الناصرة ـ «القدس العربي»: نقلت الإذاعة العبرية الرسمية صباح أمس الأربعاء عن “مصدر معني بمداولات الدوحة” قوله إن طاقم المفاوضات يبذل جهودا يائسة من أجل إنقاذ احتمال إتمام صفقة، موجهّا سهام انتقاداته لرئيس حكومة الاحتلال نتنياهو قائلا: لا يتوقف عن إدخال “عنزات سود” إلى داخل غرفة المفاوضات”.
وطبقا للمصدر المذكور فإن عددا من أفراد طاقم المفاوضات بقي في قطر على أمل إنقاذ الصفقة العالقة، لكن المباحثات التي يدور الحديث عنها في نهاية الأسبوع غير مؤكدة لعدم التقدّم في المحادثات. وفي تطرّقه لمعاندة نتنياهو في نقطة الخلاف المركزية المتعلقة بالصفقة – انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من محور صلاح الدين(فيلادلفيا)- قال المصدر المذكور إن من يدير المفاوضات فعليا ويتحّكم بكل تفاصيلها هو نتنياهو بشكل كامل مشددا على أن المسؤولية عن النتائج تقع على عاتقه. وتجدّدت الانتقادات الإسرائيلية بالتصريح والتلميح والتسريب عقب قول نتنياهو لبعض عائلات المحتجزين في اجتماعهم الثلاثاء بإن إسرائيل لن تخرج بكل الأحوال من محور “فيلادلفيا” ومن محور “نيتساريم” رغم الضغوط الخارجية والداخلية الكبيرة. وتنقل الإذاعة العبرية الرسمية عن مصادر في طواقم المفاوضات قولها إن أقوال نتنياهو هذه تهدف إلى تفجير المداولات ولا يوجد تفسيرآخرا لها” معللّة ذلك بالقول إن رئيس الوزراء يدرك أننا في ذروة فترة حساسة للغاية ونحن ننكب على ابتكار حلول لمسألتي “فيلادلفيا” و “نيتساريم” قبيّل الاجتماع القادم، وهو يعي وجود تقدّم ولذا يطلق تصريحات معاكسة لما تمّ التوافق عليه مع الوسطاء”. وختمت الإذاعة العبرية نقلا عن مصادر في طاقم المفاوضات قولها إنه في ظل الوضع الراهن لا يمكن تحقيق توافقات. وسارع مكتب نتنياهو للرد بفظاظة على هذه التسريبات بالقول إنها أخبار كاذبة جديدة تصدر عن جهات تردّد دعاية حماس الكاذبة، منوها أن حماس وبخلاف موقف رئيس الحكومة، رفضت مقترح التجسير والوساطة الأمريكية وترفض حتى المشاركة في المفاوضات. وكانت القناة 12 العبرية قد كشفت قبل ثلاثة أيام عن اجتماع متوتر جدا بين نتنياهو ورؤساء المؤسسة الأمنية الذين وبخّهم على طريقة إدارتهم المفاوضات، رافضا تأكيدهم أنه لا قيمة عسكرية لاستمرار السيطرة على محوري فيلادلفيا ونيتساريم. وفي التزامن كشفت عن مطالبة وزير الدفاع غالانت في رسالة لنتنياهو بضرورة نقل اتخاذ القرارات الحاسمة إلى الكابنيت لأن إسرائيل على مفترق طرق استراتيجي وأنه بدون صفقة ستجد نفسها أمام خطر حقيقي بالتدّهور نحو حرب إقليمية.
