غزة ـ «القدس العربي»: تتفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة وتزداد معاناة المواطنين والنازحين، بسبب إصرار قوات الاحتلال على إغلاق المعابر، ووقف تدفق المساعدات الإنسانية والمواد الطبية والبضائع والأدوية إلى القطاع.
ففي السابع من مايو/ أيار الماضي، أغلق جيش الاحتلال معبر رفح، بعد أن احتل الجانب الفلسطيني منه، في اليوم التالي على بدء اجتياحه البري للمدينة الواقعة أقصى جنوبي قطاع غزة.
ويشكو المواطنون والنازحون من نقص البضائع والمستلزمات المعيشية، في ظل الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال على القطاع، ومواصلته إغلاق المعابر بما فيها معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة، ومعبر كرم أبو سالم التجاري، الواقع في النقطة الحدودية الثلاثية بين غزة ومصر وأراضي الداخل الفلسطيني المحتل.
لا أطعمة صحية
وتتضرر زكية الأعرج، من نقص الأطعمة الصحية ومواد التنظيف والأودية، بسبب إغلاق المعابر: «كل هذه المواد قليلة في الأسواق، وإن وجدت، فإنها تكون بسعر مرتفع جداً».
وتواصل بلهجة عامية «من وين نجيبها؟ المعابر مسكرة ورجالنا يعانون من البطالة. لا عندنا موظفين بتقبض ولا أحد يعمل!».
وعن شح الأطعمة الصحية، وارتفاع ثمنها، تقول النازحة من بيت حانون لـ «القدس العربي»: «لا تدخل إلينا أي أطعمة سوى المعلبات. ونحن تعبنا من المعلبات. تقتلنا ببطء. كل بيت أو خيمة فيه 5 أو 6 حالات مصابة بالأمراض والأوبئة، وعلى رأسها التهاب الكبد الوبائي، بسبب ضعف المناعة المرتبط بعدم توافر الأكل المغذي مثل الحليب البيض والعسل والفواكه».
ووفقًا لتقارير أممية ودولية، فإن استمرار إغلاق المعابر، يهدد بعودة المجاعة إلى مدينة غزة وشمال القطاع، وانتشارها في الجنوب والوسط، بعدما استنزف المواطنون ما تبقى لديهم من مواد غذائية وسط شح المساعدات.
ويحذر تقرير دولي، نشرته منظمة الصحة العالمية، من استمرار المخاطر العالية لحدوث مجاعة في أنحاء غزة في ظل استمرار الصراع والقيود المفروضة على الوصول الإنساني.
ويُقدر أن نحو 96٪ من سكان غزة 2.1 مليون شخص يواجهون مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، متوقعاً استمرار هذا الوضع حتى شهر أيلول/ سبتمبر المقبل.
وتقول الأعرج، التي يقيم معها 20 نازحاً في منزل متواضع في مواصي خان يونس: «وصل سعر كيلو المانغو إلى 15 شيكل، والعنب 18 شيكل. مين يقدر يجيب هذه الفواكه؟ عندي 20 شخصًا في الدار، من وين أجيب لهم؟ أجيب لهم كيلو يعني أعطي كل واحد حبة ولا حبتين؟!».
وضع صعب
أما علا هارون، فتشير إلى عدم توافر أدوات التنظيف في كل أنحاء قطاع غزة: «الصراحة فش منظفات بالمرة عندنا. وإن وجدت في أي محل فهي غالية الثمن وغير جيدة وتفتقر إلى الرغوة. ليس لها أي صلة بمواد التنظيف».
شهادات لـ «القدس العربي» حول صعوبة الحصول على مستلزمات المعيشة
وتكتم المواطنة الغزية غضبها من شح وغلاء المنظفات، وتقول: «قطعة الصابون التي كان سعرها نصف شيكل قبل حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، زاد ثمنها إلى 15 شيكل. عبوة مسحوق الغسيل 1 لتر صارت بـ20 شيكل، أضعها كلها في إناء الغسيل، وتخرج الملابس غير نظيفة ومتسخة».
وتتساءل: «من وين أجيب عشرينات ومئات الشواكل أصرفها على بضاعة غالية ورديئة؟ وضعنا صعب للغاية».
ولا تستطيع علا شراء الحفاضات لأحفادها الُرضع، بسبب ارتفاع سعرها بشكل مبالغ فيه، تقول لـ «القدس العربي»: «عبوة البامبرز ارتفعت إلى 65 و75 شيكل، حسب الجودة. لا أملك المال الكافي لشرائها لهم، رجعت 50 عامًا إلى الوراء، استخدم القماط والأقمشة والشرائط البالية، تعبوا أحفادي من البلل وأصيبوا بالتهابات في الجلد! ماذا نقول؟! وماذا نحكي؟! عندنا هم ما يتلم!».
وتعاني المسنة الغزية من مرض خشونة المفاصل بالإضافة إلى أمراض مزمنة عدة، ولا تجد الدواء الكافي للعلاج: «عندي نقص في فيتامين (د) وفيتامين (أ) ما تسبب لي بمشكلات في العظام، وأمشي مسافات طويلة، تصل أحيانًا إلى كيلومترين، من أجل الوصول إلى علبة دواء، بخلاف الطعام والشراب».
نقص الأدوية
وتؤكد المرأة الستينية عدم توافر الأدوية في الصيدليات، بسبب تكدس شاحنات الأدوية والمساعدات الطبية عند معبر رفح: «الاحتلال يتعمد عدم دخول الأدوية إلى قطاع غزة. الصيدليات تحولت إلى أكشاك سجائر. لا نجد فيها كل أنواع العلاج، وعندما نجده، يكون غالي الثمن. من وين نجيب حقه؟».
ويعاني أحفاد الجدة من ظهور بثور حمراء على جلدهم، وعن ذلك توضح: «ظهرت حبوب غريبة على أجسام أحفادي. لا أجد لها علاجًا في الصيدليات ولا في المستشفيات. وأعتقد أنهم أصيبوا بسبب قلة النظافة وانتشار النفايات والقمامة وبرك الصرف الصحي. قطاع غزة إلى كتلة من الركام تتوسطها النفايات وبرك المجاري».
ويتحدث الصيدلاني مسعود عبد الله عن أمراضٍ تنتشر بين النازحين، بسبب الاكتظاظ في مراكز الإيواء، مثل الإسهال والنزلات المعوية وتشمل القيء الشديد، والجدري المائي، بالإضافة إلى مرض الجرب الجلدي، وهو ما يعتقد أن أحفاد الجدة درية قد أصيبوا به.
ويحذر من شُح أدوية هذه الأمراض، التي توجد بشكل نادرٍ في الصيدليات أو المستشفيات، بسبب الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، موضحاً: «أدوية الإسهال والقيء اختفت تمامًا من كل قطاع غزة، فيما تتوافر أدوية قليلة لمرضي الجرب والجدري المائي، ولكنها ستنفد قريباً».
ويشير لـ «القدس العربي» إلى خطورة نفاد أدوية الأمراض المزمنة من المستشفيات والصيدليات: «هذا قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة على حياة المرضى، خاصة المصابين بأمراض القلب، وضغط الدم المرتفع، والسكري، والدهون، والكولسترول».
ويبين: «لدينا بعض الأدوية البديلة القليلة، والتي إذا انقطعت سيكون هناك عجز كبير» مناشدا بفتح المعابر لتوفير الحد الأدنى منها.
ويحذر الصيدلي الغزي من خطورة اختفاء أدوية المضادات الحيوية، معتبراً أن انقطاعها خطير للغاية: «أي مصاب بالتهاب أو جرح أو خضع لجراحة، سيزيد لديه الالتهاب، وسيواجه صعوبة في التئام الجرح، وسيعاني مضاعفات صحية كثيرة إن لم يجد مضادًا حيويًا». كما يلفت الانتباه إلى «نفاد غالبية مسكنات الألم للكبار والصغار، بالإضافة إلى مراهم الجروح».
اختفاء المواصلات
ويواجه المواطنون والنازحون صعوبات في التنقل بين مدن وأحياء قطاع غزة، بحثًا عن الطعام والشراب والأدوية ومستلزمات الحياة، بخلاف رحلات النزوح المستمرة، التي يفرضها عليهم جيش الاحتلال، إذ يضطرون إلى قطع مسافات كبيرة مشيًا على الأقدام، نتيجة عدم توفر وسائل المواصلات من سيارات أجرة وتوك توك، في ظل نقص إمدادات السولار، بسبب إغلاق المعابر.
يضطر محمود أبو حسين إلى المشي مسافة 12 كيلومترا من مواصي خان يونس إلى مدينة دير البلح، بسبب عدم توافر المواصلات، من أجل شراء علبة من حليب أطفال مخصصة لحالة ابنه زياد، الذي يعاني من حساسية اللاكتوز، ويواجه صعوبة في هضم سكر اللاكتوز الموجود في حليب الأطفال العادي أو ثدي أمه.
ويعتبر النازح من مدينة رفح نفسه واحداً من المحظوظين إذا وجد توك توك أو أي مركبة على الطريق تنقله المحافظة الوسطى، ويقول بينما يمسك بعلبة الحليب: «أمشي من 4 إلى 5 ساعات ذهابًا ومثل المدة عند العودة في عز حر فصل صيف، من أجل شراء علبة الحليب الخاصة هذه. أحيانًا أكون محظوظًا وأجد توك توك أو سيارة توصلني إلى وجهتي، ولكن هذا يحدث قليلًا، في فغالبية المركبات توقفت، بسبب نقص السولار».
ويشير لـ «القدس العربي» إلى أنه في أحيان كثيرة يعود من دون علبة الحليب المضادة لحساسية اللاكتوز، بسبب نفاد الكمية لدى الصيدلية الوحيدة التي تبيعها في المحافظة الوسطى، في ظل إغلاق المعابر، وعرقلة دخول المساعدات وبينها حليب الأطفال.
ويشكو أبو حسين من إصابة رضيعه، الذي وُلد بعد أقل من 3 أشهر على اندلاع حرب السابع من أكتوبر الماضي، بمرض سوء التغذية الحاد.
ويستكمل: «وزن ابني لا يتجاوز أربعة كيلو غرامات، ومن المفترض أن يكون وزنه بين 6 و10 كيلوغرامات، عانت أمه من فقر الدم وسوء التغذية خلال الأشهر الأخيرة من حمله، وزاد الأمر سوءًا مولده في ظل ظروف الحرب والنزوح الدائم، ونقص الأطعمة الصحية والحليب والأدوية».
وفي أحدث تقرير لها عن معاناة الأطفال في قطاع غزة من نقص الغذاء، تشير منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» إلى أن «نحو 3 آلاف طفل يعانون من سوء التغذية معرضون لخطر الموت، بسبب حرمانهم من تلقي العلاج اللازم نتيجة استمرار الهجوم على رفح».