بعد اختيار يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة «حماس»، فإن على قنوات الغبراء «حق عرب» لصالح الحركة، فيستوجب تأييد قرارها باختيار مقاتل من الخنادق، لا من الفنادق، لكن القوم ليسوا عرباً ليعرفوا معنى «حق عرب»! أكثر من برنامج تلفزيوني، يبث من القاهرة، حمل في بداية طوفان الأقصى على «حماس»، لأن زعيمها وصاحب قرار الحرب، إسماعيل هنية، يناضل من الفنادق والقصور، بدلاً من أن يكون في الخنادق والأنفاق، وبدا إعلام المهزلة بهذا الأداء الحنجوري، كما لو كان ينتصر للنضال الفلسطيني.
مع أنهم هم أنفسهم الذين أصبغوا على الرئيس مبارك لقب بطل الضربة الجوية، في حين أنه كان في غرفة العمليات، ولم يكن على الجبهة، وكان بجانبه بطل العبور، وقادة النصر، وهذا من طبيعة الأشياء، فلكل دور، القيادة والمحاربين، والعسكري والسياسي!
كنا نعلم أنه غضب العدو على المقاومة، وليس من يريد لها النصر بالنضال من الداخل، لكنهم يعتقدون أنهم بحديث الفنادق والخنادق، يمكن أن يدخلوا الغش والتدليس على الناس.
تماماً كما لو لم يعتذروا عندما استدعوا بوقاً، ينتقل من قناة لأخرى، ومن برنامج لآخر، وهو يقول بثقة الجاهل إذا جهل، إن أولاد إسماعيل هنية في الخارج يشاركونه العيش في القصور في قطر، وأنهم يعملون في البزنس في تركيا، فلما ثبت أنه استغل البرامج لترويج الأكاذيب، باغتيال عدد من أبناء هنية وعدد من أحفاده على أرض غزة، لم يعتذر ولم تعتذر هذه القنوات!
وعند اغتيال الفوج الأول من عائلة هنية، كان ينبغي أن تعلن هذه القنوات اعتذارها الصريح، وكم كان مهماً مهنياً أن يستدعى هذا البوق، مع ما قال، يتبعه خبر الاغتيال، ثم يقولون له تفضل يا نجم اشرب العصير، لعله يتذكر أو يخشى، لكن كان واضحاً أن هذه المحطات التلفزيونية في توافق معه، وأن الاستدعاء ليؤدي (نمرة) في هذه الملاهي الليلة، التي تسمى أستوديوهات مجازاً على غير الحقيقة.
وفي الليلة التي اتخذت حماس فيها قرارها الشجاع باختيار بطل الخنادق زعيماً لها، كان ينبغي على من هاجموا أن يكون القائد في الخارج أن يشيدوا بهذا الاختيار، الأمر الذي لم يفعله أي برنامج من هذه البرامج التي فتحت مجالها لهذا البوق، الذي تنفس كذباً، وادعى زوراً.
حديث الجنود.. من قتلهم في رمضان؟
لقد فقدوا النطق تماماً، ومعهم الذباب الإلكتروني، الذي لم يجد ما يقوله، وهو الذي يبدو لي أنه صار إسرائيلياً صرفاً، وعند اغتيال الشهيد هنية، أزعجهم التعاطف الكبير والجميل، الذي عم أرجاء الكرة الأرضية فكان مدخلهم، أن هنية والرئيس محمد مرسي اتفقا على قتل الجنود المصريين، فلما سئلوا عن الدليل قالوا مكالمة هاتفية بينهما في مسلسل «الاختيار»، ليلفتوا انتباهنا إلى شيء خطير، ليس هو ما قاله كثيرون، عن خطأ اعتماد الدراما مادة لمعرفة الوقائع، ولكن في أن يمر هذا المشهد مرور الكرام علينا!
إن مسلسل «الاختيار» الذي يؤرخ لمرحلة، حسب رواية الحاكم العسكري، فيه كثير من الأخبار الكاذبة، والمعلومات التي من اختراعه، وهي لكثرتها لم ننتبه لما قيل إنه تسريب بين مرسي وإسماعيل هنية، بعد الانتهاء من قتل الجنود المصريين، وهم يتناولون الإفطار في الشهر الفضيل.
لا شك أنه عندما لا تعد الأكاذيب ولا تحصى، فإن الاهتمام يكون بالأكثر فكاهة، لا سيما وأن التطرق إلى هذا يتم عبر الـ»سوشيال ميديا»، وأن التركيز هو على المشاهد التي لا تنقصها المفارقات، مع اللجوء الى الهزل في الأمور كلها، وكأنها وظيفة منصات التواصل!
خذ هذا المشهد، لقد شاهدنا في «الاختيار» اللقاء الذي تم بين من يقوم بدور السيسي ومن يقوم بدور خيرت الشاطر، وإذا بالأول يهدد ويتوعد الجماعة، ويصول ويجول في أنهم لا يعرفون الجيش وقدراته، وأن الجيش ليس هو ما يشاهدونه في الشوارع، بينما يظهر الشاطر مرتبكا وخائفاً!
