رسالة القسام الصاروخية… لمن وصلت؟

حجم الخط
0

أعلنت كتائب القسام ـ الجناح العسكري لحركة حماس ـ إنها أطلقت الثلاثاء 13 آب الجاري صاروخين من طراز «إم ـ 90» على تل أبيب «ردًا على المجازر الصهيونية بحق الفلسطينيين». وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن أحد الصاروخين سقط في البحر، أما الآخر فلم يصل إلى هدفه.
ليس المهم أين سقط الصاروخ، ولا إن كان قد أصاب أهدافه الميدانية، لأنّ الصاروخين في هذا التوقيت بالذات، ومن داخل القطاع المدمّر يحملان رسائل ذات أبعاد سياسية إلى أكثر من جهة واتجاه. فحركة حماس التي اعتمدت على مقاومة العدو عبر الأنفاق والقيام بعمليات داخل القطاع أدت لمقتل المئات من العسكريين الإسرائيليين وتدمير العشرات من آلياته العسكرية المجنزرة، بادرت بالأمس في عمليتها إلى مباغتة العدو جيشًا وشعبًا وإلى إحداث تغيير في العملية العسكرية ما قد يفتح النقاش عن أي مرحلة ستنتظر إسرائيل في حال أفشلت المفاوضات.
استطاعت حماس أن تطلق مثل هكذا صواريخ التي تطلق عادة لإصابة أهداف بعيدة المدى رغم أن الاحتلال ينتشر على كافة أراضي القطاع. فهي أرادت استباق المفاوضات للتأكيد على أن الجيش الإسرائيلي لم يحقق أي انجاز على صعيد تفكيك البنية التحتية لحركة المقاومة لفرض شروطه، بدليل أنها لم تزل قادرة على إطلاق الصواريخ وتحديد اتجاهات أهدافها.
لكنّ بعيدًا عن العمليات العسكرية وما يجري في الميدان، إلا أنّ التركيز يبقى على ما تحمله تلك الصواريخ من رسائل سياسية لاسيما وانها أتت قبل يومين من الدعوة الأمريكية والقطرية والمصرية الخميس 15 آب إلى عقد لقاء بين حركة حماس وإسرائيل بهدف إبرام تسوية وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الرهائن.
ساعات قليلة فصلت بين موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أدلى به إلى مجلة التايمز، مؤكدًا فيه إصراره على مواصلة الحرب. وبين صاروخي القسام اللذين لم يعيرا تصريحات نتنياهو بشيء، بقدر ما هدفا إلى التأكيد للدول الراعية أن لا تسويات ولا إطلاق رهائن إلا عبر إلزام نتنياهو بالبنود المطروحة سابقًا.

إن الصاروخين أوصلا الرسائل الى الجهات التي يجب أن تصل إليهما، وإن حماس لم تزل قادرة على المناورة سياسيًا والقتال ميدانيًا بمعزل عن ردّ المحور عن جرائم العدو بحقه

طالبت حركة حماس في بيان لها، الوسطاء في مفاوضات وقف إطلاق النار بتقديم خطة تنفيذ المقترح الذي تمّ مطلع تموز الماضي والذي وافقت عليه الحركة آنذاك. واقترحت الحركة في بيانها الذهاب لرؤية الرئيس الأمريكي جو بايدن وقرار مجلس الأمن، وإلزام إسرائيل بذلك بدلامن الذهاب إلى مزيد من جولات المفاوضات والمقترحات الجديدة.
الرسالة من حركة حماس وصلت عبر إطلاقها الصاروخين إلى منطقة تل أبيب تحديدًا، ومفادها أنّها لن تقبل بأي تعديلات يعمل نتنياهو على فرضها ليحاكي بها شعبه بنصر واهم. وذلك بعدما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن وثائق إسرائيلية إن نتنياهو أضاف سرا شروطًا جديدة إلى مطالب تل أبيب في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسر المرتقبة.
دخلت الحرب في قطاع غزة مرحلة جديدة بعد تعيين القائد العسكري لحماس في غزة يحيى السنوار، رئيسًا لمكتبها السياسي بدلامن إسماعيل هنية الذي تمّ اغتياله في طهران في 31 تموز الماضي. هذا التعيين حمل بحد ذاته رسائل واضحة ترتكز على أن المفاوض اليوم هو مقاتل الأمس، أي أن العقلية التفاوضية مع إسرائيل تغيّرت وباتت أكثر تصلبية من الدبلوماسية السابقة. لهذا فإن البعض يرى إن إطلاق الصواريخ هو بحدّ ذاته رسالة ميدانية لتصرف عل طاولة المفاوضات، وأن لا يتمّ تجاهل الميدان الذي تصوّره إسرائيل على أن جيشها يتجه للحسم لصالحها.
رسالة السنوار الصاروخية، قد تكون وجهت إيضًا إلى حلفاء وحدة الساحات من طهران إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، بعدما أطلّ الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في إحدى كلماته المتلفزة ليربط مصير وقف إطلاق النار في الجنوب بما تقرره الحركة في الميدان. إذ بناء على مصطلح «وحدة الساحات» الذي أسسته طهران وعملت على تمتينه في أكثر من ساحة عربية، أتت رسائل الصاروخين واضحة من جهة تحرير كل من إيران وحزب الله ومن يدور في فلكهما على فصل مسار التفاوض ونتائجه (التي باتت بحكم الفاشلة) وبين الوعد بالرد على اغتيال لرئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في طهران واغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية.
الأكيد أن الصاروخين أوصلا الرسائل الى الجهات التي يجب أن تصل إليهما، وإن حماس لم تزل قادرة على المناورة سياسيًا والقتال ميدانيًا بمعزل عن ردّ المحور عن جرائم العدو بحقه. وإن حماس تعمل لتحقيق الردع لأطماع إسرائيل في قطاع غزة، ولقطع الطريق أمام طموحات جنون نتنياهو الداخلية ورؤيته الاستراتيجية لمصير المنطقة، فهو يطمح لوضع إسرائيل على خارطة الممرات الاقتصادية التي وقع على تنفيذها في أيلول الماضي في نيودلهي.

كاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية