الأخطاء القاتلة التي ساعدت إسرائيل على اغتيال قادة حزب الله ومنهم حسن نصر الله

نفذ سلاح الجو الإسرائيلي غارة ضمن غاراته الكثيرة على الضاحية الجنوبية مساء الجمعة من الأسبوع الجاري عملية استهدفت مقر حزب الله، ونجح في اغتيال زعيم هذا التنظيم حسن نصر. ولا يمكن تفسير هذه العملية سوى بوجود ثغرة أمنية خطيرة تتعدى العنصر البشري الى اللوجستيك المستعمل في نظام الاتصالات أو نظام السيارات المستعملة في تنقل مسؤولي الحزب، أو الجمع بين الإثنين. في الوقت ذاته، لا يمكن استبعاد انخراط أجهزة استخبارات أخرى في هذه العمليات بحكم ما يتطلبه الأمر من استعداد كبير للغاية.

ومنذ بداية الطوفان، اغتالت إسرائيل عددا من قادة حزب الله وخاصة الجناح العسكري، وكانت البداية مع وسام حسن الطويل المشرف على العمليات الخاصة في كانون الثاني/يناير الماضي، ثم سامي طالب عبد الله في حزيران/يونيو الماضي، وفي الشهر الموالي اغتالت محمد ناصر. ويوم 30 تموز/يوليو الماضي، اغتالت إسرائيل فؤاد شكر القيادي الميداني الملقب بالشبح في حزب الله. وعادت ونفذت عملية اغتيال كبيرة يوم 20 ايلول/سبتمبر الجاري بقتل إبراهيم عقيل القائد الرئيسي لقوات الرضوان، العمود الفقري لقوات حزب الله، وقيادات أخرى. ونجحت الخميس من الأسبوع الجاري في اغتيال محمد سرور، قائد وحدة المسيّرات في حزب الله، في غارة على الضاحية الجنوبية. ويوم الجمعة 27 ايلول/سبتمبر الجاري كان المنعطف الخطير باغتيال زعيم حزب الله نصر الله في عملية تعتبر الأخطر خلال العقدين الأخيرين.
ومن خلال الآراء المتداولة من طرف الخبراء في عالم الاستخبارات، يمكن تفسير ما حدث من اغتيالات وخاصة ضد زعيم حزب الله حسن نصر الله بأربعة عوامل رئيسية أو فرضيات من دون استبعاد أخرى، وهي:
في المقام الأول، على ضوء عملية الاغتيال، تبقى المفاجأة الكبرى هي كيف قررت قيادة حزب الله الاجتماع في مقرها الرئيسي في الضاحية جنوب بيروت العاصمة، في وقت يعاني منه الحزب من ثغرة أمنية خطيرة للغاية أدت إلى اغتيال أبرز قادة التنظيم أياما قليلة قبل الاجتماع. وكان اللواء المتقاعد الدويري قد سطر على هذا في قناة «الجزيرة» الجمعة من الأسبوع الجاري، متسائلا لماذا لم تلجأ القيادة إلى الغرف والملاجئ التي حفروها في الجبال. كما كيف تجتمع قيادة الحزب في مقر يعتبر البنك الرئيسي في أهداف إسرائيل؟ كما أن حزب الله يدرك جيدا أنه الهدف الرئيسي الأول لإسرائيل في العالم خلال العشرين سنة الأخيرة أكثر من إيران، بحكم أن مواجهة هذا البلد قد تتولاه الولايات المتحدة. إن اجتماع قيادة حزب الله في ضاحية بيروت، يؤكد ضعف التقييم الأمني للحزب لعمل استخبارات الموساد وكذلك التعاون بين الموساد ومختلف الاستخبارات الغربية المتواجدة في المنطقة ولاسيما الولايات المتحدة، هذه الأخيرة التي لديها سفن التجسس الأكثر تطورا ومتمركزة في شرق البحر الأبيض المتوسط علاوة على الأقمار الاصطناعية لرصد الإشارات الإلكترونية وحل شفرتها. يضاف إلى هذا، يدرك حزب الله أن إسرائيل حصلت على قنابل يصل وزنها إلى الألف كلغ قادرة على ضرب أعتى التحصينات تحت المباني، ورغم ذلك، لم يغير الحزب من مكان تواجد قيادته، علما أنه في مثل هذه الأوقات الحرجة تكون اجتماعات القيادة شبه ممنوعة بل تتفرق في أماكن مختلفة، ويتولى أشخاص نقل الرسائل بينها. في المقام الثاني، فرضية نجاح إسرائيل في استقطاب وتجنيد مسؤول كبير جدا في حزب الله، من الصف الأول لديه علاقة بتوفير تحرك المسؤولين الكبار، تبقى فرضية ضعيفة جدا ولكنها واردة. هنا يجب استحضار تورط مسؤولين في الحرس الثوري لصالح إسرائيل، وكان منهم رئيس مكافحة التجسس الإسرائيلي. وهذا من أهم الثغرات التي تفسر نجاح الموساد في اغتيال علماء الذرة الإيرانيين، وأخيرا زعيم حركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة طهران نفسها. ولا يقتصر الأمر فقط على احتمال عمالة زعيم كبير في حزب الله بل يتعداه إلى خلايا نائمة في الضاحية الجنوبية، لاسيما وأن لحزب الله الكثير من الأعداء في لبنان نفسه بسبب الاحتقان الديني والسياسي، وتساهل مع انضمام الكثير من العناصر بما فيها من خارج لبنان بدون تحقيق في ماضيهم.
في المقام الثالث، فرضية نجاح إسرائيل في اختراق كبير لنظام الاتصالات المشفر والمستعمل من طرف حزب الله، حيث كان يعتقد حزب الله أنه آمن. إذ قد تكون إسرائيل نجحت في فك التشفير الإلكتروني وكذلك ربما عملية فك الرموز المتعامل بها في الاتصالات أي قاموس الكلمات الخاصة الذي ربما يعرفه عادة القليلون جدا. وهذا غير مستبعد، لاسيما بعدما نجحت إسرائيل في جعل وسائط الحزب تقتني آلاف أجهزة البيجر وتوكي ووكي وانطلت عليها الحيلة، وجرى تفجيرها عن بعد يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين مخلفة مجزرتين. والمثير أنه حدثت واقعة البيجر علما أن حزب الله صارم في الإجراءات الأمنية المتعلقة بالاتصالات لأنها العمود الفقري لأي تنظيم، إذا تم اختراق الاتصالات سقطت البنية العسكرية. في المقام الرابع، فرضية نجاح إسرائيل في زرع شرائح في سيارات والدراجات النارية التي يستعملها قادة الحزب قادرة على رصد صوت الراكب، وبالتالي تعرف مسبقا الأماكن التي ينتقل بينها قادة الحزب. وهذه العملية لا يمكنها أن تتم سوى بمساعدة كبيرة من العنصر البشري، أي استقطاب بعض عناصر الحزب الذين لديهم علاقة مباشرة بالقطاع اللوجستي والأمني لحزب الله. وكما نجحت إسرائيل في تفخيخ آلاف البيجر وتوكي ووكي لن تكون عاجزة عن زرع شرائح تعقب السيارات والدراجات النارية.
ويبقى العامل الخامس، هو التقدير غير الواقعي لحزب الله لقرارات إسرائيل، حيث كانت تعتقد قيادة الحزب أن إسرائيل لن تجرؤ على اغتيال حسن نصر الله لتفادي حرب شاملة في المنطقة.
في غضون ذلك، تبقى جميع التطورات مركزة على القيادة الجديدة، وكيف ستعمل على التعامل مع التطورات التي يشهدها لبنان ومنطقة الشرق الأوسط. وبدون شك، وأمام الاختراق الأمني، قد تصبح قيادة تعمل عن بعد، ولكن ليس عبر وسائل إلكترونية بل من خلال العنصر البشري المحدود العدد جدا والفائق الثقة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية