الانتخابات الرئاسية الجزائرية… الاستقرار فالتنمية لمواجهة التحديات

الجزائر مستهدفة حقيقة وليس مجازاً. إنها الدولة العربية الوحيدة من بين الدول العربية الكبرى التي ظلت متماسكة وقوية وصامدة، بعيدا عن التطبيع مع الكيان الصهيوني من جهة، وثابتة في دعم الشعب الفلسطيني بكل إمكاناتها، من جهة ثانية. وكان الرئيس الحالي عبد المجيد تبون قد أعلن بعد فوزه في انتخابات ديسمبر 2019 أنّ «القضية الفلسطينية قضية مقدسة بالنسبة لنا وللشعب الجزائري برمته، أنا أرى نوعا من الهرولة للتطبيع. نحن لن نشارك فيها ولن نباركها. القضية الفلسطينية بالنسبة لنا أم القضايا».
الدول العربية إما مطبعة أو على طريق التطبيع أو تتعرض لمشاكل كبرى. أنظروا ما يحدث في السودان واليمن وسوريا والعراق ومصر والأردن وليبيا وتونس لنعرف ماذا يحاك للجزائر. وفي رأينا أن كل عربي شريف مناهض للتطبيع وداعم للمقاومة الفلسطينية لابد أن يكون مع دعم الجزائر داخليا وخارجيا ضد ما يحاك لها من مؤامرات. فمع صعود الجزائر في السنوات الثلاث الأخيرة إلى مستوى رفيع، محليا وإقليميا ودوليا، تكالبت عليها المؤامرات المحاكة من أطراف دولية وعربية، ساعية إلى تفكيك برامج النهوض الكبرى وعرقلتها، وحرف البلاد عن مسارها العروبي. هناك من يريد أن يعاقب الجزائر لأنها منعت، هي وجنوب إفريقيا، تسلل الكيان الصهيوني إلى الاتحاد الإفريقي. وهناك من يريد أن يشغل الجزائر بقضاياها الداخلية كي يتمدد الكيان في إفريقيا دون رقابة أو إعاقة.

لقد شهدت البلاد نوعا من الاستقرار وانطلاق عجلات التنمية بعد مرحلة ما بعد الحراك الشعبي المبارك، الذي أعاد الجزائر إلى مسارها القويم، لتلعب دورا إيجابيا في القضايا العربية والإفريقية والدولية، وتشد أزر حركات التحرر وأولئلك المدافعين عن الكرامة والحرية والنهوض العربي، بعيدا عن التآمر والتطبيع والخيانة. ويؤسفني أن أشير إلى أن هناك عددا من الكتاب لا شغل لهم إلا البحث عن مثالب هذا البلد العظيم وكأنهم يتوقعون، لأسباب مشبوهة، أن تنتقل الجزائر، بعد غياب طويل، إلى مصاف دول أوروبا الشمالية في الديمقراطية والاستقرار واحترام حقوق الإنسان، لكنهم يسكتون عن تغلغل الكيان الصهيوني في بلدانهم. وأتمنى أن يراجع هؤلاء زيادة التجارة بين خمس دول عربية مطبعة والكيان الصهيوني في سنة الإبادة الجماعية في غزة ليعرفوا عما نتحدث. وأؤكد أن الحديث يتعلق بالأنظمة وليس بالشعوب المغلوبة على أمرها.

التحديات الآنية

وحتى لا يكون حديثنا عن المؤامرات ضربا من الدعاية نود أن نذكر بأن الأجهزة الأمنية قد ضبطت يوم 4 آب/أغسطس كمية من السلاح مهربة إلى ميناء بجاية تقدر بعشرين مليون دولار قادمة من ميناء مرسيلية الفرنسي، متجهة إلى بعض عناصر الحركة الانفصالية في منطقة القبائل المسماة «ماك» التي تم اختراعها في فرنسا والمدعومة من الكيان الصهيوني ونظامين عربيين على الأقل بهدف خلق حالة فوضى في الداخل وحرف البلاد عن مبادئها في دعم حركات التحرر.
إضافة إلى ذلك هناك محاولات مستمرة لخلق بؤر توتر على الحدود الجزائرية المالية والتونسية والليبية والمغربية. فكما قلنا إن الجزائر بلد مستقر يعمل الكيان الصهيوني وحلفاؤه على خلق مناطق نزاع فيه، كان آخرها على الحدود مع مالي. وتقود فرنسا هذا التوجه بعد أن تم طردها من أربع دول إفريقية وتعمل على التسلل مرة أخرى مقابل تخليها عن مبادئ القانون الدولي.
كما إن هناك أزمة صامتة بين الجزائر وروسيا بعد وصول مرتزقة فاغنر إلى الحدود الجزائرية المالية. ويبدو أن الأزمة مرشحة للتفاقم بعد انتشار مرتزقة فاغنر في ليبيا، والأنباء عن محاولة روسيا استئجار قاعدة بحرية من الجنرال الليبي خليفة حفتر. ومحاولة التمرد الأخيرة على الحكومة الشرعية في ليبيا، وكانت وراءها مصر والإمارات لصالح حفتر، لا يمكن أن تتم دون دعم من مرتزقة فاغنر.

