عشية ما يلوح كهجوم إسرائيلي على إيران، رداً على النار نحو إسرائيل قبل رأس السنة، يجدر بنا النظر إلى المواجهة المباشرة بين الدولتين والتفكير بعمق بنتائجها، وفي أعقاب ذلك – على ما سيأتي.
في جولتي القتال المباشرتين الأخيرتين والوحيدتين حتى الآن، كانت يد إسرائيل هي العليا. في الهجوم الأول، أطلقت إيران على إسرائيل نحو 500 من أنواع مختلفة من السلاح، والنتيجة صد شبه مطلق للهجوم. في الهجوم الثاني، حاولت إيران استخلاص الدرس وركزت على إطلاق نحو 180 صاروخاً باليستياً. وهو هجوم تحطم أيضاً على الحائط الحديدي الذي نصبته إسرائيل.
لا يدور الحديث فقط عن نصر تكتيكي إسرائيلي، بل عن نصر ذي مغزى استراتيجي؛ فالقدرة الهجومية المباشرة والأساسية لإيران كانت ولا تزال في منظومة المسيرات والصواريخ والمقذوفات الصاروخية، منظومة تكبدت هزيمة، بينما القدرة الهجومية الإسرائيلية بقيت مجهولة. إنجاز إسرائيلي استراتيجي آخر ومهم بقدر لا يقل عن الإنجاز العسكري، وهو تبلور تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة ومع دول عربية للمساعدة في الدفاع عن إسرائيل. هذا دليل آخر على قوة التهديد، ليس فقط على إسرائيل بل على كل الشرق الأوسط، بل وما وراءه، وعلى أهمية بلورة تحالف ضده في أوساط دول المنطقة والولايات المتحدة.
الإنجاز الإسرائيلي هائل، وقد تحقق في الدفاع وليس في الهجوم. بعد الهجوم الإيراني الثاني، يمكن السؤال إذا كان ما كان الرد لغرض الرد هو خطوة صحيحة استراتيجياً. فهل ثمة حاجة للهجوم بعد جولتين؟ هذه أسئلة يجب أن نطرحها إذا ما قررنا بأن تكون خطوة إسرائيل التالية استراتيجية وليست تكتيكية. في نظري، هجوم مضاد من قد يبقى في المطارح التكتيكية، وواقع الأمر أن المس بالردع الإسرائيلي أكثر مما في تعظيمه.
إذا هاجم الجيش الإسرائيلي بشكل مقنن ومحدود لمنع التصعيد، فسنضيع الإنجاز الدفاعي. وإذا هاجم بنى تحتية عسكرية ومدنية بشكل واسع فستكون إيران ملزمة بالرد، وستجد إسرائيل نفسها في نوع آخر من حرب الاستنزاف الطويلة، الضارة والخطيرة، لهجمات وهجمات مضادة. شرك ليس مجدياً الوصول إليه، وقد يسحق الإنجاز الإسرائيلي المتمثل بتعزيز الردع.
وعليه، فإن الموضوع الوحيد على الطاولة يجب أن يكون استراتيجياً: برنامج النووي الإيراني، إمكانية التهديد الوجودي الوحيد على دولة إسرائيل. الحكومة والجيش ملزمان بالتركيز على هذا فقط. بشكل استراتيجي شامل وليس بشكل تكتيكي، وبالتأكيد عدم استعباد الصراع ضد هذا التهديد برد تكتيكي فقط.
تتفق أوساط معظم العاملين في المهنة على ضرورة تعاون وثيق مع الولايات المتحدة لإلحاق ضرر ذي مغزى بالقدرة النووية لإيران. تعاون كهذا عشية الانتخابات في الولايات المتحدة ليس ممكناً أغلب الظن، لكن ربما بعد الانتخابات.
ليس واضحاً إذا كانت الولايات المتحدة ستتفضل بعد الانتخابات للانضمام إلى هجوم على منشآت النووي في إيران، لكن يجب على إسرائيل أن تحاول. حتى ذلك الحين – كل خطوة هجومية أخرى لنا ضد إيران ستكون جواباً تكتيكياً فقط على هجومها الفاشل.
لقد شهد نظام طهران القوة العسكرية لإسرائيل في الدفاع ضده، واستوضح قدرتها الهجومية في قطاع غزة ولبنان واليمن، حيث تجتث إسرائيل أذرعه الطويلة. على إسرائيل أن تنظر إلى الأمام، إلى التهديد الحقيقي.
عومر بارليف
هآرتس 10/10/2024