ويبدو أن هذا المشهد سقط من ذاكرة الجنرال بانتهاء عرض المسلسل، وربما وجد أنه لم يحقق الغاية منه، فقال في يوم العيد رواية مختلفة تماماً، فخيرت الشاطر ظل 45 دقيقة يهدده، ويحرك في وجهه سبابته (هكذا)، وبطريقة إطلاق النار. يا إلهي كيف يصمت قائد الجيش على هذه الوصلة المتواصلة من التهديد والوعيد؟ كيف لا يخرج مسدسه ويصيب من يهدده في سبابته مصدر التهديد؟ لقد حمل هذا كله في قلبه ويأتي ليشكو للجماهير بعد تسع سنوات؟! فيا صبر أيوب! هذا نموذج من وقائع المسلسل التلفزيوني، التي يكون من السهل التعامل معها في سياق الفكاهة، على غير موضوع قتل الجنود في سيناء! لنتذكر أنه إلى الآن لم يتم القبض على الجناة، ولم يفتح تحقيق معهم، وعندما بدأت حملة الإبادة الإعلامية ضد الحكم الإخواني، كنا نقرأ تصريحات في الصحف منسوبة دائماً لمصدر عسكري رفض ذكره اسمه، يفيد أن «حماس» من قتلت الجنود المصريين، وأن الرئيس غل يد الجيش عن القبض على الجناة، وكان الإسراف في استخدام المصدر العسكري، الذي رفض ذكر اسمه في كل مرة لا ينطلي على صحافي قديم مثلي، لأنه يستدعي إحالة الصحيفة والمحرر (كانت محررة في الوطن) للقضاء العسكري، ويستدعي رداً من الشؤون المعنوية، وكتبت ألفت الانتباه، لكن كان أهل الحكم في حالة سكر، فالجيش نزل في الأخير لحماية الشرعية، حسب صحيفة الإخوان المسلمين في المانشيت التاريخي قبل 30 يونيو/حزيران 2013!
وعندما وقعت الواقعة، كتبت لقد عزل الرئيس الإخواني، الذي كان يحول دون القبض على الجناة، وصارت سلطة الجيش مطلقة في أن يفعل، لكن تم السكوت على هذا ليكون تسريباً مفبركا في مسلسل تلفزيوني، لا ننتبه له، ولكنه يكون مادة يجري استخدامها لتبرير شماتة القوم في مقتل هنية.. ألم يقتل هو الجنود المصريين؟!
مع أن من وجهوا له الاتهام زار مصر أكثر من مصر، والتقى بكبار المسؤولين فيها، فهل هم متواطئون معه؟! لقد ذكرونا بواقعة قتل الجنود المصريين في سيناء، لنسألهم من قتلهم ولماذا لم يفتح تحقيق في ذلك إلى الآن؟!
إن الدراما لا تعالج إخفاقات الواقع!
«العربية إخوان».. وهذه هي الأدلة
قناة «العربية»، هي من أذاعت عبر موقعها خبر بيع قناة السويس لمدة 99 عاماً، وهي أي «العربية» من استضافت مسؤولاً مصرياً ليقول إن الإخوان هم وراء الخبر. وموقع قناة «العربية» هو من نشر خبر أن مصر تطلق مبادرة جديدة لدعم قطاع السياحة بـ 50 مليار جنيه، وهو خبر كاذب، فلا توجد مبادرة بهذا الشكل، وهذا المبلغ مبالغ فيه للغاية.
وقد تبين لي أن «العربية» لم تكتف ببرنامج «مراجعات» للنيل من الإخوان، فلديها برنامج آخر اسمه «سجال»، كان ينوه عن حلقة ضد الإخوان أيضاً، ولا يمنع هذا من أن تكون «العربية إخوان»، لأن من المفيد في مجال الدعاية للإخوان، أن يظلوا رقماً في المعادلة، مع أنهم انصرفوا من المشهد تماماً، فهذا هو الوجود غير المكلف، وكانت نقطة ضعف الإخوان في سنة حكمهم وبعدها أنهم تنظيم ضعيف، لم يوقف الفوضى ولم يتصد لها، وهناك من خرجوا في الأساس لإنهاء حكمهم لضعفه، في بلد تقدر الحاكم القوي، وعندما يتم بهذا البرامج اثبات أن الجماعة لا تزال قوية إلى الآن، لدرجة تخصيص برامج تلفزيونية لها في أكثر من قناة، منها برنامجان في «العربية»، فالمعنى أنهم أقوياء، وسيختلفون المرة المقبلة عن المرة السابقة إذا وسد الأمر اليهم، وهو ما تروج له «العربية»، وتمارس التقية، فلماذا لا تقوم «العربية» بتخصيص حلقة ضد «حزب الوفد الجديد»؟!، لأنه لا يهُاجم إلا القوي، ولهذا فـ «العربية إخوان»!
الراحل حمدي قنديل كان بكل كفاءته المهنية قد شارك في حملة الإبادة الإعلامية التي نصبها عبد الناصر للإخوان، وإن اعتذر بعد ذلك على إجراء مقابلات مع معتقلين، لكن هذه الحملة مع كفاءة من قاموا بها تبخر أثرها في الحال، فلم يذكر أحد شيئا منها بعودة الإخوان للمشهد، ليكونوا بعد سنوات الحزب صاحب الأغلبية، وقبل ذلك كانت الجماعة رقماً صحيحاً في المعادلة السياسية في زمن مبارك، لأن هذه الحملات تعمق فكرة المظلومية التي ينتصر بها الإخوان. أناس في السجون، ومشردون في الأصقاع، وأنت تهاجمهم بدون أن تسمح لهم بالرد، يا لهم من فصيل مضطهد. «العربية إخوان»!
٭ صحافي من مصر