الانتخابات الرئاسية

في ظل هذه الظروف تستعد الجزائر للتوجه لصناديق الاقتراع في السابع من أيلول/سبتمبر القادم لانتخاب أحد المرشحين الثلاثة لمنصب الرئيس للسنوات الخمس القادمة. ونعتقد أن الانتخابات ستكون جادة وليست شكلية مثل انتخابات بعض الدول العربية، التي تسبق الانتخابات باعتقال المرشحين، ويقوم الرئيس باختيار من ينافسه كأحد مستلزمات الديكور الانتخابي.
هناك ثلاثة مرشحين حقيقيون، عبد العالي حساني شريف، رئيس حركة مجتمع السلم، ذات التوجه الإسلامي، ويوسف أوشيش، السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية، ذات التوجه اليساري، والرئيس الحالي عبد المجيد تبون، مرشح القوى الشعبية والناس العاديين وليس مرشح جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم منذ الاستقلال.
قد يقول الكثيرون إن الانتخابات محسومة سلفا لصالح الرئيس عبد المجيد تبون، وأنا لا أشارك هذا الرأي علماً أنه الأكثر أهلية للفوز. وحسب تصريحات عبد العالي شريف في مقابلة مع «القدس العربي» يوم 19 آب/أغسطس الحالي فإنه يصر على أن الانتخابات ليست محسومة: «كيف تكون محسومة والقرار في يد الشعب الجزائري الذي نؤمن بقدرته على التفاعل معنا في هذه الانتخابات!! وإذا نزل بثقله فلن يجاري قوته أحد، وقد رأينا كيف حوَّل الحراك الشعبي إرادة المطبلين للعهدة الخامسة». وتؤكد الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات التزامها بـ «انتخابات شفافة وحرة وحيادية» وتنظم عملية التوازن في الظهور التلفزيوني للمرشحين.

فرص فوز الرئيس تبون

غابت الجزائر عن المسرحين العربي والدولي لمدة 15 سنة. وقبل ذلك عاشت البلاد العشرية السوداء التي أدت إلى دمار كبير وتضحيات جسام وتعطل آلية التنمية والتقدم. إذن عودة الجزائر إلى دائرة الفعل حقيقية بدأت في نهاية عام 2019 بعد انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون بنسبة 58 في المئة من الأصوات فقط. لكن بعد أقل من ثلاثة أشهر تعرض العالم إلى إغلاق شبه تام بسبب جائحة الكورونا، وما كاد العالم يتعافى من الجائحة حتى دخل في فبراير 2022 في حرب طاحنة بين أوكرانيا، مدعومة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، والاتحاد الروسي. وتلك الحرب أثرت على معظم الدول النامية بسبب اعتمادها على الحبوب والأسمدة من البلدين المتحاربين أوكرانيا وروسيا.
إذن سنوات تبون الفعلية في الحكم لا تتجاوز ثلاث سنوات، وكل ما أنجزته الدولة على المستويات الداخلية والإفريقية والعربية والدولية تم في هذه الفترة القصيرة، ونذكر عينة منها:
– استطاع النظام أن يجتث مراكز القوى ومهربي أموال الجزائر والمتآمرين على مقدرات الدولة وعصابات الفساد إذ وضع العديد منهم قيد الاعتقال والسجن وهرب بعضهم خارج البلاد.
– استطاع النظام استرداد نحو عشرين مليار دولار من الأموال المهربة إلى البنوك الأوروبية.
– سددت الجزائر جميع ديونها وبلغ الناتج المحلي نحو 267 مليار دولار ومن المتوقع أن يرتفع إلى 400 مليار عام 2025. ولارتفاع أسعار الغاز دور في هذه الطفرة المالية. وتقدر نسبة النمو الاقتصادي للعامين القادمين ب 4 في المئة ما يضع الجزائر في صدارة الدول الإفريقية اقتصاديا. وتعمل البلاد على تنويع مصادر الدخل من غير النفط والغاز وجذب الاستثمارات الخارجية. فهناك تقدم حقيقي في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة.
– لقد عادت الجزائر إلى دائرة الفعل الإفريقية والعربية والدولية. انتخبت لمجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان. واستضافت «قمة لم الشمل العربية» في نوفمبر 2022. وجمعت الفصائل الفلسطينية التي وقعت بيان الجزائر للوحدة الوطنية بتاريخ 13 أكتوبر 2022 ودعمت ميزانية السلطة الفلسطينية وميزانية الأونروا. كما وقفت مع تونس وليبيا في أزماتهما الداخلية وقررت تزويد لبنان بالمحروقات لتشغيل محطات توليد الكهرباء. الجزائر أصبحت تضغط على الدول الأوروبية وليس العكس. كما لعبت أدوارا مهمة في الوساطات الإفريقية خاصة في مالي والنيجر.
ملفات وتحديات مهمة أمام الدولة الجزائرية وهي تستعد لانتخابات رئاسية حاسمة. هناك ثوابت لا يتخلى عنها الجزائريون: التراث الثوري العظيم وحماية البلاد. قد يختلف الجزائريون على مائة قضية وقضية لكن إذا ما اقترب أحد من إهانة الوطن والنيل منه ومن مناعته والتآمر عليه ستجد الجزائريين يتناسون خلافاتهم فورا ويقفون صفا واحدا في الدفاع عن البلاد.

كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية