وجه الشبه بين «بيبي» القاتل و«ديدي» المغتصب.. كيف يتفاعل المغاربة مع ما يحصل في لبنان

حجم الخط
0

لا يفرق «بيبي» عن «ديدي» سوى حرف واحد، حرف أضاع رواد الـ»سوشيال ميديا» خلال الأيام الماضية.
أما «ديدي» فهو المواطن الأمريكي «شون كومز» أو «الرابر» والمنتج الشهير «بوف دادي» أو «بي. ديدي»، بعد التعديل، عراب «الغراميز» وأكبر أسماء الموسيقى الأمريكية والعالمية.
وقد تحول اسمه إلى «تريند» في قارات كثيرة خلال الأسبوع الأخير خاسفا بأخبار الانتخابات الأمريكية، واجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، بل حتى بمستجدات الصراع في الشرق الأوسط.
إذ اقتيد إلى السجن بعد سلسلة اتهامات من حبيبة سابقة له، تلاها تلويح «آخرين» بـ»عجائب» تبدأ بالاعتداء الجنسي (على فئات تتعدى ألوان الطيف) وحتى القتل.
«التريند» الذي كان ليختفي وسط المستجدات الكثيفة، لم تكف لإغراقه، بل فتحت المجال أمام أكثر نظريات المؤامرة شراسة، خصوصا مع انتشار شائعات بقوائم شركاء له من أسماء ثقيلة من مشاهير وسياسيين، معيدة إلى الأذهان قضية رجل الأعمال الأمريكي «إبشتاين»، الذي قضى انتحارا في سجنه بعد اتهامات شبيهة منذ أشهر قليلة.
غير بعيد عن سجن بروكلين، حيث يقبع «ديدي» كان «بيبي» (اسم دلع «نتنياهو») يعيد كتابة التاريخ، وهو يلقي كلمته أمام قاعة غادر نصفها احتجاجا على اعتلائه منصتها، بعد أن انزوى في مكتب (لم يتأكد مكانه بعد) ليعطي الأمر بتصفية الرجل الأول في «حزب الله»، موثقا اللحظة بصور احترافية، لم تكف لتجعله يتصدر «التريند» الدموي، بقدر ما شكلت لحظة فارقة في تاريخ العالم، ما بعد الحرب الكبرى الثانية.
الحقيقة – لا كمية الذخيرة المستخدمة، لا «تبخر الضحايا»، ولا مستقبل الشرق الأوسط – كان أكثر ما شغل رواد التواصل الاجتماعي عربيا، بقدر انخراطهم في «هيستيريا» تفاعل مع الحدث عرفت انقسامات غريبة وغير مسبوقة، وإن اختلفت مبرراتها بين مشرق ومغرب.

تفاوت.. قوانين!

سرعان ما تحولت الأحداث في لبنان إلى مادة للنقاش في مواقع التواصل الاجتماعي التونسية، بل برزت مفردات كـ»الضاحية» و»حارة حريك» الأكثر تداولا لساعات، لكنها لم تتمكن من التغطية على خبر بحجم التعديل السريع على مواد قانون الانتخابات، الذي أبطل دور المحكمة الإدارية في ضبط سير الاقتراع، وهو التفصيل الذي أثار الحفائظ وكثرة التأويلات والتجاذبات في الأسابيع الأخيرة، في حين لم يعد يفصل سوى أيام عن «تأكيد» اسم ساكن «قرطاج» القادم.
لم يتعارض الحدثان، في إثارة اهتمام المتفاعلين على الـ»سوشيال ميديا»، لكن الأخبار الآتية من «الشرق» قسمت الآراء. البعض تهكم على ما يحدث هناك. وآخرون أكدوا على الخديعة التي أتت بها إيران. بينما استهزأ كثر من تواجد تونسيين هناك حيث يحصد الموت دون سابق إنذار، إثر إعلان جهات رسمية عن إجلائهم.
بعض التونسيين ذكر بالثمن الذي دفعوه. في حين قارن آخرون بين السرعة التي عدل بها قانون الانتخابات، في قلب الحملة الرئاسية، والتماطل الذي يطال قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل، الذي ما زال يقسم الطبقة السياسية التونسية، التي تفاعلت أطيافها بتفاوت مع تصفية قادة «حزب الله» في لبنان.

