خلال لقاء نادر، رأى فيه مراقبون كثر سابقة لافتة من حيث العلانية وملفات البحث، عقد رئيس المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز ورئيس جهاز الاستخبارات البريطاني ريشارد مور جلسة مشاورات في العاصمة البريطانية لندن، أصدرا بعده نداء مشتركاً يحث على تقديم «تنازلات سياسية صعبة» بهدف التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن.
كذلك وقّع بيرنز ومور مقال رأي مشتركاً في صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية، اعتبرا فيه أن التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة «يمكن أن ينهي المعاناة وخسائر الأرواح المروعة في صفوف المدنيين الفلسطينيين ويفرج عن الرهائن». وإذْ استعرضا الجهود التي بذلتها الاستخبارات الأمريكية والبريطانية إزاء الغزو الروسي في أوكرانيا والتهديد الصيني وشراكة واشنطن ولندن في مكافحة الإرهاب ومواجهة تحديات التخريب في ميادين التكنولوجيا والمعلومات، كان واضحاً تماماً أن الهدف الأبرز لاجتماعهما هو استكشاف سبل التوصل إلى صفقة التبادل في قطاع غزة.
ومن حيث المنطق السليم، وفي ضوء التاريخ الحافل للجهازين في تنفيذ السياسات العليا للحكومتين الأمريكية والبريطانية وخدمة أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي والتواطؤ على ما ارتكبت وترتكب من جرائم الحرب، ليس خافياً أن مجرد اجتماع بيرنز ومور على هذا النحو هو دليل فشل صريح للأجهزة السياسية الأعلى الحاكمة في واشنطن ولندن.
ذلك لأنّ هذَين الجهازين لم يتوقفا عن التنسيق السرّي بصدد مسائل شتى تخصّ حرب الإبادة الإسرائيلية ضد القطاع، ولم تقتصر جهودهما على الرهائن أو بالأحرى اتسم هذا الملف بأولوية أدنى بالقياس إلى الاستخبار الأمني والعسكري واللوجستي لصالح دولة الاحتلال. وليس خروجهما إلى اللقاءات العلنية والنداءات ومقالات الرأي المشتركة سوى صيغة ضغط على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي باتت واشنطن ولندن على اتفاق بأنه الطرف الوحيد الذي يعرقل التوصل إلى اتفاق.
سبب آخر يسجل مستوى إضافياً من الفشل هو أن الجهازين امتنعا سابقاً عن التوصية بضرورة الإسراع في وقف إطلاق النار، وصادقا خلال أسابيع وأشهر طويلة على رغبة الاحتلال في مواصلة حرب الإبادة ورفض الوساطات والإصرار على أن الحل العسكري هو الوحيد الذي يمكن أن يدحر «حماس» ويحرر الرهائن. وبذلك فإن صحوة بيرنز ومور اليوم على الحاجة إلى وقف إطلاق النار ليست متأخرة كثيراً فقط، بل تأتي في ذروة قصوى من تعنت نتنياهو، وخلال فترة بالغة الحرج في أمريكا المقبلة على انتخابات رئاسية تحظى فيها الحرب على قطاع غزة بموقع حساس ومربك للحزب الديمقراطي ومرشحته.
صحيح أن الاستخبارات الإسرائيلية غابت علناً عن لقاء بيرنز مع مور في لندن، ولكنها حضرت ضمناً على بند غزة الأهم في المداولات، وليس من زاوية استمرار التنسيق المألوف والقديم فحسب، بل كذلك لأنّ قيادات أجهزة الموساد كانت ستوقع بدورها على النداء ومقالة الرأي، لأنها بدورها تستصرخ نتنياهو أن يوافق على صفقة التبادل. وهذه ليست مفارقة بل تحصيل حاصل لمآزق دولة الاحتلال، وللباحثين عن حلول في واشنطن ولندن.