عمان ـ «القدس العربي»:طبيعي جداً أن يبدأ القطب البرلماني الإسلامي والقانوني صالح العرموطي التفكير في المزاحمة على رئاسة مجلس النواب بعد النتائج المذهلة سياسياً التي حققتها جبهة العمل الإسلامي المعارضة، خصوصاً أن العرموطي يحظى باحترام شديد من كل الأطراف، ويعتبر من أقطاب عملية التشريع خلافاً لأنه حصل على ما يزيد على 29 ألف صوت، ما يكرسه الأكثر شعبية في البلاد منذ عام 1989. طبيعي أكثر أن يطمح الإسلاميون بعد نجاحهم في حصد 32 مقعداً في البرلمان الجديد في نسخة عام 2024 إلى مقاربة تتجاوز سياسياً المألوف والمعروف في إطار السعي لتقديم مؤشرات أو للتقدم بإشارات تقبل فكرة الشراكة مع الدولة في المرحلة اللاحقة، تفاعلاً مع ما دعا إليه علناً المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، تحت عنوان التصدي للأطماع الصهيونية أو الإسرائيلية اليمينية ضد المملكة بالعمل معاً عبر مبادرة تجمع فيها الدولة ـ حسب العضايلة ـ «جميع أولادها».
العرموطي عملياً حقق المركز الأول في الانتخابات الأخيرة بالدائرة التي ترشح فيها، وبقي بهذا المعنى عنصراً متقدماً في صفوف من جمعوا أعلى الأصوات في الانتخابات.
لكن العرموطي نفسه كان قد تحدث لـ «القدس العربي» أثناء الحملة الانتخابية وفي بؤرتها عن طموحاته الشخصية بأن يتم تأسيس مقاربة شراكة حقيقية مع جميع الأطياف والأطراف في الدولة والمجتمع، لأن تلك هي الوسيلة الوحيدة لمواجهة أطماع اليمين الإسرائيلي.
قواعد اشتباك فعالة
طموح التيار الإسلامي بالعبور بفكرة تفحص «الترشح للرئاسة» مرتبط بحسابات أصبحت متقاطعة لا بل متشابكة بعدما حصد الإسلاميون في الانتخابات حصة الأغلبية وتوفرت لديهم فرصة لتشكيل قواعد اشتباك فعالة على صعيد عمليتي التشريع والرقابة، بواسطة كتلتهم الصلبة وقوامها 32 عضواً في البرلمان، خلافاً لأن قناعة جميع الأطراف مستقرة بأن العضو البرلماني الواحد عن التيار الإسلامي قوته الحقيقية في مجالات التشريع والرقابة وحضور الجلسات ستكون أكبر بكثير من عدة نواب من المحسوبين على تيارات الوسط وأحياناً المتشدقين بالولاء.
هل يفكر الإخوان المسلمون «خارج الصندوق»؟
يقر الأمين العام لحزب الميثاق الدكتور محمد المومني، في نقاش سابق مع «القدس العربي» بأن العمل الحقيقي المنهجي تشريعياً ورقابياً هو بعد الانتخابات وليس قبلها، ولا يمانع القول إن حرفية ممثلي التيار الإسلامي في العمل التشريعي هي مسألة تحتاج لوقفة تأمل عند الأحزاب الأخرى، حيث المرحلة تحتاج لكثير من المعرفة والعمل والجهد. في كل حال، مألوف بالمقابل سياسياً، أن يبدأ الإسلاميون بالتفكير خارج العلبة، مع أن الناشط النقابي البارز أحمد أبو غنيمة سأل علناً في المقاربة: لماذا التركيز على أن يبدل التيار في لهجته ويقدم تنازلات، وليس الأطراف الأخرى والدولة أيضاً؟
قد يعني ذلك التفكير خارج علبة الزوايا الضيقة التي سبق للحكومة والسلطات التنفيذية أن حشرت الإسلاميين فيها، خلافاً للتفكير -كما يقترح السياسي والبرلماني العريق الدكتور ممدوح العبادي ـ في إطار متدرج ودون شطط بعد الانتخابات التي لا يمكن إلا الإقرار بنزاهتها بنسبة كبيرة. ما تستطيع «القدس العربي» أن تؤكده هو أن مطبخ الإخوان المسلمين بدأ مبكراً يطرح أسئلة ذاتية «واقعية» بعد الاجتياح الانتخابي، ولديه مهارة تجنب التصرف بـ «غرور سياسي». وما لا يستطيع الجميع حتى اللحظة تأكيده بالتوازي هو تحديد ما إذا كانت الدولة من جانبها تستطيع التفكير مع الإسلاميين وبهم خارج «المعلبات والتصنيفات البيروقراطية».
وهنا قد لا يتعلق الأمر فقط بتأثير وجود كتلة أغلبية صلبة ومتماسكة باسم حزب جبهة العمل الإسلامي تحت قبة البرلمان، ولا يتعلق أيضاً ببروز دعوات لا تمانع أن تزاحم كتلة الأغلبية هذه على موقع متقدم ومهم مثل رئاسة مجلس النواب، مع أن العلاقة الشخصية ما بين رئيس مجلس النواب السابق والذي نجح أيضاً في الانتخابات على رأس قائمة الميثاق الحزبية أحمد الصفدي والعرموطي من جهة، وبين الصفدي والإسلاميين من جهة مختلفة، هي علاقة قابلة للشراكة.
بقي الصفدي طوال الوقت يؤكد أمام «القدس العربي» بأن لديه دائماً قناعة بأن التيار الإسلامي في الأردن ينبغي أن يحظى بفرصته التمثيلية والسياسية والوطنية الحقيقية. وقال الصفدي إنه يتفهم الحركة الإسلامية، وإنه قريب منها ومن قادتها، لا بل يشيد كرئيس لمجلس النواب لدورتين بأداء الإسلاميين رغم قلة عددهم في البرلمان السابق.
أرضية للتعاون
أدبيات الصفدي ما لم تزحف طموحات ترشيح العرموطي، توفر الأرضية لتعاون ما في المرحلة الحالية، مع أنه لا الصفدي ولا غيره في هرم الدولة والمنظومة يستطيع تجاهل الإسلاميين أو إقصائهم الآن.
والاشتباك بمعناه الإيجابي، لا يقف عند حدود تفحص جزئية ترشيح العرموطي بديلاً عن الصفدي أو غيره لاحقاً؛ لأن مسألة «رئاسة المجلس» تصلح لأن تمثل «جسراً» يمكن للصفدي أن يتدبره من أجل تفاهمات أعمق مستقبلاً.
في الإطار طبعاً ليس موقع «رئيس المجلس» فقط، بل اللجان التشريعية والرقابية المهمة وعضوية المكتب الدائم والمشاورات الوزارية لاحقاً وحتى هوية طاقم مجلس الوزراء ورئيس الحكومة القادم بقوة مع برلمان قوي أغلبيته من محترفي التيار الإسلامي الذين يزودهم «جيش مستشارين فني» ضمن مؤسساتهم الحزبية بما يحتاجه العمل البرلماني. والتصدر المؤسسي ليس هو الخيار الوحيد أمام نواب التيار الإسلامي في برلمان عام 2024 بل التكتيكي قد يكون أفضل لكل الأطراف في هذه المرحلة، وفي الإطار العام دراسة خاصة واستثنائية بعنوان «حكومة الظل» موجودة منذ أشهر في درج المراقب العام للجماعة الإخوانية الشيخ مراد عضايلة.
نتائج الانتخابات وضعت «أي حكومة» مستقبلة أمام خيارين لا ثلاث لهما؛ إما «إدماج الإسلاميين والشراكة معهم» أو تحولهم إلى مرتكز «وزارة الظل» والتمتع بالتعذيب الرقابي الذي سيمارسه المحترفون من نواب المعارضة لكن بصيغة تخدم فعلاً المستقبل السياسي ومصالح التوازن بين السلطتين، والأهم تعكس روحاً متقدمة لمسار التحديث السياسي.