عمان – «القدس العربي»: مجدداً، ظهر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، متلفزاً في نقطة اشتباك مباشرة وخشنة دبلوماسياً إلى حد ملحوظ برفقة وزيرة الخارجية الألمانية وهو يخاطبها باسمها الشخصي، ثم ينتقد ضمناً الرعاية الأمريكية والألمانية لـ “اليمين الإسرائيلي”.
بدأ الأردنيون عموماً يميلون إلى تبادل تلك اللقطات المصورة التي “يتحرش” فيها وزيرهم، باليمين الإسرائيلي وسط تكريس الانطباع بأن الرجل “يتفرغ” تماماً في صولاته وجولاته لتمثيل مستوى “التصادم” بين عمان وحكام تل أبيب.
في الفيديو الأخير، أشار الصفدي وهو يخاطب ألمانيا بالاسم إلى الوزيرين بن غفير وسموتريتش وبلهجة “كيف تصمتون على مثل هؤلاء؟”.
الأهم هو المحتوى الأردني في رسالة الوزير الصفدي الأخيرة مع المسؤولة الألمانية، حيث تتطور اللهجة ويتزايد الاحتكاك عبر “نصيحة ما” لأصدقاء إسرائيل “المخلصين” ضمنياً بالسعي لإنقاذها من حكومتها المتطرفة.
لم يسبق للدبلوماسية الأردنية أن ذهبت إلى مثل هذا الاتجاه.. تلك محطة لم تصلها عمان منذ يوم 7 أكتوبر، ما يوحي مجدداً بأن ملامح الاشتباك السياسي والدبلوماسي الأردني مع فريق بنيامين نتنياهو دخلت في منطقة اللاعودة بالرغم من كل الاتهامات التي توجه للأردن هنا وهناك تحت عنوان التعاون الدفاعي والعملياتي في مواجهة عملية القصف الإيرانية.
دبلوماسي عربي قال أمام “القدس العربي” معجباً بأداء الدبلوماسية الأردنية، إن عمان بدأت تتحرك بفعالية في “الأطراف الجدرانية المغلقة على دعم إسرائيل وخططها”.
بدأ ذلك قبل نحو 3 أسابيع عندما قيل على هامش اجتماع متابعة في القصر الملكي، إن الأردن سيعمل أكثر مع الأوروبيين، والمقصود أن عمان -بسبب ضعف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن- تنشط مع دول أوروبية لتفكيك سردية رواية اليمين الإسرائيلي.
الأهم أن التعاون عملياتياً مع الأمريكيين -عسكرياً ودفاعياً- في المنطقة حتى وإن طال وجبتين من الصواريخ الإيرانية، هو تكنيك أردني يراد له أن يضرب عصفورين بحجر واحد، هما: الحد من تنامي الاتجاه المعادي للأردن في عمق اليمين الإسرائيلي عبر تحريض الدولة العميقة للكيان على أجندة اليمين المعادية للأردن؛ بمعنى إبقاء خطوط التواصل مع “العمق الإسرائيلي” لأغراض حماية المصالح الأردنية، ثم البقاء -في العصفور الثاني- في أقرب نقطة من النخبة العسكرية الأمريكية في القيادة الوسطى.
برأي مسؤولين في العمق الأردني، ينجح هذا السياق في الحد من أضرار تحريض اليمين الإسرائيلي على الأردن، وفي تنشيط “الإغاثة” لقطاع غزة، كما يسمح ببقاء عمان في هامش مناورة يمكنها من “مناكفة” اليمين الإسرائيلي في أوساط أوروبا. يترك الوزير الصفدي الاتهامات المعلبة أو المبالغ فيها، ولا يلتفت إليها بعدما بقي شيخاً منفرداً في تمثيل الدبلوماسية الأردنية إثر تشكيل الحكومة الجديدة في بلاده.
في جدل “الدور الأردني” عندما تقصف إيران إسرائيل، فالقرار واضح ومعلن؛ فالأردن لا يريد أن “تتحول مناطقه إلى ساحة صراع بين الجانبين”.
في كل حال، مشهد الصفدي مع نظيرته الألمانية مؤخراً بدت لافتة، لا بل جديدة تكتيكياً، حيث كرر عدة مرات القول إن ألمانيا والولايات المتحدة صديقتان لإسرائيل، وإن ما تفعله حكومة إسرائيل الحالية هو ضد إسرائيل.
لذا، على الحكومة الألمانية أن تسعى لإنقاذ إسرائيل من حكومتها.
تلك فكرة لم تخطر في ذهن كثير من المراقبين السياسيين، لكنها تعيد إنتاج الإيحاء بأن مركز القرار الأردني بدأ يشتبك مع تفاصيل لديه خبرة عميقة وواسعة فيها في الجدار الذي يوفر المظلة غربياً وأمريكياً لتصرفات حكومة اليمين الإسرائيلي. يطالب الصفدي أوروبا صراحة بتطبيق القانون الدولي، ووقف تصدير السلاح لإسرائيل، ومعاقبة سموتريتش وبن غفير والمستوطنين. بصرف النظر عن مستوى الإنجاز والإنتاجية في مثل هذه التسللات الأردنية الصريحة، بقيت قواعد الاشتباك مع اليمين الإسرائيلي خشنة للغاية مؤخراً، وكان نجمها الأساسي وزير خارجية اشتبك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بأكثر من لهجة وعلى أكثر من صعيد، ونشرت عنه مقالات في الصحافة الإسرائيلية تتحدث عن تمكنه بسبب خبراته الإعلامية العميقة من التصدي لأسئلة الصحافيين الإسرائيليين.
في الواقع، يعبر الصفدي في سلوكه مع وزراء الخارجية الغربيين والمؤسسات الأممية عن ما يمكن وصفه بخطة أردنية ما في الاشتباك، عنوانها الاسترسال في تذكير دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا بأن ما تفعله إسرائيل ينحدر بمستوى تقدم وتأثير القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. قبل ذلك، يبدو أن ما قاله الصفدي على منابر الأمم المتحدة في مشهد محدد، لفت نظر الدوائر البحثية العميقة سواء في دولة مثل بريطانيا أو على مستوى الاتحاد الأوروبي، أو حتى بعض المعاهد الدراسية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وجهت أسئلة مفصلة وعميقة لبعض السياسيين الأردنيين عن مقاصد ما قاله الصفدي علناً عندما اخترق أحد المؤتمرات الصحافية بعدما غادر المنصة وعاد ليقول إنه يتحدث باسم 56 دولة عربية وإسلامية تستطيع توفير الأمن لإسرائيل، شريطة أن يعمل العالم على ولادة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة.
ذلك طبعاً الموقف الكلاسيكي الأردني المعروف، لكن الطريقة التي عاد للتحدث فيها الصفدي تحيل الأمر برمته – وفقاً لتفسير ورأي الخبير السياسي الأردني البارز الدكتور جواد العناني – إلى مؤتمري قمتي بيروت العربية، والرياض الإسلامية التي فوضت لجنة من وزراء الخارجية العرب والإسلاميين للعمل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة. العناني ناقش بحضور “القدس العربي” بعض الأسئلة التي وجهت له بعد فكرة بلاده عن “كيفية حماية أمن إسرائيل”، حيث تسللات الصفدي بدأت تلفت الأنظار.
مفيد هنا تذكر التالي: الأردن في مسألة التضاد مع إيران ومع محور المقاومة، لم يغير ولم يبدل لا أقواله ولا أفعاله، ولا يزال يتصرف سيادياً وأمنياً وأحياناً عسكرياً باعتباره جزءاً من النظام العربي المعتدل، وبالتالي هو جزء من الصداقة والتحالف مع المنظومة الغربية.
يستثمر الصفدي بهذا الموقف المرجعي لإعادة ترسيم الاشتباك مع المجتمع الدولي على أساس حرب دبلوماسية معلنة تماماً مع حكومة اليمين الإسرائيلي.
المهم محلياً أن ما يفعله الصفدي يستمر في الحصول، حتى إن التيار الإسلامي المعارض يضطر أحياناً للإشادة بموقف الدبلوماسية الأردنية.