التوافق على تشكيل حكومة موحدة في القاهرة جاء في وقت يصعد فيه رئيس مجلس النواب الليبي، بمواجهة المجلس الأعلى للدولة، بعد خلافهما حول مشروع الميزانية.
طرابلس ـ «القدس العربي»: في ظل حالة من التوتر السياسي الشديد بين الفرقاء السياسيين في ليبيا يمثلان مجلسي الدولة والنواب، تصاعد بشكل كبير عقب البيان الذي أصدره رئيس مجلس النواب عن تشكيل حكومة جديدة وعن إصداره للميزانية، تتجه الأنظار نحو مجلس الدولة الاستشارية الذي من المقرر أن يعقد انتخابات قد ينتج عنها تغيير للرئيس ولتوجهاته.
ونقلت وسائل إعلامية محلية عن نعيمة الحامي، عضو مجلس الدولة، قولها إن المجلس سيعقد انتخابات مكتب الرئاسة الأسبوع المقبل. وأوضحت الحامي أن البيان الأخير لعقيلة صالح يعكس نية غير واضحة وقد يسبب مزيدًا من التعقيد في المشهد السياسي، مشيرة إلى أن الاتفاق الذي تم في القاهرة برعاية جامعة الدول العربية بين الأطراف كان يهدف إلى تشكيل حكومة موحدة لإجراء الانتخابات، لكن تصريحات عقيلة الأخيرة وضعت هذا الاتفاق في مهب الريح.
وأضافت الحامي أن اعتماد مجلس النواب للميزانية خارج القوانين واللوائح الدستورية كان أحد الأسباب الرئيسية لتأجيل لقاء القاهرة الذي كان من المقرر أن يجمع الأطراف المختلفة. هذا التصرف أثار استياء تكالة ودفعه إلى تأجيل الذهاب للقاهرة، ما زاد من تعقيد الأمور.
وأشارت إلى أن مجلس الدولة لم يحدد حتى الآن آليات واضحة لتنفيذ الاتفاقات، مؤكدة أن أي نقاش حول تزكية حكومة جديدة لن يتم إلا بعد إجراء الانتخابات لمكتب الرئاسة. وصدر بيان رسمي يوضح موقف مجلس الدولة، محملاً مجلس النواب وعقيلة صالح المسؤولية عن هذه الإجراءات الأحادية الجانب.
من جانبه قال عضو مجلس الدولة الاستشاري بالقاسم قزيط عن انتخابات المجلس إنه «لا يوجد إجراء إداري بالترشح للمناصب قبل يوم الانتخابات، وأي حديث عن أسماء المترشحين الآن هو تخمينات» مؤكدا أن الترشح للمناصب يكون في القاعة في يوم الانتخابات عند الإعلان عن المنصب الشاغر.
وفي معرض حديثها عن تصرفات عقيلة صالح، ترى الحامي أن هذه التصرفات ربما تعكس نية غير معلنة من جانبه، وأنها تسهم في خلط الأوراق بشكل أكبر. وتضيف أن اللقاءات التي تجري بين بعض أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة خارج نطاق المجلس الرسمي لا تمثل الكتلة الأكبر من الأعضاء، وبالتالي فإن عقيلة يعتمد على هذه اللقاءات لتحقيق أهدافه الشخصية.
ويشترط محمد تكالة، المرشح لرئاسة مجلس الدولة، أن تكون هناك قوانين انتخابية متفق عليها، وأن يتم العودة لمخرجات لجنة 6+6 ويرى أن هذا الاتفاق يتطلب آلية واضحة لكيفية تشكيل الحكومة، سواء عن طريق الانتخاب أو عن طريق دمج الحكومتين الحاليتين.
في الوقت نفسه، تتجه الأنظار إلى انتخابات رئاسة مجلس الدولة، حيث أعلن كل من محمد تكالة وخالد المشري ترشحهما لهذا المنصب وتقول الحامي إن لائحة المجلس لا تضع فترة زمنية محددة للترشح، ما يفتح الباب أمام ترشح أعضاء آخرين في اللحظة الأخيرة.
وأول المرشحين هو الرئيس الحالي محمد تكالة الذي يحظى بدعم قوي من رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، وأما ثاني المرشحين، فهو خالد المشري الذي يطمح إلى العودة إلى منصب رئيس المجلس بعد عام من إزاحته عنه، أما المرشح الثالث، فهو رئيس اللجنة القانونية بمجلس الدولة عادل كرموس الذي يبدو أقرب إلى المشري منه إلى تكالة.
وقبل ذلك اتخذ مجلس النواب قرارًا بفتح باب الترشح لرئاسة الحكومة الجديدة، مؤكدًا التزامه بمسار سياسي يهدف إلى توحيد ليبيا وإجراء الانتخابات. هذه الخطوة جاءت بعد سلسلة من اللقاءات والحوارات المكثفة التي أجراها المجلس على مدى الفترة الماضية، بدءًا من إصدار قوانين الانتخابات، مرورًا بالاجتماع الأخير الذي عُقد في اذار/مارس بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة، بين عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الدولة، ورئيس المجلس الرئاسي، والذي خلص إلى اتفاق على ضرورة إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة موحدة قادرة على إدارة البلاد.
