تونس – «القدس العربي»: أجرى الرئيس التونسي قيس سعيد، مساء الأحد، تعديلاً وزارياً واسعاً شمل 22 حقيبة، أبرزها الخارجية والدفاع، في وقت استغربت فيه المعارضة إجراء تعديل وزاري قبل أقل من شهر ونصف الشهر على الانتخابات الرئاسية، منتقدة الإبقاء على من سمتهم «وزراء الاعتقالات»، وخاصة وزيرة العدل ليلى جفال، التي تتهمها المعارضة بالتسبب في سجن أغلب رموزها.
وأكد سعيد في خطاب أمام التشكيلة الوزارية الجديدة، أن التعديل الوزاري كان ضرورياً، على اعتبار أن «الوضع قد تحول اليوم إلى صراع مفتوح بين الشعب التونسي المصر على التحرر وعلى تحقيق العدالة والحرية وعلى مقاومة الفساد وجهات مرتمية في أحضان دوائر خارجية تمني نفسها بالعودة إلى الوراء».
واعتبر أن «الذين ينتقدون القيام بتحوير وزاري قبل أسابيع من الانتخابات لا يفرّقون بين الانتخابات والسّير العادي لدواليب الدّولة وأمنها القومي»، مشيراً إلى أنّ «دواليب الدّولة تتعطّل كلّ يوم والأمن القومي قبل أيّ اعتبار. ولو اقتضت المصلحة العليا للبلاد إجراء تحوير وزاري حتى بعد فتح مكاتب الاقتراع لما تمّ التردد للحظة واحدة لإجرائه (…) والتونسيون متمسّكون ومعتزّون بوطنهم ومستميتون في الدّفاع عن السيادة دون نقصان».
وأكد أن «اختيار عدد من المسؤولين، جهويّاً ومحلّياً ومركزيّاً، كان بناء على تعهدهم على تحقيق أهداف الشعب التونسي ومطالبه المشروعة، لكن لم تمر سوى أيّام بعد تكليفهم إلا وانطلقت المنظومة من وراء الستار لتنجح في احتواء عدد غير قليل منهم والالتفاف عليهم، ما حول الوضع منذ مدة إلى صراع بين نظام دستوري جديد ومنظومة فاسدة مازال الفاعلون فيها يمنون أنفسهم بالعودة إلى الوراء».
وأضاف: «هؤلاء لم يستوعبوا أن تونس دخلت مرحلة جديدة في التاريخ وأنّ الدولة تعيش في ظل دستور جديد أقره الشعب عن طريق الاستفتاء».
وعلق عبد الوهاب الهاني، رئيس حزب المجد، على التعديل الوزاري بالقول: «تم إرضاء المؤسَّسة العسكريَّة بتعيين المستشار الرَّئيس والطَّبيب الخاص لرئيس الجمهوريَّة الفريق أوَّل طبيب الفرجاني وزيراً للصِّحَّة بعد إدارتها عن بُعد، والتَّخلًّص في الوقت نفسه من تأثيره في القصر وترك القصر ورئيس الجمهوريَّة المنتهية ولايته وحيداً دون مستشار، بعد يومين فقط من تمتيعه (الفرجاني) بترقية استثنائيَّة لرتبة فريق أوَّل، وهي أعلى رتبة في الجيش التُّونسي».
وأضاف: «كما تمت الاستجابة لرغبة الوزير عماد ممِّيش بمغادرة وزارة الدِّفاع وتعويضه بالدِّبلوماسي خالد السّهيلي، في علاقة بما تمَّ تداوله أخيراً في الإعلام الأجنبي ولدى صحافيِّين ومدوِّنين تونسيِّين من صراع مفتوح بين رئيس الجمهوريَّة المنتهية ولايته والمؤسَّسة العسكريَّة، في علاقة بملفَّات الانتخابات الرِّئاسيَّة التي حرصت قيادة الجيوش على احترام آجالها الدُّستوريَّة وملفَّات إدارة أزمة شُحّ المياه التي انتصرت فيها لأحد أعضائها الفريق وزير بلعاتي، ضدَّ هلوسات القصر».
كما انتقد الهاني «الإبقاء على وزيرة العدل رغم فضيحة الدَّولة من العيار الثَّقيل الَّتي هزَّت ديوانها بإيقاف ثمَّ إقالة القاضي المقرَّب إليها مكرم الجلاصي، على خلفيَّة تورُّطه في التَّغطية على تهريب أحد كبار رجال الأعمال من كبار تُجَّار المخدِّرات والضَّالعين في تبييضها»، فضلاً عن «إقحام كاتبة دولة جديدة مكلَّفة خصِّيصاً بالشَّركات الأهليَّة».
وكتب الوزير السابق رفيق عبد السلام: «في كل دول العالم تجري التحويرات (التعديلات) الوزارية بعد المحطة الانتخابية التي من المفترض أن تعبر عن طبيعة المشهد العام وموازين القوى السياسية، إلا في تونس قيس السيسي، تجري التحويرات وتُعمل الهندسة السياسية قبل الانتخابات التي يعتبرها مجرد محطة مخادعة للشعب وتجديد المبايعة له».
وأضاف: «الواضح أن هذا التحوير هو غطاء لاستبعاد الوزراء المنحدرين من المؤسسة العسكرية، وتحديداً وزير الفلاحة الذي ضاق ذرعاً بشعبوية قيس ودجله على الشعب، خاصة أنه (سعيد) اتهم الجيش بالتآمر عليه من داخل النظام، طبعاً مع الحرص استبقاء وزراء الغرفة المظلمة المكلفين بالمحاكمات والاعتقالات وعلى رأسهم جفال وتوابعها». ودون هشام العجبوني، القيادي في حزب التيار الديمقراطي، بتهكّم: «الرسالة السياسية من إجراء تحوير وزاري شامل قبل شهر ونصف من إجراء الانتخابات الرئاسية هو أنّني سأبقى على رأس البلاد مهما كانت نتائج الانتخابات، ولن أسلّم البلاد لغير الوطنيّين والخونة والعملاء والذين يستعدّون لتوقيع اتفاقية حماية أو وصاية أو انتداب (كما صرّح فخامته في العديد من المرّات)».
وأضاف: «ما سرّ الحماية التي تحظى بها السيدة وزيرة العدل حتى تكون عنصراً ثابتاً في كل حكومات ما بعد الانقلاب، رغم كل ما حصل في الفترة الأخيرة في وزارة العدل وإقالة مدير ديوانها ومدير الشرطة العدليّة وما رافق ذلك من روايات وإشاعات (في ظلّ غياب رواية رسميّة)؟ هل هذا يعني أن فخامته راض تمام الرّضا عن أدائها المثير للجدل؟!».