عمان- «القدس العربي»: عملياً، يسمح القرار المرجعي الذي اتخذ في عمان أمس الأول بإرجاء انعقاد الدورة البرلمانية بعد الانتخابات الأخيرة والجديدة والمثيرة بتوفير مساحة استرخاء نسبية للحكومة الجديدة أيضاً برئاسة الدكتور جعفر حسان تحت عناوين تخفيف زحام مجلس النواب للحكومة، وتخفيف حدة الخطابات الميكروفونية المتوقعة لأكثر من 100 نائب جديد في البرلمان في مواجهة الحكومة والاستعراض ضدها، ولو إعلامياً، في مهرجان “طرح الثقة”.
لدى الوزارة 6 أسابيع وعدة أيام قبل مواجهة تلك الميكروفونات، وفوق ذلك لها -إن أرادت- 4 أسابيع إضافية بعد انعقاد الدورة.
المساحات الزمنية المرنة في المناخ العام تمنح هذه الحكومة التي تعتبر أولويتها بالمقام الأول اقتصادية، فرصة اشتباك بهدوء مع التفاصيل.
رئيس الوزراء الجديد أعلن الأولوية الاقتصادية، ويحتاج للتثبت من إنتاجية طاقمه الوزاري العريض نسبياً قبل الدخول في معمعان ثقة البرلمان فيالحكومة، والتي يتوقع أن تكون صعبة ومعقدة في ظل ليس مؤشرات وجود كتلة صلبة من نواب الحركة الإسلامية، ولكن في ظل وجود مؤشرات على أن الأصدقاء الموسميين في أجنحة الموالاة من تيارات الوسط البرلمانية للحكومات قد لا تربطهم صداقة أو حبال ود مع حكومة حسان، وإن كان ذلك لدوافع واعتبارات شخصية.
في كل حال، حظيت الحكومة بفرصة الارتياح مؤقتاً، وهي فرصة لا تتاح لغيرها.
التوقعات كانت -بما أن الانتخابات جرت مبكراً في 10 أيلول الماضي- أن تنعقد الدورة البرلمانية في بداية أكتوبر، لكن الترتيبات تطلبت إرجاء انعقاد الدورة لضرب عدة عصافير بحجر واحد، ليس أولها فقط تمكين حكومة الدكتور حسان من إعداد بيان وزاري مفصل والتقدم للحصول على ثقة البرلمان بناء عليه.
قد يكون من بينها -نقصد الترتيبات- ضبط جماح غرور بعض الأحزاب خصوصاً المعارضة، قبل انعقاد الدورة وتخفيف حدة استعراض كتلة التيار الإسلامي تحديداً وإيصال رسالة ضمنية تقول بأن خيوط البرلمان، والأهم خيوط العلاقة بين السلطتين وفي مرحلة إقليمية حساسة للغاية، لا تزال بين يدي مركز القرار الرئيسي ومؤسسات الدولة.
يحتاج التيار الإسلامي بعدما فاز بنحو 31 مقعداً في البرلمان محققاً مفاجأة من العيار والوزن الثقيل، إلى الانتباه لخطواته في المرحلة اللاحقة.
مبكراً، طرح بعض نواب جبهة العمل الإسلامي والتيار مفاهيم تحتاج في العمل البرلماني للتعمق والتأمل والتدقيق قبل إطلاقها، مثل مفاهيم الثلث المعطل والسعي نحو برنامج حكومة ظل تحت قبة البرلمان.
وهي مفاهيم عموماً تبدو ديمقراطية وتنسجم مع معايير التحديث السياسي، لكن قد تجازف بالانطباع العام لدى الإسلاميين بأنهم يستطيعون التحكم بخيوط اللعبة أو اختراع خيوط جديدة.
وهي مسألة تريد حتى الحكومة الجديدة، عدم دفع كلفتها وفواتيرها السياسية، وهو ما يبقى الخيارات أفضل لحالة تفاوض موقعية مع الإسلاميين بنظام القطعة والتقسيط تحت قبة البرلمان؛ بمعنى التفاوض على الملفات والتشريعات والأدوار الرقابية بلهجة سياسية أقل هدوءاً وبدون انفعالات أو استعراضات.
يمكن قراءه قرار إرجاء الدورة البرلمانية باعتباره مفيداً لكل الأطراف، خصوصاً أطراف القرار التي تبدو أولوياتها خارج نطاق الاحتكاك بين السلطتين في المرحلة اللاحقة.
ومع توسع التحديات الأمنية والعسكرية والسياسية الحادة إقليمياً وتداعيات العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، وقبل ذلك على قطاع غزة، يمكن القول إن مركز القرار والأجهزة السيادية ليست متفرغة في هذه المرحلة لملاعبة أعضاء برلمان لا يمتلكون الخبرة اللازمة حتى الآن.
أغلب التقدير أن إرجاء الدورة يسمح ضمناً بعقد صفقات بينية مع الإسلاميين على بعض الملفات الأساسية تجنباً للاحتكاك هنا وهناك أو بين الحين والآخر.
ومن المرجح أن إرجاء الدورة البرلمانية هو قرار فيه خبرة وحكمة واعتدال، وهو وإن كان ينتهي ببعض المجازفات لكنه سيسمح للحكومة -خصوصاً الحكومة الطازجة وفي ظل وجود رئيس وزراء إشكالي لا يعرفه غالبية الأردنيين ولم يعرف بالأداء والخطاب السياسي- بتحضير دروسها جيداً.
وبناء عليه، فالمأمول هنا أن تندفع حكومة حسان لترتيب أوراقها الداخلية أولاً، ولوضع برامج العمل التنفيذية ثانياً.
لكنها في حال مواجهة الاحتكاك بمجلس النواب تمهيداً للحصول على ثقته، ستجد نفسها مضطرة للتعاطي مع الملفات السياسية، حيث لا يوجد -باستثناء وزير الخارجية وبعض زملائه- لاعبون سياسيون من الوزن الثقيل في الطاقم الوزاري، وحيث مشكلات لا يمكن الاستهانة بها انعكست مبكراً بسبب تركيبة الطاقم الوزاري على مستوى تعهد بعض أقطاب التحريك البرلماني بالتنديد ببعض اختيارت الوزراء.
ثمة من يقول وسط الإسلاميين بوجود “وزراء تأزيم”، وثمة من يرى من نواب الوسط أن بعض انتقاءات حسان لم تكن موفقة، فيما التقدير الراجح في التقييم يؤشر إلى حكومة أبعد ما تكون عن “الرشاقة والمحاصصة المنصفة المنطقية”.
واحدة أساسية من مشكلات وزارة الدكتور حسان ستكون تبرير كيفية وآلية اختيار الوزراء الحزبيين أمام النواب، حيث 104 نواب ينتمون إلى أحزاب سياسية، لكن تلك الآلية لم تكن واضحة ومفهومة، في رأي الوزير السابق الدكتور صبري إربيحات الذي سمعته “القدس العربي”.
على أي حال، طبيعة الظرف الإقليمي قد تدفع الأطراف الرسمية الحكومية والعابرة للحكومة للبحث عن توافقات وطنية الطابع وتهدئة بعض الأزمات المنفعلة هنا أو هناك، فيما يفترض بالظرف الإقليمي نفسه أن يخفف حماسته، واندفاع التيار الإسلامي باحثاً بالمقابل عن توجيه تحية رداً على أي تحية توجهها السلطات الرسمية.