لندن- “القدس العربي”:
نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا حول ما رأت أنها قواعد الحرب الجديدة والمخيفة لإيران. وقصدت من ذلك تخلي طهران عن الانضباط الذي منع حتى الآن حربا مفتوحة بالمنطقة.
وأشارت في البداية إلى أن الضاحية الجنوبية في بيروت باتت فارغة، حيث فرّ السكان إلى الجبال، وألغت الخطوط الجوية رحلاتها إلى بيروت وطهران وتل أبيب. ويقوم المدنيون بملء خزانات سياراتهم بالوقود، وبات الإسرائيليون القلقون يعتمدون على طلبيات الوجبات السريعة.
ويعيش الشرق الأوسط منذ أسبوع حالة من التوتر الشديد بانتظار التصعيد الجديد في الحرب التي مضى عليها عشرة أشهر بين إسرائيل وإيران والجماعات المسلحة الموالية لها.
ولم يحدث التصعيد بعد، لكن هناك توقعات باندلاعه في الأيام المقبلة.
وبدا التصعيد محتوما منذ أن قصفت إسرائيل في 30 تموز/ يوليو الضاحية الجنوبية لبيروت، واغتالت فؤاد شكر، القائد العسكري لحزب الله. وبعد ساعات من ذلك، اغتالت إسرائيل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أثناء زيارة له إلى طهران.
وتعهدت إيران وحزب الله بالرد، ولو حدث هذا فربما يكون الهجوم منسقا، وقد تشترك فيه الجماعات الموالية لطهران في سوريا واليمن والعراق.
وترى المجلة أن المحللين ركزوا على مدى سنين على افتراضين، وهما أن إيران تريد قتال إسرائيل من خلال جماعاتها الوكيلة بدلا من المواجهة المباشرة. أما الثاني، فهو رغبة إيران بالحفاظ على النزاع تحت عتبة الحرب الشاملة.
إلا أن كلا الافتراضين أصبحا هشّين، فقد أطلقت إيران 300 صاروخ ومسيرة في نيسان/ أبريل على إسرائيل بعد مقتل جنرالين إيرانيين بغارة إسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق. وقضت طهران الأسبوع الأول من شهر آب/ أغسطس تفكر في الرد أم لا. ولكن التابو قد خرق على ما يبدو.
ويكشف الخطاب الإيراني الجديد، رغبة في للمخاطرة. وكان الإيرانيون متشددين في لقاءاتهم مع نظرائهم العرب، وأكدوا أنهم سيردون بقوة حتى لو أدى هذا إلى جر المنطقة إلى حرب شاملة. وكانت نبرة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، مشابهة، ففي خطاب ألقاه يوم 6 آب/أغسطس، تعهد بالانتقام لمقتل شكر “مهما كانت النتائج”.
وترى المجلة أن استعداد إيران والجماعات الوكيلة لها للمقامرة، نابع من عدم انضباط إسرائيل.
فمنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر وهجوم حماس الذي أدى لرد إسرائيلي انتقامي، قامت إسرائيل بسلسلة من الاغتيالات. فقد قتلت قادة إيرانيين في سوريا ولبنان، وقادة في وحدة النخبة بحزب الله “الرضوان” ومعظم قادة حماس في غزة وبيروت.
وتقول المجلة إن الاغتيالات ليست أسلوبا جديدا لإسرائيل. إلا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تردد بالموافقة على عمليات قتل مسؤولين كبار طوال فترته في الحكم. وقد تبخر هذا الحذر على ما يبدو منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر. ومن المنظور الإسرائيلي، فقد فعلت حماس الأسوأ وانضم إليها حزب الله والجماعات الأخرى الموالية لإيران. وعليه، زالت المخاوف من أن تؤدي الاغتيالات إلى تصعيد في المنطقة، فهو موجود.
ويضاف إلى هذا، حسابات نتنياهو السياسية والشخصية، فهناك رغبة لدى الإسرائيليين في الانتقام من هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر. والاغتيالات هي واحدة من الطرق لزيادة شعبية نتنياهو المتدنية. وبالنسبة لقادة الأجهزة الأمنية، فعمليات كهذه تثبت أنهم لم يفقدوا لمستهم السحرية.
