بيروت ـ «القدس العربي»: لم تعد جبهة لبنان التي أعلن «حزب الله» عن فتحها في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مجرد جبهة إسناد لحرب غزة بعد عملية «طوفان الأقصى»، بل تحوّلت إلى جبهة حقيقية وباتت تشبه مصير غزة لجهة الكم الكبير المتصاعد من الشهداء والجرحى والدمار، وبلغت حد اغتيال أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله ومجموعة كبيرة من قيادات الحزب وكوادره الميدانية والقتالية.
فتح «حزب الله» الجبهة التزاماً منه بـ«وحدة الساحات» التي سبق لنصرالله أن أعلن عنها في إحدى إطلالاته الإعلامية، وحافظ «الحزب» على مدى أشهر على عمليات مدروسة ومضبوطة وضمن حدود معينة في إطار ما عُرف بـ«قواعد الاشتباك»، معتقداً أن تل أبيب لن تغامر بتوسيع عملياتها، وخطب أمين عام «الحزب» أكثر من مرة ليضخ المعنويات، متحدثاً عن «قوة الردع» و«توازن الرعب»، ومهدداً رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب، يوآف غالانت، بـ «حرب بلا ضوابط ولا سقوف» في حال تجرّأت إسرائيل ووسّعت رقعة ضرباتها.
وبقيت المواجهات على جانبي الحدود مضبوطة بوتيرة يومية على مدى أشهر، ولم تخرقها إلا هدنة إنسانية أتاحت وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار في غزة وتبادلاً للأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين بين 24 و30 تشرين الثاني/ نوفمبر، لتُستأنف المواجهات وتنخرط فيها من حين إلى آخر «قوات الفجر»، وهي الجناح العسكري لـ»الجماعة الإسلامية»، تضامناً مع الشعب الفلسطيني و«حركة أمل» و«كتائب القسام» و«سرايا القدس».
توازياً، أجرى المبعوث الأمريكي، آموس هوكشتاين، جولة محادثات في بيروت وتل أبيب أكثر من مرة في محاولة منه للتوسط وفك الارتباط بين جبهتي غزة وجنوب لبنان، والانتقال في مرحلة لاحقة إلى حل لمشكلة النقاط العالقة على الحدود البرية وتطبيق القرار 1701.
لكن هوكشتاين لم يتوصل إلى نتيجة، حيث تمسّك «حزب الله» بـ»وحدة الساحات»، ورفض السيد نصرالله المطلب الإسرائيلي بالتراجع من 5 إلى 7 كلم شمال الحدود، واعتبر «أن نقل نهر الليطاني إلى الحدود أسهل من تراجع مقاتلي الحزب شماله»، كما جاء في خطابه في «يوم الجريح» في منتصف شهر شباط/ فبراير، حيث رأى «أن كل الوفود التي تأتي إلى لبنان وتقوم بحفلة تهويل بحرب إسرائيلية واسعة لها هدف وحيد هو أمن إسرائيل وحمايتها وتنفيذ مطالبها وإعادة المستوطنين إلى الشمال.
وواكبت هذه المساعي الدولية مواقف سياسية من قوى المعارضة اللبنانية تُذكِّر برزوح لبنان تحت أزمة اقتصادية ومالية خانقة خلافاً لما كان عليه الحال في حرب تموز/ يوليو 2006، حيث كانت الليرة اللبنانية في وضع جيد، وكانت الدول العربية والخليجية تحتضن لبنان، وساهمت في إعادة إعمار قرى الجنوب والضاحية.
وكانت الجبهة الجنوبية تحافظ على «الستاتيكو» لفترة طويلة، قبل أن تبدأ إسرائيل تظهر اختراقاً كبيراً من خلال قدرتها على اغتيال قادة ميدانيين للحزب في سياراتهم أو مقراتهم، وصولاً في مرحلة أولى إلى نجاحها في استهداف القيادي الفلسطيني صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية في 2 كانون الثاني/ يناير2024، ومن ثم في اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر الذي تروّى «الحزب» لأسابيع قبل تنفيذ رد على اغتياله في 25 آب/ أغسطس بهجوم أطلق عليه تسمية «عملية الأربعين»، واستهدف فيه 11 موقعاً وضواحي عكا بـ 320 صاروخاً، وليخرج السيد نصرالله في اليوم التالي وليعلن استهداف قاعدة «غليلوت» التي تضم وحدة الاستخبارات المركزية 8200 القريبة من تل أبيب التي تبعد عن حدود لبنان 110 كلم، ويطلب من الناس والبلد العودة إلى الحياة الطبيعية، وليختم مخاطباً العدو: «لم يعد لبنان ضعيفاً تحتلونه بفرقة موسيقية، بل قد يأتي اليوم الذي نجتاحكم بفرقة موسيقية».
غير أن اعتبار نصر الله أن الرد على إسرائيل انتهى، وأننا عدنا إلى قواعد الاشتباك، لم يأت مطابقاً لما تخطط له تل أبيب.
فما إن بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي تشعر بتخفيف عبء الجبهة عنها في غزة، وبعدما تطورت العمليات العسكرية وتوسّع استهداف مستوطنات الجليل وتَواصل تهجير أكثر من 100 ألف مستوطن، نقلت إسرائيل الثقل إلى جبهة الشمال تحت عنوان «إعادة سكان المستوطنات إلى منازلهم»، ولجأت إلى نهج تدميري للقرى الحدودية منتقلة إلى حرب فعلية ضد «حزب الله»، وباشرت بعد يوم واحد على فشل المهمة الأخيرة لهوكشتاين في تل أبيب بإظهار تفوقها التكنولوجي، وعمدت في 17 أيلول/ سبتمبر إلى توجيه ضربة قاسية ومؤلمة من خلال تفجيرات «البيجر» التي استهدفت حوالي 4 آلاف من مقاتلي الحزب وإدارييه، وأدت إلى إطفاء عيونهم وبتر أطرافهم.
وواصلت مفاجآتها في اليوم التالي بتفجير أجهزة اللاسلكي ما أوقع المزيد من القتلى والجرحى، وصولاً إلى اغتيال قادة قوة «الرضوان» في اجتماع تحت الأرض في قلب الضاحية برئاسة إبراهيم عقيل، وحتى اغتيال السيد نصرالله الذي، وفي آخر إطلالة له في 19 أيلول قبل استشهاده بأيام، توعّد العدو بأن «الحساب سيأتي من حيث يحتسبون ولا يحتسبون»، وحرص على عدم الإفصاح عن وقت وشكل وزمان ومكان الرد بقوله: «نحتفظ به في أضيق دائرة»، مشدداً على «أن الضربة لن تسقطنا، وبنية المقاومة لم تتزلزل، وبأن جبهة لبنان لن تتوقف، وبأن نتنياهو وغالانت لن يستطيعا إعادة المستوطنين إلى الشمال»، ومعتبراً التهديدات بالدخول البري «فرصة تاريخية، لأن الحزام الأمني سيتحوّل إلى وحل وفخ وجهنم لجيش العدو».
وأمام الضربات الموجعة، والخسائر التي وجهتها إسرائيل بسرعة وبشكل ممنهج للحزب، بدأ فتح الباب للتفتيش عن حل سياسي ووقف إطلاق النار، وتوجّه رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، إلى نيويورك للمشاركة في جلسة مجلس الأمن الدولي بتشجيع من رئيس مجلس النواب، نبيه بري، الذي فُهم أنه تواصل مع السيد نصر الله وتبلّغ استعداداً للتفاوض حول تنفيذ القرار 1701 في مهلة 4 أسابيع بعد وقف فوري لإطلاق النار. فما كان من الولايات المتحدة وفرنسا إلا أن أصدرتا نداء لوقف مؤقت لإطلاق النار بالتنسيق مع دول عربية وأوروبية، قبل أن يعتلي بنيامين نتنياهو منبر الأمم المتحدة ويعلن الاستمرار بالحرب، رافضاً النداء لوقف إطلاق النار، وليوقّع من نيويورك على قرار اغتيال أمين عام «حزب الله»، لتنفتح الحرب على مصراعيها وتكثّف إسرائيل ضرباتها وغاراتها، وتنتقل إلى مرحلة جديدة.
الشهيد السيد حسن نصر الله
ـ ولد عام 1960 وهو من بلدة البازورية في جنوب لبنان.
ـ تلقى السيد نصر الله تعليما دينيا في مراكز وحوزات دينية شيعية في لبنان والعراق وإيران.
ـ متزوج من السيدة فاطمة ياسين ولهما خمسة أبناء: هادي، وزينب، ومحمد جواد، ومحمد مهدي، ومحمد علي.
ـ استشهد ابنه الأكبر هادي في مواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان عام 1997.
ـ انضم لـ»حركة أمل» خلال دراسته الثانوية وتدرج بالمناصب حتى أصبح مسؤولا سياسيا لمنطقة البقاع وعضوا في مكتبها السياسي عام 1979.
ـ انسحب من «حركة أمل» عام 1982 مع عدد من المسؤولين إثر خلافات حول كيفية مواجهة الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
ـ شارك في تأسيس «حزب الله» بعد غزو 1982، وتولى منصب أمينه العام عام 1992 بعد اغتيال إسرائيل لسلفه السيد عباس الموسوي.
ـ تولى عام 1987 منصب المسؤول التنفيذي لـ»حزب الله».
ـ قاد نصر الله مقاومة نوعية ضد إسرائيل ما أجبرها على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000.
ـ لعب نصر الله عام 2004 دورا محوريا في أكبر صفقة تبادل أسرى بين حزب الله وإسرائيل.
ـ واجه عام 2006 حربا ضد إسرائيل بعد عملية أسر نفذها الحزب لجنود إسرائيليين بهدف مبادلتهم بأسرى في سجون إسرائيل.
ـ دامت الحرب أكثر من شهر وانتهت بصدور القرار 1701 الذي نص على نشر قوة دولية معزّزة في جنوب لبنان، ووقف الأعمال العدائية.
ـ قاد قوى 8 من آذار الحليفة للنظام السوري عقب انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 واصطدم بقسوة بخصومه من قوى 14 آذار.
ـ أدانت محكمة الأمم المتحدة الخاصة بلبنان عام 2022 اثنين من أعضاء «حزب الله» بتهمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، ورفض نصر الله الحكم واعتبره منحازا.
ـ في الحرب السورية التي تلت انتفاضة السوريين على النظام، شارك نصر الله دعما لبشار الأسد وخاضت قواته قتالا مع تنظيمات معارضة، ومع تنظيمات جهادية.
ـ أعلن بعد يوم من حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة فتح جبهة إسناد دعما لغزة، ونعى مقاتلي الحزب بوصفهم شهداء على طريق القدس.
ـ استشهد في غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية استخدمت فيها 83 طنا من المتفجرات في 27 سبتمبر 2024 ونعاه الحزب «شهيدا على طريق القدس وفلسطين».