قصة الهيكلة الإعلامية لماسبيرو وتداعيات التخطيط للأسوأ!

لمعرفة أسباب الضعف الحقيقية وعوامل التأثير السلبي على أداء المُذيعين والمُذيعات في برامج التوك شو في قنوات ماسبيرو والقنوات الخاصة الأخرى، لا بد من الرجوع للوراء عدة سنوات، لاستبيان ما حدث من ملابسات أدت إلى الوصول إلى النتائج المُزرية، حسبما نراه ونسمعه على الشاشات الصغيرة المُتعددة.
لقد صدرت قبل نحو خمسة عشر عاماً بعض القرارات بشأن إعادة الهيكلة في اتحاد الإذاعة والتلفزيون، بغرض احتواء الأزمة التي بدأت مع بداية إنشاء قطاع القنوات المُتخصصة الذي أقيم وشُيد بأموال وقروض بنك الاستثمار، التي تراكمت فوائدها على مدار سنوات حتى صارت عبئاً شكل في حينه خطراً حقيقياً على المؤسسة الإعلامية كلها، وليس فقط على قطاع القنوات المُتخصصة الذي يشمل «قناة النيل» للأخبار والثقافية، والدراما ومثيلاتها.
هذه التركة التي خلفتها سياسة الانفتاح الإعلامي والأقمار الصناعية، كانت هي السبب المباشر في ما آلت إليه الأحوال الاقتصادية وأدى إلى فتح الأبواب أمام الاستثمار الحر، ليتحول الإعلام المرئي من مشروع قومي هدفه تقويم وتقييم أداء مؤسسات الدولة، إلى مشروع تجاري بحت تهدده المُعدلات الرقمية للخسارة.
وفي ظل شعار الريادة الإعلامية استدعى الأمر توسيع دائرة الاتصال، ومن ثم تعدد الأقمار الصناعية وإنشاء المُدن الإعلامية في إمكانياتها الضخمة على غرار المُدن الأمريكية، للدخول إلى سوق الإنتاج الدرامي لجذب المُنتجين والمُستثمرين من دول الخليج، وفق الخُطة الطموحة التي غازل بها النظام الإعلامي المصري السابق مشاعر السياسيين والجمهور على حد سواء.
وبعد فترة وجيزة تكشفت الحقيقية وانتهت الأحلام والطموحات بكوارث اقتصادية وديون باهظة، لتبدأ بعدها رحلة البحث عن مُنقذ يُعيد للمنظومة الإعلامية الرائدة توازنها، وكالعادة لم يتفتق ذهن الخُبراء، إلا عن فكرة واحدة هي البيع، وهو ما كان مطروحاً قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني، حيث كانت النوايا تتجه لتجميد قطاع القنوات المُتخصصة، تمهيداً لتحويله إلى هيئة استثمارية برؤوس أموال مُختلطة من الحكومة والقطاع الخاص بنسبة 51 في المئة إلى 49 في المئة، لتبقى الأصول مملوكة للدولة تبعاً للإجراءات القانونية. كما كانت هناك صفقة أخرى مُتعلقة بمدينة الإنتاج الإعلامي، وفي هذه الفترة دخلت دولة عربية شقيقة مزاد البيع، للتفاوض على حق الانتفاع مُقابل سداد الديون، التي بلغت آنذاك 6 مليارات جنيه مصري. والغريب أنه قبل الاتفاق على الصفقة المذكورة والتخلص من الدين المتراكم، جرت عملية إطلاق القمر الصناعي 103 ليكون معنياً بشؤون البحث العلمي ورصد الظواهر الطبيعية والمُتغيرات الطارئة، فضلاً عن استخدامه كحائط صد للحماية من أخطار الفضائيات الأوروبية، التي قيل إنها اخترقت السموات العربية بدعاوى إعلامية وغير إعلامية. وكانت هذه، حسب زعم البعض، هي الخطوة التي جاءت ضمن تداعيات الحرب الأمريكية ـ العراقية واستهدفت وضع المنطقة العربية تحت الميكروسكوب الأمريكي بحجة التمشيط الأمني وتنقيتها من العناصر الإرهابية.
وعلى الرغم من وجود القمرين الصناعيين 101 و102 إلا أن تأثيرهما لم ينعكس بالإيجاب على الأداء العام للتلفزيون العربي المصري، في فترة ما قبل ثورتي 25 يناير و30 يونيو/حزيران، وفي ضوء الانشغال بالأزمة المالية، لم يُلتفت لميثاق الشرف الإعلامي وتم ضرب الحائط بنصوصه المنظمة للعملية المهنية والضابطة لإيقاع الخطاب الإعلامي الموجه للجمهور. وعلى أثر ذلك هبطت نسبة الأرباح في شركة نايل سات، وزادت أخطاء الأداء لدى المُذيعين والمُذيعات، وبامتداد الأزمة أصاب العطل قطاعات أخرى كانت حيوية كقطاع الإنتاج الدرامي، الذي تراجع إنتاجه الفني بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، بفعل أشياء كثيرة، ما دعا جهات أخرى لمحاولة إنقاذه في سنوات لاحقة كالشركة المُتحدة للإعلام، التي تبذل الآن جهوداً لإعادة التوازن الإنتاجي وتحسين الصورة الإبداعية.
ولو تجاوزنا الدور الإقليمي للإعلام المصري ووسعنا منظور الرؤية سنُلاحظ ذلك التركيز الأوروبي لبعض الفضائيات العالمية على نشر ما يُسمى بثقافة العولمة، والتحفيز على الاندماج داخل المنظومة العالمية للتعرف على الثقافات الأخرى، مع التحذير من خطر التقوقع والبعد عن النسق المرسوم لتبادل الثقافات على نطاق واسع. وقد بدا ذلك واضحاً منذ عدة سنوات في المبادرة التي أطلقتها القناة الروسية للتفاهم الإعلامي مع الولايات المُتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وعلى الدرب نفسه، سارت ألمانيا وإيطاليا بمحاذاة روسيا في هذا الصدد. ولم يكن ذلك تسليماً من قبل روسيا بقبول القيادة الأمريكية للإعلام، لأن هذه النقطة تُمثل حساسية مُفرطة للرئيس بوتين، الذي يرفض مبدأ التبعية للبيت الأبيض. لكن مزاعم أمريكا في ما يتصل بتصديها للإرهاب، هي التي جعلتها تتسلم هذا الملف وتتحكم في خطوات تنفيذه بالاتفاق مع روسيا ودول الاتحاد الأوروبي، لاسيما أن خبراء الإعلام الأمريكيين، أكدوا في وقت مُبكر على ضرورة تفعيل المنظومة الإعلامية بشكل قوي للاستفادة منها في هذا الشأن، بالإضافة إلى تحقيق حُلم بناء الشرق الأوسط الجديد بوصفة المشروع الأهم.

كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية