بيروت – “القدس العربي”: يزداد التباين في التقديرات والمعطيات المتصلة بالرد على إسرائيل من قبل حزب الله وإيران، ويؤشر تأخر الرد بحسب بعض المحللين إلى وجود تعقيدات عسكرية أمام اختيار هدف يؤلم تل أبيب وما قد يستتبعه من رد إسرائيلي وفي الوقت عينه إلى وجود اتصالات بعيدة عن الأضواء مع طهران تخيّرها بين العصا إذا اختارت مع أطراف محور الممانعة توجيه ضربة موجعة لإسرائيل وبين الجزرة إذا اختارت التفاوض على وقف إطلاق النار في غزة وجنوب لبنان.
غير أن أوساطاً قريبة من حزب الله تجزم أن الرد سيحصل ولن يتأثر بأي مفاوضات أو تهديدات وفقاً لما أعلنه أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله، وعزت تأخر الرد إلى أمور تكتيكية لها علاقة بالميدان وانتظار الفرصة المناسبة لتثبيت معادلة الردع.
إسرائيل تستعد لإقامة مدينة خيام لنازحي حرب محتملة مع الحزب
وشدد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش، على “أن المقاومة مصممة على الرد حتماً ولن تسمح لنتنياهو أن يحدد قواعد الاشتباك أو أن يتحكم بمسار التصعيد في هذه المعركة”. وقال خلال خطبة الجمعة في مجمع السيدة زينب في حارة حريك “إن مواجهتنا مع العدو الصهيوني متواصلة ولن تتوقف إلى حين تحقيق أهدافها، وجرائم الاغتيال التي قام بها العدو في بيروت وطهران هي عمل متهوّر وخطير لن يمر من دون عقاب، وكل الرسائل والاتصالات والوساطات التي يدفع بها العدو لاحتواءِ الموقفِ، لن تثني المقاومة عن القيام بحقها في رد مؤلم ورادع، يتناسب مع حجم الجريمة التي ارتكبها باغتياله للقائد الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر في الضاحية”.
وأوضح “أن تأخر الرد جعل الكيان الصهيوني كله بمستوطنيه ومسؤوليه في حالة خوف وهلع، ودفع بمسؤول سياسي إسرائيلي إلى القول “بأن ما تفعله إيران وحزب الله في هذه الأيام هو ضربة نفسية خطيرة لإسرائيل، وأنا أفكر في تناول الحبوب المهدئة أو المنومة”.
وأضاف دعموش: “نقول لهذا المسؤول ولكل الصهاينة، عليكم أن تزدادوا قلقًا وخوفاً ورعباً وتوتراً، لأن حتمية الرد لا عودة عنها، وكل التهديدات الإسرائيلية للبنان ومحاولات تحريض اللبنانيين ضد المقاومة لن تنفع، ولن تنال من التفاف اللبنانيين حول المقاومة، ولن تدفع المقاومة للتراجع عن قرارها بالرد على جرائم العدو”.
تحريض إسرائيلي على الحزب
في غضون ذلك، وفيما تواصلت المواجهات على الجبهة الجنوبية، قامت مسيّرة إسرائيلية ليل الخميس الجمعة بالتحريض على حزب الله وأمينه العام عبر مكبّرات الصوت فوق عدد من القرى في منطقة بنت جبيل، في وقت كشفت القناة 12 الإسرائيلية “أن الكابينت ناقش إمكانية اتخاذ إجراءات وقائية حتى قبل ردود الفعل من إيران وحزب الله وتوقيت إبلاغ المدنيين، ويشمل السيناريو المحتمل الذي يتم تحضيره عمليات رد كبيرة قد لا تقتصر على لبنان، بل قد تشمل أيضاً إطلاق صواريخ واختراقات من البر والبحر”.
وقد استهلت إسرائيل عدوانها بغارة صباحاً على بلدة الناقورة ما أدى إلى سقوط شهيدين، نعاهما حزب الله على طريق القدس وهما هادي جهاد ديب “حيدر الكرار” مواليد عام 1997 من بلدة بافليه، ومهدي محمود قصيباني “سراج” مواليد عام 1994 من بلدة حاروف.
كما أغار الطيران الحربي الاسرائيلي على عيتا الشعب وحرش هورا بين كفركلا وديرميماس، وعلى بلدة طلوسة قضاء مرجعيون متزامناً مع قصف مدفعي على البلدة. وطال القصف بلدة الخيام، وأطلق جيش الاحتلال نيران رشاشاته الثقيلة باتجاه جبلي اللبونة والعلام وأطراف بلدة الناقورة، وأفيد عن انفجار صواريخ اعتراضية فوق حولا ومركبا في قضاء مرجعيون.
كذلك، تعرضت سيارة اسعاف تابعة للدفاع المدني في جمعية “كشافة الرسالة الإسلامية” لقصف مدفعي في بلدة ميس الجبل، فأصيب مفوض جبل عامل علي منّاع بشظية، فيما نجا مفوض ادارة الكوارث موسى شعلان ومساءً نفذت قوات الاحتلال غارة بمسيرة استهدفت سيارة في مدينة صيدا بصاروخين. وقال مصدران أمنيان لرويترز إن ضربة جوية إسرائيلية استهدفت سيارة على مشارف مدينة صيدا الساحلية اللبنانية أمس الجمعة. وأدت الضربة إلى سقوط شهيدين من حركة حماس وفق معلومات أولية.
استهداف “ليمان” والمنارة
من جهته، أعلن حزب الله انه “ردًا على اعتداءات العدو على بلدة حناويه قصفنا مقر قيادة اللواء 769 في ثكنة كريات شمونة بصلية من صواريخ الكاتيوشا”، كما استهدف تجمعًا للجنود في محيط موقع المطلة ومباني يستخدمها الجنود في مستعمرة المنارة.
وأضاف في بيان “ردًا على الاعتداء والاغتيال الذي قام به العدو في بلدتي حناويه والناقورة، شن مجاهدو المقاومة الإسلامية هجومًا جويًا بسرب من المسيرات الانقضاضية على مقر قيادة الكتيبة الساحلية التابع للواء الغربي المستحدث في “ليمان” مستهدفة أماكن تموضع وتمركز ضباطها وجنودها وأصابت أهدافها بدقة وأوقعت فيهم إصابات مؤكدة”. وفيما دوّت صفارات الإنذار في “أفيفيم” و”يرؤون” طلبت بلدية “كريات شمونة” من السكان البقاء بالقرب من الأماكن المحمية حتى إشعار آخر.
وتحدثت القناة 12 الإسرائيلية عن إصابة مبنيين في كيبوتس منارة إثر إطلاق صاروخين مضادين للدروع من لبنان. من ناحيته، زعم المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي ادرعي “أن طائرات حربية هاجمت الليلة الماضية مقر قيادة لحزب الله في منطقة حناويه، كما هاجمت منصة إطلاق استخدمها حزب الله في منطقة عيتا الشعب، حيث أطلقت منها قذائف صاروخية نحو منطقة بيرنيت في الجليل الأعلى…”.
وطلبت إسرائيل، أمس الجمعة، من سكان البلدات الحدودية شمال فلسطين المحتلة البقاء بمحاذاة المناطق الآمنة “حتى إشعار آخر”، عقب سقوط صواريخ أطلقت من لبنان. وقالت هيئة البث الإسرائيلية: “طُلب من سكان خط المواجهة في شمال البلاد البقاء بمحاذاة المناطق الآمنة، حتى إشعار آخر”.
وذكرت أن “قذائف صاروخية أطلقت صوب كريات شمونة ومحيطها صباح اليوم (الجمعة)، مرة أخرى، دون ورود تفاصيل أوفى” بشأن ذلك. وأضافت: “في وقت سابق صباح اليوم، سقطت ثلاث إلى أربع قذائف صاروخية في مناطق مفتوحة مجاورة لكريات شمونة، دون وقوع إصابات أو أضرار”.
وكان “حزب الله”، أعلن مساء الخميس، أنه قصف بصواريخ الكاتيوشا منصات للقبة الحديدية ومرابض مدفعية وآليات عسكرية شمال إسرائيل. وقال الحزب، في بيان عبر حسابه على تلغرام، إن “مجاهدي المقاومة الإسلامية قصفوا بصليات من صواريخ الكاتيوشا منصات القبة الحديدية ومرابض مدفعية العدو وانتشار آلياته في منطقة خربة منوت بالجليل الغربي”.
وأضاف أن القصف جاء “دعمًا لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسنادا لمقاومته الباسلة والشريفة، وردًا على اعتداءات العدو على القرى اللبنانية الجنوبية الصامدة والمنازل الآمنة وخصوصًا في بلدة الدوير”. ولم يصدر تعليق من الجيش الإسرائيلي بشأن ما جاء في بيان “حزب الله”.
مدينة خيام إسرائيلية
وتستعد إسرائيل لإقامة مدينة خيام جنوبي البلاد لإيواء النازحين من البلدات الشمالية حال اندلاع حرب مع “حزب الله” اللبناني. وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، الجمعة: “تستعد عدة مجالس إقليمية جنوبي إسرائيل إلى جانب قيادة الجبهة الداخلية في الجيش لاستقبال الآلاف الذين قد يضطرون إلى الإخلاء وسط الصراع مع حزب الله”.
وأضافت أن “مجلس رامات نيغيف الإقليمي (جنوب)، يستعد لاستيعاب عشرات الآلاف من النازحين في حالة التصعيد على الحدود الشمالية، وتتضمن الخطة بناء مدينة خيام ومئات الأسرة والمراتب التي تم شراؤها بالفعل”.
ونقلت “يديعوت أحرونوت” عن مجلس رامات نيغيف قوله: “نتوقع أن يخلي آلاف الإسرائيليين أنفسهم إلى منطقة النقب (جنوب)، ولهذا السبب، أنشأنا وحدة إدارة النازحين بهدف مساعدة السكان القادمين”. وأجرى مقر الطوارئ التابع لمجلس رامات نيغيف تدريباً يحاكي سيناريو الإخلاء الجماعي قبل أسبوعين، حسب المصدر نفسه.
وفي هذا الخصوص، قال رئيس المجلس عيران دورون، إن “إخلاء آلاف الأشخاص من الشمال سيناريو واقعي، وكان من الأفضل الاستعداد له قبل 6 أشهر”. ورحب دورون، بـ”الجهود التي تبذلها قيادة الجبهة الداخلية في الجيش لمعالجة تحدٍ معقد للغاية يمكن أن يحدث في أي لحظة”.
ومنذ الأسبوع الماضي، أعلنت تل أبيب حالة التأهب على الحدود اللبنانية تحسباً لرد من “حزب الله” على اغتيال إسرائيل للقيادي في الحزب فؤاد شكر، بالعاصمة اللبنانية بيروت في 30 يوليو/ تموز الماضي. وقالت وسائل إعلام عبرية، بينها هيئة البث الإسرائيلية، في الأيام الماضية، إن تل أبيب تتوقع أن يقوم “حزب الله” بشن هجوم كبير بالصواريخ على الشمال.
دعموش: تأخر الرد على إسرائيل زادها هلعاً وسيحصل ولن يتأثر بأي تهديدات
ولم تستبعد وسائل إعلام عبرية أن تؤدي الردود المتبادلة الى اندلاع حرب شاملة مع لبنان. وبحسب معطيات معهد دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، فإن إسرائيل أخلت 43 بلدة قريبة من الحدود اللبنانية منذ بداية الحرب في مطلع أكتوبر/ تشرين أول الماضي. وأدى ذلك لنزوح 62 ألفاً و299 إسرائيليا، بحسب المعهد، الى أماكن متفرقة من البلاد. وترجح وسائل الإعلام العبرية أن ينزح عشرات آلاف الإسرائيليين تحت وطأة هجوم “حزب الله” الذي تتوقع أن يستمر عدة أيام.
زمن الاستفراد ولّى
وفي المواقف، توجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان إلى “من يهمه الأمر” بالقول: “زمن الاستفراد بجبهات المقاومة انتهى إلى غير رجعة، وما لدى محور المقاومة يمكنه أن يغيّر وجه الشرق الأوسط حال الحرب، ولعبة الأمريكي من استعراض ونفاق ودجل واستخفاف أصبحت واضحة وصريحة، وأسقطت صدقيتها أمام شعوب العالم، ولن تنفعها حال الحرب”. ووجّه المفتي قبلان خطابه للإسرائيلي قائلاً: “مع أي حرب مفتوحة عليك أن تنسى المرافق العامة، من مطارات وموانئ وشبكات كهرباء واتصالات ومنصات ومعامل ومصانع، لأن الضربة ستكون مقابل الضربة، والهدف مقابل الهدف، والطائرة التي تطير لن تستطيع الهبوط بمدارجها”، مشيراً إلى “أن الحل الحاسم اليوم هو وقف الحرب في غزة، ودون ذلك لا حلول، والكرة الآن هي بيد الأمريكي خاصة، وأي خطأ في الحسابات الأمريكية سيرتد على أمريكا وإسرائيل بشكل لم يسبق له مثيل على الإطلاق”.
الجبل يرحّب بالمدنيين
على صعيد الجبل، وبعد حملة التكافل التي تدعو إلى التضامن الشعبي مع أهل الجنوب والضاحية وآخرها ما صدر عن المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، قال النائب التغييري مارك ضو “نرحّب بالمدنيين الذين لا يعرّضون أهلنا للخطر”. وأضاف “لن يبدّل أهل الجبل من عاداتهم وتاريخهم واليوم في ظل التهديدات المتصاعدة، إن مواجهة العدو تكون التضامن الوطني وحده في كنف الدولة ومؤسساتها وليس في التفرد بالقرار، فهذا سبيلنا الأقوى لمواجهة العدو والانتصار عليه خيارنا كان وسيبقى الدولة الواحدة لمواطنين متساوين”.
ولكن تغريدة النائب ضو لم تلقَ ترحيب البعض، وقد علّق على الردود بقوله “عملنا تويت تضامن قام تلبّك المحور وطار عقلو”. تجدر الإشارة إلى أن إشكالات فردية حصلت في دير قوبل في منطقة عاليه وغريفة في منطقة الشوف مع عائلتين نازحتين من الجنوب رفضاً لسكنهما في الجبل، وعلى الأثر تدخل الحزب التقدمي الاشتراكي لمعالجة الأمر.