يعود خالي الوفاض
بيد أن مصادر وجهات إسرائيلية وأمريكية وعربية ترفض مزاعم نتنياهو وتعرب عن غضبها على موقفه، فقالت، تزامنا مع مغادرة وزير الخارجية الأمريكي المنطقة خالي الوفاض، في تصريحات لصحيفة “بوليتيكو” الأمريكية إن مداولات الصفقة على حافة الانهيار. ولا يكترث نتنياهو بالضغوط الداخلية والخارجية ويتمسك بمآربه وأطماعه بتعطيل الصفقة من أجل إطالة أمد الحرب طمعا بما يصفه “انتصارا مطلقا” – أي استسلام المقاومة الفلسطينية وهذا ما تعتبره جهات إسرائيلية أيضا وهماً وسرابا. وهذا إلى جانب أطماع أخرى جديدة وقديمة أبرزها تحقيقه صورة انتصار تعيده للحياة السياسية مستقبلا وتبقيه بصورة إيجابية في الذاكرة الإسرائيلية وتسويقه أنه “سيدّ الأمن”(وفق أبواقه) المسكون بهاجس التاريخ وصاحب “الأنا المتضخمة” الجريحة بعد ضربة المطرقة على الرأس في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023 التي تلقاها هو شخصيا. ويبدو أن اغتيال إسماعيل هنية (في طهران) وفؤاد شكر(في بيروت ) جاءا كجزء من البحث عن استدراج الولايات المتحدة للصدام العسكري المباشر وهذا يفسر تركيزه عليها في خطابه في الكونغرس قبل شهر طامعا بأن هذا سيكسبه حبل نجاة من السقوط من شرفة التاريخ ومن سدة الحكم ويستعيد نفسه قبل ضربة “طوفان الأقصى”.
ثمن الصفقة
على خلفية هذه الحسابات وغيرها يعطّل نتنياهو جهود الصفقة ويدخل “العنزات السود” إلى غرفة المفاوضات لأنه غير مستعد هو وحكومته لدفع ثمن الصفقة خاصة أنه يعي أن صور الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم وهم يرفعون شارات الانتصار داخل الحافلات التي ستخرجهم من سجون الاحتلال من شأنها زعزعة حكومته اليمينية التي طالما زايدت على المعارضة بقبضتها الحديدية مع الفلسطينيين. ولذا لا يكترث نتنياهو بموت المخطوفين في غزة حتى بنيران إسرائيلية وهو يفضّل تخليص جثاميهم على المخاطرة من كيسه، وفق ما يؤكده أيضا المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل. ويتقاطع معه مراقبون إسرائيليون كثر يرون أيضا أنه من ناحية نتنياهو فإن المخطوفين ليسوا ذخرا وبالتأكيد هدفا استراتيجياً كما يقول محلل الشؤون الحزبية والسياسية في الصحيفة يوسي فرطر. ومن أجل التضليل وخلط الأوراق وتشويش الرؤية يصعّد نتنياهو خطاب الشعبوية في الأيام الأخيرة كالقول على سبيل المثال إنه يريد مفاوضات “أخذ وعطاء” لا “عطاء وعطاء “، متناغما مع شهوة الانتقام في الشارع الإسرائيلي وعدم مشاركة عدد كبير من الإسرائيليين في الاحتجاجات خوفا من أن يصب ذلك الماء على طاحونة حماس، ولأنهم هم أيضا يخشون من توقّف الحرب دون انتصار أو صورة انتصار مقابل فصائل فلسطينية محاصرة منذ عشرين عاما. في التزامن غادر بلينكن المنطقة تاركا وراءه تصريحات متفائلة فارغة وحالة ترقب وأجواء متوترة، ويبدو أن زيارته فعلا جاءت لكسب الوقت وتبريد إيران وحزب الله وتمرير مؤتمر الحزب الديموقراطي في شيكاغو دون احتجاجات واسعة مناصرة للفلسطينيين ومناهضة للدعم الأمريكي للاحتلال.
بلينكن غادر في ختام زيارة خاطفة هي العاشرة منذ اندلاع الحرب المتوحشة على غزة، وترك فيها سؤالا: من هو الرأسُ ومن هو الذَنَب؟ أمريكا أم إسرائيل أم إنهما يشكلان جسدا وكيانا واحدا، مثلما يترك داخل إسرائيل سجالات متزايدة حول الصفقة العالقة خاصة غداة الكشف عن استعادة ستة جثامين لمحتجزين إسرائيليين بعضهم سبق وناشد نتنياهو في شريط فيديو بإنقاذهم.
كل ذلك في ظل استذكار أوساط إسرائيلية تفويت فرصة حقيقية لاستعادتهم أحياء في آذار /مارس الماضي، عندما عرضت حماس إرجاعهم بعدما لم تجد عددا كافيا من النساء ضمن مداولات “صفقة نساء” في حينه وهذا كله يعمق الجدل وحالة الانقسام الداخلي في إسرائيل.