مع بدء الحديث عن انطلاق جولة جديدة من المفاوضات منتصف آب/أغسطس الجاري للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتحرير الرهائن بين إسرائيل وحماس، يعول سكان قطاع غزة على جهود الوسطاء في الضغط على إسرائيل للقبول بالصفقة المطروحة، والتي تضمن وقفا لإطلاق النار وتحرير الرهائن المحتجزين وعودة الفلسطينيين إلى منازلهم شمال غزة، وهو ما يعتبره السكان حقنا لدماء المدنيين الأبرياء ووقف مسلسل النزوح المر، الذي يشكل معاناة كبيرة بالنسبة للسكان في قطاع غزة، حيث بات لافتاً حديث المواطنين في الشوارع وبين الخيام عن تفاؤلهم بجولة جديدة من المفاوضات، تدعمها دول عربية وأوروبية في خطوة لمنع وصول المنطقة إلى تصعيد وصراع واسع وخطير.
ونتيجة للمجازر البشعة التي يواصل ارتكابها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين العزل في غزة، ودفع السكان في مناطق مختلفة للنزوح المتكرر من أماكن سكناهم، إلى جانب تهديدات حزب الله وإيران بشن هجوم واسع على إسرائيل، يخشى الوسطاء ودول عربية، من توسيع دائرة الصراع في المنطقة والوصول إلى حرب إقليمية مدمرة، لذلك أصدرت قطر ومصر والولايات المتحدة بياناً دعت فيه إسرائيل وحماس إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتحرير الرهائن، وسط تفاؤل حذر من الغزيين بأن تثمر الجولة الجديدة في تحريك المياه الراكدة، بعد أن علقوا آمالاً كبيرة على الجهود السابقة التي لم تسفر عن أي تقدم، بسبب تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورفضه التوصل إلى اتفاق مع حماس.
في الواقع يمر سكان غزة بظروف صعبة للغاية، من جراء ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي المزيد من المجازر البشعة بحق المدنيين، من خلال قصف البيوت على رؤوس الأطفال والنساء وكبار السن، إلى جانب قصف مدارس الإيواء وإيقاع أعداد كبيرة من الشهداء والإصابات في صفوف النازحين، وهذا ما فعلته إسرائيل مؤخراً بمدرسة التابعين في حي الدرج شرق مدينة غزة، وأدت المجزرة إلى ارتقاء أكثر من مئة شهيد جلهم من النساء والأطفال، إضافة إلى ذلك تأتي مشكلة النزوح المتكرر للسكان في مختلف مناطق القطاع لاسيما في جنوب غزة، حيث أمر الجيش الإسرائيلي سكان شرق مدينة خانيونس للنزوح ثلاث مرات خلال شهر واحد، وقالت وكالة الأونروا إن أكثر من 250 ألف فلسطيني أجبروا على النزوح مجدداً من مدينة خانيونس، وهذا النزوح الجديد يأتي بعد أسابيع فقط من عودة السكان إلى شرق خانيونس المدمرة، ليتم إصدار أوامر جديدة لإخلاء مناطق في المدينة، وشن الجيش عمليات قصف جوي ومدفعي عنيف على تلك المناطق، ومحاصرة أعداد كبيرة من المواطنين داخل المنازل المتبقية والخيام.
منظمات حقوقية وأهلية نددت بسياسة العنف المتصاعد من قبل الاحتلال الإسرائيلي بحق النازحين، وارتكاب المزيد من المجازر في ظل الصمت الدولي والاكتفاء بالتنديد دون اتخاذ إجراءات على أرض الواقع تلجم الاحتلال عن مواصلة إبادة المدنيين، حيث استنكرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني «حشد» ارتكاب الاحتلال مجازر إبادة مروعة والتي كان آخرها قصف مدرسة التابعين التي تأوي مئات النازحين أثناء تأديتهم صلاة الفجر، وقتل ما يقارب من 125 شهيدا وإصابة العشرات من الأطفال والنساء، كما وثقت الهيئة الدولية قصف الاحتلال أكثر من مئتي مركز إيواء ومدارس وتجمعات خيام نازحين أجبروا على ترك منازلهم والفرار من الموت تحت القصف الإسرائيلي. ووفق الهيئة فإن هناك 190 مدرسة تابعة للأونروا كانت تضم مئات الآلاف من النازحين، تم تدميرها بشكل جزئي وكلي وإعادة تهجير النازحين من جديد لأماكن غير آمنة، في المقابل أدانت شبكة المنظمات الأهلية عمليات القصف الإسرائيلي المتكررة لمراكز الإيواء وقتل أعداد كبيرة من العزل، إلى جانب دفع المواطنين إلى النزوح من مناطق سكناهم بشكل متكرر خاصة سكان المناطق الشرقية من قطاع غزة، حيث عبرت الشبكة عن استنكارها الشديد لعجز وفشل المجتمع الدولي عن الوفاء بالتزاماته القانونية والأخلاقية والإنسانية تجاه توفير أماكن وممرات إنسانية آمنة للمدنيين، وضمان تدفق المساعدات ووقف حرب الإبادة الجماعية المتواصلة منذ أكثر من 300 يوم على التوالي.
نار الحرب أنهكت الغزيين
في ظل الجهود العربية والدولية المنصبة على دفع أطراف النزاع للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، يأمل سكان غزة نجاح جولة المفاوضات في إحداث اختراق ينهي جزء كبير من معاناتهم، حيث باتت مواقع التواصل الاجتماعي تعج بمدونات المواطنين الذين يعبرون عن أملهم في تحقيق الجولة الجديدة تقدما ينهي معاناة السكان، في مقابل ذلك بات حديث النازحين في منطقة مواصي خانيونس لا يخلو عن جهود الوسطاء وما ستؤول إليه الجولة الجديدة، حيث رصدت «القدس العربي» حالة من التفاؤل الواسع بين أعداد كبيرة من النازحين الذين أصيبوا بحالة من الإحباط على مدار الأشهر الماضية من فشل الجهود السابقة في تحقيق تقدم على أرض الواقع. يقول النازح أبو كامل الذي يسكن منطقة عبسان الكبيرة شرق مدينة خانيونس: «أعاني من ظروف نفسية وصحية صعبة، بسبب الحرب وتصعيد الجيش عدوانه ضدنا كمدنيين في ظل الصمت العربي والدولي، واستمرار الاحتلال في ارتكاب مجارز مروعة بحقنا والضغط علينا بشتى الطرق، سواء بالنزوح والتجويع وحرماننا من الحصول على أدنى مقومات الحياة». يشير أبو كامل لـ«القدس العربي» إلى أنه يأمل في أن تحرز جولة المفاوضات الجديدة تقدما ينهي معاناته ومعاناة أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون تحت القصف والقتل والحرمان والتجويع، بالرغم من تعنت إسرائيل في التوصل إلى اتفاق، حيث يقبل على الله كغيره من النازحين بالدعاء، أملاً في أن يخفف الله معاناته ويطفئ نار الحرب التي أنهكت أجساد السكان في غزة، في وقت تخلى عن الغزيين القريب والبعيد على حد وصفه. أما فيصل الفيري فحاله كحال غيره من مئات آلاف النازحين، يواصل متابعة الأخبار سواء عبر شبكات الإنترنت أو من خلال أجهزة الراديو التي تنقل بث الفضائيات الدولية، أملاً في سماع أخبار مبشرة حول عملية التفاوض، وما إن كانت هناك حلول في الأفق تخفف معاناته.
ويقول: «بالنسبة لي كواحد من النازحين، أملي فقط برب العالمين وجهود التفاوض التي يسعى الوسطاء من خلالها إلى إحراز تقدم في الوصول إلى اتفاق لوقف النار، خاصة وأنه ليس هناك أي حل غير استمرار المفاوضات وجهود الوسطاء لإنهاء العدوان، في ظل الوحشية والسادية الإسرائيلية التي تواصل سفك دماء الأبرياء، والضغط على المدنيين بالقتل والنزوح والتجويع».