وقد أجبر الهجوم الإسرائيلي على السفارة الإيرانية في دمشق، طهران على الرد. وقامت في نيسان/ أبريل، بإرسال صواريخ ومسيرات تم اعتراضها من قبل تحالف أقامته الولايات المتحدة، حيث أسقطت معظمها الجيوش الغربية والعربية والدفاعات الصاروخية الإسرائيلية، ولم يكن الضرر كبيرا، إلا أن هذا ليس هو المقصود، فقد أرادت إيران أن تضع علامة: أي هجوم على أراضيها سيتم الرد عليه بالمثل.
ولكن إسرائيل تجاهلت العلامة التحذيرية. ومن هنا، علينا التفريق بين ضرب إسرائيل للسفارة الإيرانية في دمشق وقتل هنية في طهران. فرغم قتله على التراب الإيراني، إلا أنه لم يكن إيرانيا. ولم تعلن إسرائيل المسؤولية عن مقتله، حيث قُتل على ما يبدو بقنبلة تم تهريبها إلى مقر إقامته. ويأمل المسؤولون الإسرائيليون أن يسمح هذا الوضع الغامض لإيران بتجنب تصعيد انتقام درامي.
إلا أن إيران تبدو مصممة، ولو تراجعت، فهي تعترف بأنها غير قادرة على ردع إسرائيل. ولكنها وهي تفكر بالرد المباشر، تجد نفسها أمام واقع غير مريح.
فلم يكن اعتماد إيران على الجماعات الوكيلة وسيلة لإبعاد النزاع عن أراضيها، بل للتغطية على ضعف قواتها التقليدية. وحتى لو هدد الدبلوماسيون الإيرانيون بشن حرب شاملة، فإن الجيش الإيراني لا يمكنه القيام بذلك. ورغم أن إيران تمتلك أكثر من ثلاثة آلاف صاروخ باليستي في ترسانتها، فإن مداها لا يكفي للوصول إلى إسرائيل. ذلك أن صواريخها التي تعمل بالوقود السائل، مثل صاروخ عماد الذي استخدمته ضد إسرائيل في نيسان/ أبريل وتحتاج إلى ساعات من التزود بالوقود والاستعداد للإطلاق، وهو الوقت الذي يمكن للعدو أن يستغله لاستهداف منصات الإطلاق.
ولدى إيران آلاف من صواريخ كروز والمسيرات بمدى للوصول إلى إسرائيل. ولكنها بحاجة إلى أن تقطع مسافة آلاف الكيلومترات بين البلدين، مما يعطي إسرائيل مساحة واسعة للتحرك ضدها.
ونظرا للمسافة بينهما، فإن الهجوم البري يظل خارج المعادلة، والجغرافيا هنا مهمة، فإيران بعيدة ولا تستطيع إرسال جيش جرار لهزيمة إسرائيل. وتواجه جماعات إيران الوكيلة نفس المشكلة، فقد نجح الحوثيون بقتل إسرائيلي في تموز/ يوليو، عندما ضربت مسيّرة تل أبيب، لكن معظم الصواريخ التي أطلقها الحوثيون منذ بداية الحرب انحرفت عن مجالها أو تم اعتراضها.
ولمواجهة إسرائيل، على إيران الاعتماد على حزب الله، الجماعة القوية الوكيلة عنها، ولكن إطلاق العنان لقوة حزب الله الآن قد تؤدي إلى قصف جوي إسرائيلي مكثف وربما لغزو بري للبنان. ولن تستطيع إسرائيل تدمير حزب الله المتجذر في النظام السياسي والاجتماعي والإقتصادي اللبناني، لكنها تستطيع الإضرار بقدراته العسكرية التي أنفقت إيران عقودا في بنائها.
وربما يتساءل المخططون الاستراتيجيون الإيرانيون، بعد فوات الأوان، فيما إن كانوا قد أخطأوا في نيسان/ أبريل. فالقصف الذي أطلقوه على إسرائيل لم يخلق ردعا. بل ربما أدى إلى إجبارهم على تصعيد الحرب مرة أخرى وتعريض وكلائهم، وأنفسهم، لخطر كبير.