خذلان أم ولاء؟

لن يشقى المتابع لأخبار المغرب الكبير في ملاحظة حالة تجاذب قوية تنعكس على مواقع التواصل الاجتماعي وبين روادها، في الجزائر والمغرب خصوصا.
سيطرت «فتاة طنجة» على اهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المملكة المغربية لأيام، وخلفت موجة سخط واسعة، وحالة جدل كبيرة بين المواطنين.
ذكرت الحادثة البعض بأخرى شبيهة كالتي حصلت في مدينة كولونيا الألمانية منذ سنوات، وأخرى في القاهرة المصرية أيام «ثورة يناير». لم تقف جنسية الفتاة المغربية عائقا أمام تعاطف الكثير من مواطنيها معها، الذين رأوا في تفاعل الشباب طيشا، أكثر الرجعيين وجد في «ملابس الفتاة» سببا كافيا في تعرضها لهكذا موقف، في حين تساءل كثر عن واقع تفعيل قوانين تمكين المرأة في البلاد.
لكن سرعان ما وئدت أخبار القبض على بعض المتحرشين، الذين رصدتهم الكاميرات تحت أخبار التأشيرة التي فرضتها السلطات الجزائرية على «حملة جوازات السفر المغربية»، بين سخرية واستياء، وجد كثر أنفسهم يحاكمون التاريخ والجغرافيا والكثير من الأساطير التي خلفتها السياسة بين الشقيقتين، قبل أن تقصم الأخبار الآتية من بيروت ما تبقى من حكمة.
هلل بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي لتصفية رئيس «حزب الله»وقادته، وسقوط إيران من خلفه، والسبب ما تداولوه من اتهامات بدعم مباشر من هذه الأطراف لجبهة «البوليزاريو» تسليحا وتدريبا. التبريكات لم تتوقف هنا، إذ تداولت صفحات كثيرة صور الصواريخ التي دكت الضاحية، لأن دفاعات البلد تعززت بمثيلاتها منذ فترة قريبة، في إطار هبة أمريكية سخية. تفاعل كثر من الرواد مع التعازي التي تقدمت بها شخصيات من التيار الإسلامي في وفاة رئيس «حزب الله» اللبناني، الذي رأوا فيه شيئا من الخذلان لبلدهم، والولاء للحركة على حساب المصالح الوطنية، في حين بدا صوت بعض الحركات اليسارية خافتا، وهو يدعو لتنظيم مظاهرة أخرى للتنديد بالهمجية الإسرائيلية.

بلابل الجزائر

كالمغرب بدت الـ»سوشيال ميديا» الجزائرية «واحلة» (كمن سقط في الوحل) مستقطبة من عدة مواضيع أشبه بمحل أكلات سريعة يعرض «مينيو» يتجدد كل ساعات.
بين التأشيرة المفروضة على دخول المغاربة وأخبار أقصى الجنوب الذي خيم عليه شبح «الملاريا» و«الديفتيريا»، انقسمت اهتمامات رواد مواقع التواصل الاجتماعي. بارك كثر قرار التأشيرة، فكر البعض في روابط الدم بين الشعبين، إلا أن حسابات المرحلة والتنكيل الذي يأتيه الكيان في الشرق الأوسط الذي يتغنى بالتطبيع معه (بحسبهم) البلد الجار كان حاسما في التهليل للقرار.
أخبار أقصى الجنوب لم يطفئ لهيبها إلا صور الطواقم الطبية والطائرات الحاملة للمساعدات، فيما راح «محللو 2.0» يقدمون قراءاتهم، من اتهم منهم مهاجري الساحل الإفريقي في نقل الأمراض إلى البلد، ومن اتهم التغير المناخي وما تسبب فيه من أمطار كبيرة خلال الأسابيع الأخيرة. لكن أكثر ما شغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي كان الطريقة التي تمت بها تصفية قادة «حزب الله» في لبنان، والذي يرتبط في الأذهان شعبيا بحرب تموز 2006 كنصر على الكيان، كما بدعم غزة في حربها. تساءل كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول تريندات التشفي والفرح التي عم بعض بلدان المشرق، لكن عادوا بدورهم وانقسموا بين من رأى في «نصر الله» بطلا وقف في وجه إسرائيل، ومن رأى فيه شيعيا، على غير مذهب الأولين.
أخبار آلة الموت التي تعصف بالشرق الأوسط سرعان ما توارت أمام الاحتفاء بالذكرى الثلاثين لاغتيال أشهر مغني راي جزائري (حاليا): «الشاب حسني»، «بلبل الراي»، «أول من جعل الحب مباحا» علق كثر، «أول من حرر كلام الحب» بين أجيال ما بعد الاستقلال قال آخرون. استذكر البعض عفويته في الوقوف أمام آلة الموت هو الذي أشيع خبر موته قبل أن يتحقق كنبوءة بذيئة، يضاعف غيابه حضوره، وانتشار إرثه بين الأجيال.
لكنه وإذ أضاف باب الحب لقاموس اليومي الجزائري، لم يشرطه بتقويم (إلا لنتذكره ربما)، كما فعلت السيدة فيروز، التي جعلت من أيلول/سبتمبر مرادفا للحنين والشوق، قبل أن يرسخه قتلة الأطفال والعزل غير بعيد عن دارها رديفا لانتصاراتهم، بانتظار أن يبعثوا (الأطفال والعزل) أحياء «كزهر ليلكي في تشرين».
كاتبة من الجزائر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية