لو هبط في إسرائيل رجل فضاء في اليوم التالي لمرور سنة على بدء الحرب، وجمع الأحداث لأصابه دوار وسأل نفسه: كيف يمكن للناس العيش في مثل هذا الواقع؟
بينما يستعد الجيش الإسرائيلي لرد ضد إيران، وبعد تصريحات كثيرة يصعب على إسرائيل التراجع، حتى لو أرادت، أو لو تلقت تعويضاً سميناً من الولايات المتحدة، فإن إيران تضغط على حزب الله لقبول وقف النار الذي رفضت المنظمة ورئيسها -الذي لم يعد حياً- الموافقة عليه.
تراكضت أول أمس شائعتان، وكلتاهما بلا أساس: الأولى أن نتنياهو يتميز غضباً على الولايات المتحدة في عملها عبر وزير الدفاع، وبأنه سيستغل رحلة غالانت إلى واشنطن لقطف حظوة الأوامر التي سيصدرها للجيش في غيابه. ويشتبه محيط نتنياهو، خطأ، بأن غالنت فعلها بعد تصفية نصر الله، حين كان رئيس الوزراء في الولايات المتحدة.
أما الشائعة الثانية فتقول إن نتنياهو الذي نسقت معه الرحلة بشكل كامل ومطلق، سيوقفها في الثانية الأخيرة.
من الصعب تصديق الأولى؛ فبعد أن كان واضحاً أنه لا يمكن تنفيذ الخطة التي عرضها الجيش وسلاح الجو على الحكومة بدون تنسيق ومساعدة من الولايات المتحدة، فضلاً عن قوائم المشتريات واستكمال النواقص، دعا وزير الدفاع أوستن، غالنت الذي ضم إليه رؤساء وزارة الدفاع ومسؤولين كباراً في الجيش الإسرائيلي، إلى ماراثون لقاءات في البنتاغون. والسبب، بحسب مصدر مطلع على التفاصيل: “هكذا فقط يمكن الجلوس معاً على خرائط إيران، والتنسيق”.
لكن بعد أن غرد الحساب المتماثل مع مقربي وقريبي نتنياهو في الشبكة بأن غالانت عميل أمريكي، كان في محيط غالانت من راهن على الإمكانية الثانية، المغلوطة، بأن نتنياهو سيأمره بالبقاء. وقال آخرون لوزير الدفاع بأنه لا يمكن لمثل هذه السخافة أن تحصل.
لكن رئيس الوزراء ألغى فجأة رحلة وزير الدفاع بمعاذير مختلفة، وواضح ما الذي يغيظه؛ أن الاتصال جرى عبر غالنت، كريه روحه، وليس عبره. وقد اشترط الرحلة بمكالمة مع بايدن، وفعل نوعاً من الابتزاز على واشنطن.
لا غريب ولا رجل فضاء سيفهم هذا. حتى البنتاغون ينظر إلى إسرائيل ولا يفهم سبب تأجيل رحلة غالانت.
والجيش الإسرائيلي، الذي يؤكد أنه اكتشف نفقاً يجتاز من لبنان إلى إسرائيل بعد نفي للموضوع (يقول الجيش وربما عن حق، إن ذلك بسبب الشكل السري الذي اكتشف فيه النفق وأجريت له المتابعة)، يؤكد بأن ليس لديه معلومات عن أنفاق أخرى، لكنه لا يؤكد بأنه لا توجد أنفاق كهذه. وحرب إسرائيل في الشمال تستمر، وفي الجنوب، وثمة بيانات مريرة هنا وهناك، وأحياناً قاسية جداً بل قاسية أكثر؛ رشقات صواريخ حزب الله تهز السماء (لكنها تلحق ضرراً أقل مما توقع الجميع). وثمة صاروخ من اليمن، حيث يرفض الحوثيون تعلم الدرس الذي وعد رئيس الوزراء بتلقينهم إياه. والقصف في دمشق، المنسوب لإسرائيل حسب منشورات أجنبية، فيما الهدف الحاج سامر، مسؤول حزب الله عن نقل السلاح من سوريا إلى لبنان.
وإيران، التي تستعد للرد على الرد، وإسرائيل التي تستعد للرد على الرد على الرد على الرد، وفي الوقت نفسه، تخوض صراع جبابرة لمنع انفجار في الضفة الغربية وفتح جبهة أخرى.
وفي غزة – هل يشرح أحد ما لرجل الفضاء ما الذي يحصل هناك؟ ما تفعله إسرائيل؟ ولماذا يواصل الجنود التعرض للقتل؟ وكيف يجب إنهاؤه؟
والمخطوفون؟ أيتذكر أحد ما المخطوفون؟ صحيح، في كل خطاب لمحفل رسمي أو عسكري أو سياسي، وكذا في وسائل الإعلام يحرصون على الحديث عنهم، لكن من يعمل لصالحهم داخل المنظومة السلطوية؟ سبق أن قالوا إنهم في وضع رهيب، وعلى شفا الانهيار. وباستثناء تسريب من البحث الخاص الذي عقده نتنياهو في الموضوع وأقوال لا بد من استيضاح صحتها بأن مسؤولين كباراً في أسرة الاستخبارات الإسرائيلية يقولون إنهم لا يعرفون ما إذا كان السنوار استأنف الاتصال، لكنه حرص على نفسه وعلى ضمان حصانته. لا توجد اتصالات ولا مفاوضات ولا توجد صفقة.
وترميم الغلاف؟ وترميم بلدات الشمال؟ ومعالجة المصابين؟
ليس واضحاً من أحاديث مع مسؤولين كبار في جهاز الأمن وأسرة الاستخبارات، إلى أين يسير كل هذا وما الذي يسعون لتحقيقه في الخطوة الهجومية الواسعة وكثيرة البؤر ضد إيران. تقدير أسرة الاستخبارات أنها سترد، وعندها سيتعين على إسرائيل الرد أيضاً. ولتبادل الضربات هذه اسم: حرب.
الفكاهي الأمريكي جون ستيوارت، تفكه على الصحافي باراك رابيد الذي قال في الـ “سي.إن.إن” إن السياسة الإسرائيلية هي منع التصعيد من خلال التصعيد. هذه جملة غبية. لكن رابيد لم يفعل سوى أنه عكس بدقة السياسة الإسرائيلية التي شرحها مسؤولون إسرائيليون كبار لمسؤولين كبار في جيوش أجنبية هذا الأسبوع.
يقول مسؤول أمني كبير: “نصوغ هذا بشكل مختلف أيضاً: نجاح من خلال الفشل. لقد خرجت إسرائيل إلى حرب في غزة لتحقيق هدفين: تحرير المخطوفين، وتفكيك قدرات حماس (فضلاً عن إبادتها في الانتصار المطلق والإلهي. بعد أن أخفق في تحقيق أي من هذين الهدفين، أضيف هدف آخر في الجبهة الشمالية، وهو إعادة السكان إلى بيوتهم بأمان، وليس واضحاً كيف ستحققه أيضاً”.
هناك من يعتقد بأنه يمكن إغلاق الجبهة الجنوبية عبر نصر في الجبهة الشمالية، “والآن، واثقون بأنه إذا ما وجهنا ضربة قاضية إلى إيران، فستؤدي إلى إغلاق جبهة الشمال، وهذه ستغلق جبهة الجنوب. هكذا نفتح المزيد من الجبهات.
رجل الفضاء لا يفهم كيف يمكن العيش هنا، لكن ربما يكون الجواب “لأن كل شيء مطبع، فإن ما يبدو لنا وكأنه متعذر، لا يمكن أن يحصل – فجأة يحصل”، هكذا يقول مصدر أمني كبير بنظرته الواعية إلى الواقع وتوقعاته، المتكدرة، التي للأسف تجسد نفسها من جديد بالأسى والدم. “والكل يعتاد، وانعدام الاستراتيجية جراء الفجوة التي بين القدرات العسكرية والاستخبارية الرائعة للعثور على أهداف وتصفيتها وبين انعدام القدرة على ترجمتها إلى سياسة واتفاقات وتسويات. هذه هي الاستراتيجية! التي تخلو من إدارة مرتبة ومنظومة واضحة، ولا تؤدي إلا إلى نزوات تقود إلى شيء خير ما. وإذا لم تؤد إليه فلا بأس، سنجرب شيئاً آخر.
رونين بيرغمان
يديعوت أحرونوت 9/10/2024