المصريون يواجهون الأزمات… والسيسي لا يكترث للدعاء

حجم الخط
0

(ربنا ياخده، ربنا يخلصنا منه، ربنا ينتقم منه، ربنا يبتليه بمصيبة، ربنا يورينا فيه يوم)، في مصر، سوف تسمع الدعاء على الرئيس عبدالفتاح السيسي، بصوت عالٍ، في كل مكان وزمان، في الأسواق، في وسائل المواصلات، في الشوارع والمقاهي، أثناء سداد فواتير الكهرباء والغاز والماء والهاتف، في البيوت والتجمعات والمنتديات، في مواقع العمل، في دور العبادة أحياناً، وبصفة خاصة بين فئات الشعب الكادحة، أيضاً في أوساط الناشطين السياسيين، بين ذوي المسجونين، أضف إليهم المتابعين للشأن الفلسطيني وحرب الإبادة في غزة، وهؤلاء في كل الأحوال أغلبية الشعب المصري.
اللجوء إلى الدعاء في الحياة السياسية المصرية، ليس أمراً محدثاً، ففي السنوات الأخيرة لحكم الرئيس حسني مبارك، لجأ الناشطون السياسيون، إلى مقامات الأولياء، خصوصاً مسجد السيدة زينب بالقاهرة، حاملين «المقشات» فيما يعرف بـ»كنس» عتبة المسجد، في إطار الدعاء على النظام السياسي الحاكم آنذاك، وهو اعتقاد بالاستجابة سائد لدى الأوساط الشعبية، أرادت القوى السياسية استخدامه، ولو من باب الخروج عن المألوف، في التعبير عن حالة الضجر، باللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، انطلاقاً من قاعدة (ليس لها من دون الله كاشفة).
الواضح أن الرئيس السيسي، يعي ما يجري جيداً، ولا يكترث أبداً لدعاء المصريين، لدرجة أنه قال مرة معقباً على هذه الحالة (انتم مش بتدعوا بقى لكم 50 سنة) وهو ما قد يفسر حالة الإصرار على إجراءات وممارسات الصدام مع الشعب، ارتفاع أسعار السلع بلا هوادة، رفع الدعم عن الوقود والغاز والكهرباء بلا رحمة، إنشاء مزيد من السجون واعتقال مزيد من المواطنين، عدم الانصياع لرغبات الشارع أو توجهات الرأي العام، فيما يتعلق بالموقف من العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وكأن مصر نفضت يديها من قضيتها التاريخية، لحسابات ضيقة، لا تراعي أبعاد الأمن القومي والعربي والإسلامي، ناهيك عن البعد الأخلاقي. ما أن يلتقط الشارع المصري أنفاسه بعض الوقت، حتى يستيقظ على تحدٍ أكبر من سابقه، وآخر التحديات الآن، هو إصرار النظام على تعديل قانون الإجراءات الجنائية، وهو الإصرار الذي تسبب في صدام يتفاعل ويتصاعد، مع الصحافيين والمحامين والقضاة في آن واحد، لم يكتف النظام بوجود عشرات آلاف السياسيين في السجون، ولم يكتف بوجود عشرات الآلاف خارج مصر، خوفاً من السجون، ولم يكتف بالسيطرة الكلية على وسائل الإعلام، ولم يكتف بحالة القهر على كل المستويات السياسية والمعيشية والاجتماعية، راح يعمل على تغيير القوانين الحالية بأخرى أكثر بأساً وأشد تنكيلا.

ما أن يلتقط الشارع المصري أنفاسه بعض الوقت، حتى يستيقظ على تحدٍ أكبر من سابقه، وآخر التحديات الآن، هو إصرار النظام على تعديل قانون الإجراءات الجنائية

نقابة المحامين تصدت لمشروع قانون التعديلات، الذي أعدته اللجنة التشريعية بالبرلمان، وما أدراك ما البرلمان، الذي يسارع بالتنفيذ، حينما يتطلب الأمر المصادقة على ما تريد السلطة الرئاسية، نقابة الصحافيين هي الأخرى تصدت بقوة لمشروع القانون، بعد ذلك انضم نادي القضاة إلى المعترضين، اعتماداً على أن التعديلات المرتقبة تتعارض مع دستور البلاد، الذي تم إقراره في عهد السيسي، ثم جاء دور المنظمات الحقوقية، والشارع بشكل عام، ليتضامن من خلال «السوشيال ميديا» مع المعترضين، في غياب التعقيب الرسمي وغير الرسمي. نقابتا الصحافيين والمحامين أكدتا من خلال مذكرتين منفصلتين أرسلتا إلى مجلس النواب، أن 41 مادة من مواد مشروع القانون المزمع صدوره تخالف مواد الدستور، كما أن هناك 44 مادة تحتاج لتعديلات جذرية، بينها مادتان على الأقل تتعلقان بعمل الصحافة، حيث لا تُلزم التعديلات مأموري الضبط القضائي بالكشف عن شخصياتهم وإبراز إذن النيابة، حال اقتحام البيوت والقبض على أي شخص، واعتبار ذلك تصرفا لا يترتب عليه بطلان الإجراءات، كما توسع القانون في المنع من اطلاع المتهم أو محاميه على أوراق القضية، كما توسع أيضاً في سلطة النيابة، وعدم وجود ضمانات، أو رقابة على قراراتها، وعدم وجود حد أقصى للتحقيق الابتدائي.
أضافة إلى أن القانون أطلق سلطة النائب العام في المنع من السفر، دون التقيد بالضوابط المماثلة للمنع من التصرف في الأموال، ومنها ضرورة عرض الأمر على المحكمة المختصة، كما حذف ضمانات التفتيش الواردة بالمادة 51 بالقانون الحالي، التي تنص على أن يحصل التفتيش بحضور المتهم، أو من ينيبه عنه كلما أمكن ذلك، وإلا فيجب أن يكون بحضور شاهدين، من أقاربه أو القاطنين معه بالمنزل، أو من الجيران، إلى غير ذلك من تعديلات غريبة الشكل والمضمون. رئيس اللجنة التشريعية بالبرلمان، المنوط بها إعداد القانون والدفاع عنه، شن هجوماً على نقيب الصحافيين، متهماً إياه بما سماه (الاحتماء بجدار الحرية)، وهو تعبير غريب، أثار تضامناً واسعاً مع النقيب في أوساط الصحافيين، وغير الصحافيين، كما أصدر البرلمان بياناً جاء فيه، أن القانون الجديد يهدف إلى (تحقيق نقلة نوعية في فلسفة الإجراءات الجنائية) وسط صمت الإعلام الرسمي عن التعليق عما يجري، فيما يشير إلى أن التعليمات لم تصدر بعد، فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الحدث، كما جرت العادة دائماً مع كل مواجهة رسمية مع الشعب. بالتزامن مع هذه الأزمة، التي من المنتظر أن تنتقل إلى أروقة المحكمة الدستورية، للطعن في القانون حال إقراره، تم الكشف عن قرار أصدره السيسي منذ تاريخ 12 يوليو الماضي، يقضي بإقالة 11 شخصية بارزة من مستشاريه، الأقوى في الساحة المصرية، والأقرب إليه على المستوى الشخصي والعملي في آن واحد، في سابقة تعيد إلى الذاكرة الإطاحة بأعداد كبيرة من قيادات جهاز المخابرات العامة، في أعقاب تنصيبه رئيساً عام 2014، ما يطرح العديد من التساؤلات، دون إجابات، حول أسباب هذا الإجراء، ومدى صوابه من عدمه. وشمل القرار، الفريق مهاب مميش، قائد القوات البحرية الأسبق، الفريق على فهمي، قائد القوات الجوية الأسبق، الفريق محمد حجازي قائد قوات الدفاع الجوي السابق، اللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية الأسبق، اللواء محمد عمر هيبة، رئيس هيئة الرقابة الإدارية الأسبق، اللواء مجدي عبدالغفار، وزير الداخلية الأسبق، اللواء عبدالعزيز سيف الدين، رئيس الهيئة العربية للتصنيع الأسبق، اللواء محمد عرفان رئيس هيئة الرقابة الإدارية الأسبق، اللواء حسن عبدالشافي، رئيس هيئة الرقابة الإدارية السابق، اللواء مصطفى شريف، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية السابق، اللواء محسن السيلاوي، مستشار وزير الدفاع الأسبق.
وبالتزامن أيضاً مع مشروعات القوانين والإقالات، كان المصريون يئنون هذا الشهر تحديداً من ارتفاع قيمة فواتير الكهرباء، بنسبة تصل إلى نحو 40%، في إطار خطة رفع الدعم عن السلع الاستراتيجية، تنفيذاً لمطالب صندوق النقد الدولي، حتى يمكن الحصول على مزيد من القروض، وهو إلى جانب رفع الدعم عن البنزين والغاز، يتسبب في ارتفاع أسعار جميع السلع دون استثناء، الغذائية والدوائية والخدمية والحياتية عموماً، مما يرفع من حالة الغليان في الشارع، الذي ما أن سمع باحتجاجات في تونس، تطالب برحيل الرئيس قيس سعيد، حتى ابتهج كثيراً، مع استعادة الذاكرة للثورة التونسية في 27 ديسمبر 2010، التي تبقى رابطاً مهماً مع الأحداث التي أعقبتها في مصر في 25 يناير من العام التالي 2011، أي بعد أقل من شهر.
بالتأكيد نحن أمام ممارسات غريبة، وغير منطقية، يؤكدها اللجوء إلى تشييد مزيد من السجون، على الرغم من أن نسبة الإشغال داخل السجون الحالية، قد لا تتجاوز 45%، بما يشير إلى أن المستقبل قد يحمل الكثير من القهر والتنكيل، أو على أقل تقدير توقعات بصدام حقيقي مع القرارات الصادرة، أو التي في طريقها للصدور، ذلك أن أحداً لا يستطيع قراءة المستقبل في مصر، في ضوء مثل هذه القرارات والممارسات، التي كانت سبباً رئيسياً، على مدى عشرة أعوام، في هروب الكثير من الاستثمارات الأجنبية والمحلية معاً، نتيجة عدم الاطمئنان للمستقبل. في الوقت نفسه، يبقى أمر هذه الممارسات غامضاً، ويطرح الكثير من التساؤلات: ما هي الجهة التي تقف خلفها، ولماذا، إذا كانت تتسبب في مزيد من الاحتقان لدى الشعب، هل هي جهات محلية أم أجنبية، ما هو الهدف من تتابع هذه الممارسات بهذه الوتيرة المتسارعة، خصوصاً ما يتعلق منها ببيع أصول الدولة المصرية، أراضي، عقارات، منشآت صناعية، شواطئ، جزرا، إلى غير ذلك مما تثار حوله الشائعات، لعدم اعتماد الشفافية أسلوب حياة، أو سياسة حاكمة، وهو ما يفضي في نهاية الأمر إلى نتيجة واحدة مؤكدة، وهي المواجهة، ذلك أنه ليس مسموحاً، في ظل النظام السياسي الحالي، بأضعف الإيمان، وهو (كنس) أعتاب المساجد.
كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية