرفي، بوصفه مفهوما معياريا.
السادس: المعرفة الدينية بين الوحي والعقل، ألفرد آير.
السابع: فتجنشتين ضد راسل: لحظة تأسيس إبيستمولوجيا الاعتقادات الدينية وبوادر انبجاسها. والفصل الثامن: الاعتقادات الدينية بين التجريبية الصلبة والتجريبية اللينة.