عبدالله بليحق، الناطق باسم مجلس النواب، أوضح أن هذه الخطوة تأتي في إطار الجهود المستمرة للمجلس لتجاوز العقبات القانونية والإجرائية، مؤكدًا أنه لا يوجد أي عائق أمام فتح باب الترشح. وأشار إلى أن المجلس قد اعتمد آلية واضحة ومحددة لاختيار رئيس الحكومة، ما يفتح الباب أمام الشخصيات الوطنية للتقدم وإدارة البلاد في هذه المرحلة الحاسمة. ويقول جبريل أوحيدة عضو مجلس النواب إن مجلس الدولة يمثل عقبة رئيسية أمام أي تحركات تفضي إلى إجراء الانتخابات، مشدداً على أن ردة فعل المجلس السلبيّة بعد كل توافق أو تقارب مع النواب تدل على عدم وجود أمل في تحقيق شيء يقربنا من الانتخابات المنشودة.
أوحيدة، في تصريحات تلفزيونية أشار إلى أهمية انتظار انتخابات مجلس الدولة المقبلة. وإذا ما استمرت نفس الرئاسة، فإنه يرى ضرورة أن يعيد النواب النظر في كل ما تم التوافق عليه مع مجلس الدولة. وأوضح أن الاستمرار في النهج الحالي أصبح عبثياً، مطالباً مجلس النواب بالنظر في رؤية جديدة قد تكون هي المنقذة للبلاد من أزمتها الحالية.
واستطرد أوحيدة موضحاً أن الأمل الضئيل معقود على قدوم رئاسة جديدة تدعم التوافق وتسعى لتحقيق وتنفيذ قوانين الانتخابات وقبول نتائجها. لكنه أبدى تشاؤمه من هذا الاحتمال، مشيراً إلى أن الدعم المطلوب من الدول المتغلغلة في الأزمة الليبية بعيد عن التحقق. وتابع أوحيدة «مجلس النواب فعل ما عليه وتنازل كثيراً في سبيل تحقيق الاستقرار، ولكن في كل محطة نجد أن العرقلة تأتي من مجلس الدولة ومن خلفه من أطراف داخلية وخارجية» يقول أوحيدة بنبرة تحمل في طياتها الإحباط من الوضع الراهن «هذه الأطراف التي تعمل في الظل وتعرقل أي تقدم نحو الانتخابات تعكس مدى التعقيد الذي يعيشه المشهد السياسي الليبي».
ويقول رئيس حزب صوت الشعب، فتحي الشبلي، إن كل الأطراف الموجودة في المشهد، والبعثة الأممية، لا يريدون إجراء الانتخابات في ليبيا.
وقال الشبلي في مقابلة صحافية إن «الجميع يسعى لإدارة الأزمة وإطالتها، واستمرار الوضع كما هو عليه، وكل المبعوثين لا يريدون إلا إطالة أمد الأزمة» ووصف المبعوثين الأمميين بأنهم مجرد مرتزقة مال، وحولوا البعثة من بعثة للدعم إلى بعثة تتحكم في كل شيء داخل ليبيا.
وشدد الشبلي على ضرورة تغيير مسار الأمم المتحدة في اختيار المبعوثين، ولابد أن يتدخل الشعب الليبي ويفرض رأيه في شخصية هذا المبعوث، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة تمتلك صلاحية وضع جدول زمني لإجراء الانتخابات، ولكن كل المندوبين السابقين لم يقوموا بهذا العمل، لأنه راقت لهم الرواتب الكبيرة ومعاملتهم كرئيس دولة.
واستكمل: لن يكون هناك حل في ليبيا إلا من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن، طالما نحن تحت الفصل السابع.
وكان أعضاءٌ في مجلسي النواب والأعلى للدولة الليبيين قد اجتمعوا في العاصمة المصرية القاهرة قبل أيام للاتفاق على خريطة طريق تفضي لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، بالإضافة للاتفاق على ضرورة تشكيل سلطة تنفيذية جديدة تتولى الإشرافَ على العملية الانتخابية.
ونقلت منصات محلية عن مصادر برلمانية ليبية تأكيدها بتعثر ملف تشكيل سلطة تنفيذية جديدة في البلاد، نتيجة عدم توفر الدعم الأممي والدولي لهذا التحرك الذي قاده بعض نواب البرلمان الليبي والمجلس الأعلى للدولة خلال الأيام الماضية.
وأوضحت المصادر أن رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، يقود تحركات إقليمية بهدف دعم مخرجات اجتماع بعض أعضاء البرلمان ونظرائهم في المجلس الأعلى للدولة، مشيرةً إلى وجود تحفظ لدى الدول الفاعلة والمنخرطة في المشهد الليبي إزاء غياب وجود توافق شبه كامل على تشكيل سلطة تنفيذية جديدة.
التوافق على تشكيل حكومة موحدة في القاهرة جاء في وقت يصعد فيه رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، بمواجهة المجلس الأعلى للدولة، الذي يرأسه محمد تكالة، بعد خلافهم حول مشروع الميزانية حيث يقول الأول إن البرلمان هو صاحب الاختصاص في إقرار مشروع قانون الموازنة العامة للدولة دون غيره من المجالس الأخرى.
فيما اعتذر بوقت سابق رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة عن عدم تلبية الدعوة التي تلقاها لحضور الجولة الثانية من المشاورات، بحضور رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، قائلا إنه «لا جدوى من حضور مثل هذه اللقاءات لعدم رغبة بعض أطرافها في تحقيق أي تقدم على طريق حلحلة الأزمة بل سعيه لاستخدامها للمناورة واستهلاك الوقت.»