برلين- “القدس العربي”:
بعد خمسة أسابيع من حظر المركز الإسلامي في هامبورغ، وتصنيفه كمركز ترويجي لإيران في أوروبا، يتصاعد الجدل حول مديره السابق، محمد هادي مفتح، الذي يواجه الآن قرارا بالطرد من ألمانيا.
وقد تم تسليم مفتح، البالغ من العمر 57 عاما، إشعارا رسميا بالطرد هذا الأسبوع من قبل السلطات المحلية في ولاية هامبورغ، مما يمنحه 14 يوما لمغادرة البلاد، وإلا سيواجه الترحيل القسري على نفقته الخاصة.
وفقا للسلطات الألمانية، فإن هذا الإجراء يأتي بعد تحقيقات مطولة من قبل مكتب ولاية هامبورغ لحماية الدستور، الذي صنف مفتح كنائب رسمي للزعيم الإيراني علي خامنئي في ألمانيا. وقد شغل مفتح منصب مدير المركز منذ صيف 2018. وخلال هذه الفترة، كان للمركز دور فعال في نشر التوجهات الإيرانية في أوروبا.
في 24 يوليو 2024، أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، حظر المركز الإسلامي في هامبورغ، واصفة إياه بأنه “أحد أهم مراكز الدعاية الإيرانية في أوروبا”. جاء هذا القرار في أعقاب عملية واسعة قامت بها الشرطة الألمانية لمصادرة أصول المركز ومرافقه، بالإضافة إلى خمس منظمات أخرى تابعة له. ومنذ ذلك الحين، وُضع “المسجد الأزرق”، الذي يُعتبر معلما في هامبورغ، تحت إدارة السلطات الاتحادية الألمانية. وصادرت الشرطة في جميع أنحاء ألمانيا أصول ومرافق المركز وخمس منظمات تابعة له.
ويسيطر هذا المركز خصوصاً على مسجد الإمام علي في هامبورغ، وتشتبه الاستخبارات الداخلية الألمانية في أن الجمعية “تمارس نفوذاً قوياً من هناك على مساجد وجمعيات أخرى” وفق وزارة الداخلية الألمانية.
وحسب صحيفة بيلد الألمانية، قام المسؤولون بإحضار ماسح ضوئي ثلاثي الأبعاد إلى المباني لقياس غرف في المبنى، كما تم فتح الأبواب الثقيلة أو حفر الجدران المفتوحة، وسُمعت أصوات اقتحام من المبنى، كما لو تم فتح الخزائن بالقوة.
وبحسب مجلة شبيغل، يمثل هذا القرار نقطة تحول في السياسات الألمانية تجاه المؤسسات التي يُعتقد أنها تشكل تهديدا للأمن القومي. ومن بين الإجراءات التي اتخذتها السلطات، منع محمد هادي مفتح من دخول ألمانيا مجددا أو حتى التوقف فيها. وإذا حاول العودة، فإنه قد يواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
لم يكن المركز الإسلامي في هامبورغ بعيدا عن الشبهات لفترة طويلة. فمنذ عام 1993، كان تحت مراقبة مكتب حماية الدستور في هامبورغ، الذي كان يجمع الأدلة على أنشطة المركز وعلاقاته المشبوهة مع النظام الإيراني. وكانت هذه الأدلة محورا لقرار الحظر الأخير.
ردت إيران بغضب على هذا الحظر، حيث استدعت السفير الألماني في طهران للاحتجاج. وفي خطوة انتقامية، أغلقت السلطات الإيرانية معهد اللغة الألمانية في طهران، متهمة إياه بأنه يعمل بطريقة “غير قانونية”. لكن الحظر الألماني لم يكن مجرد إجراء فردي؛ فقد قدم المركز الإسلامي في هامبورغ دعوى قضائية ضد قرار الحظر، زاعما أنه مؤسسة دينية تعمل على نشر الإسلام السلمي. ومع ذلك، كشفت التحقيقات عن اتصالات وثيقة بين المركز والنظام الإيراني، بل وارتباطات محتملة مع جماعات مثل حزب الله.
تفاصيل إضافية من التحقيقات أشارت إلى أن محمد هادي مفتح كان على اتصال مباشر مع مكتب الزعيم الإيراني علي خامنئي، المعروف باسم “مكتب المرشد الأعلى”، حيث تبادل والمسؤولين الإيرانيين أكثر من 650 رسالة عبر تطبيق “واتساب” من نهاية 2021 حتى نهاية 2023. تضمنت هذه الرسائل تعليمات دقيقة حول كيفية توجيه أنشطة المركز في ألمانيا، بما في ذلك نشر الدعاية المناهضة لإسرائيل.
وعلى الرغم من محاولة المركز الدفاع عن نفسه بصفته مؤسسة دينية، فإن الوثائق السرية التي جمعتها السلطات الألمانية بحسب ما تشير مجلة شبيغل، أظهرت صورة مغايرة تماما، حيث كشفت دعماً مالياً ومعنوياً من المركز لجماعات متطرفة. وقد وثقت السلطات كذلك اتصالات المركز مع شخصيات مرتبطة بحزب الله، ما أضاف بعدا جديدا للقلق حول نشاطات المركز.
وكانت وزارة الداخلية في ولاية هامبورغ، قررت طرد نائب رئيس المركز العام الماضي، واستطاعت الحصول على حكم قضائي يؤيد الطرد. وأكدت في بيان أن “حكومة الولاية لا تتسامح مع أي أنشطة موجهة ضد النظام الدستوري وفكرة التفاهم بين الشعوب وحق إسرائيل في الوجود”.
وفي بيان وصل لصحيفة “القدس العربي” أصدره المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا حول حظر المركز الإسلامي في هامبورغ والمساجد التابعة له، قال: “يعلن المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا (ZMD) ما يلي: أنه من واجب الدولة الديمقراطية أن تظهر حزمها وعزمها في مواجهة كل أشكال الغلو والتطرف، كما من حق المركز الإسلامي في هامبورغ (IZH) استخدام كل الوسائل القانونية المتاحة للدفاع عن نفسه، والطعن في قرار الحظر. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن عضوية المركز الإسلامي في المجلس الأعلى قد تم تعليقها وفقا لبنود القانون الأساسي للمجلس منذ بدء الحكومة الألمانية اتخاذ إجراءات الحظر في نوفمبر من العام الماضي”.
وأضاف: “نظرا للتأثير السلبي الكبير في استقلالية الطائفة الدينية من خلال هذا الحظر، وما سيعقبه من حالة الارتباك والقلق الشديدين لدى المسلمين الشيعة في ألمانيا، يجب أن نركز الآن كل اهتمامنا على الحفاظ على البنية التحتية الدينية لآلاف المسلمين. وندعو جميع الأطراف في هذا الخصوص إلى حماية المسجد الذي يزيد عمره عن ستة عقود، والمساجد الأخرى المتضررة من قرار الحظر، إلى جانب الحفاظ على استمرار حياة الطائفة الشيعية في ألمانيا. ويسعى المجلس الأعلى في هذا الصدد إلى التواصل مع وزيرة الداخلية، نانسي فيزر، للبحث عن حلول تضمن استمرارية ممارسة آلاف المصلين الذين فقدوا اليوم دور عبادتهم لشعائر دينهم”.