اليمن: لماذا يلجأ «الانتقالي» للتظاهرات في حضرموت؟

أحمد الأغبري
حجم الخط
0

لم تعد معركة الانتقالي في حضرموت مع المنطقة العسكرية الأولى فقط، بل مع مجلس حضرموت الوطني وحلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع.

صنعاء ـ «القدس العربي»:  قرّر المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) أن ينظم في الذكرى الـ61 لثورة 14 تشرين الأول/أكتوبر، وتحديدًا يوم غد الاثنين، ما سماها «مليونية تأكيد الهُوية الجنوبية» بمدينة سيئون عاصمة وادي حضرموت؛ وهي الجغرافيا التي ينتظر «الانتقالي» بفارغ الصبر أن ترجح كفة المعركة السياسية كمحطة أولى هناك لصالحه؛ وحينها يكون مشروع دولته الانفصالية قد امتلك أهم مقومات وجوده؛ ما لم فليس بمستبعد أن تشهد حضرموت صراعًا مسلحًا.

في هذه المسيرة يريد الانتقالي الاحتفال بذكرى الثورة من جهة كلافتة سياسية جنوبية، ومن جهة ثانية استغلال الذكرى لإيصال رسالة للداخل والخارج بأنه الممثل الحقيقي لمحافظة حضرموت، الأكبر مساحة والأغنى نفطا في اليمن، في سياق معركته المستمرة للاستحواذ على هذه المحافظة.
في مواجهة ذلك، تعلن بعض مكونات حضرموت الفاعلة عدم اعترافها بالانتقالي ممثلًا لها، بل بلغ ببعض تلك المكونات رفع الصوت عاليًا برفض العودة تحت سلطة حكومة انفصالية في عدن أو حكومة مركزية في صنعاء، وحددت إما أن تكون حضرموت إقليمًا في دولة يمنية اتحادية أو دولة مستقلة؛ وهو الصوت الذي يتسع حضوره في بيئة يحضر فيها الانتقالي ومشاريع أخرى تتنافس هناك.
ليست هذه هي المسيرة الأولى، التي تشهدها سيئون للانتقالي، بل يكاد كل عام لا يخلو من تظاهرات هناك للانتقالي منذ تأسيسه عام 2017 سواء فيما يطلقون عليه يوم الأرض 7 تموز/يوليو، أو ذكرى فك الارتباط في 23 أيار/مايو أو غيرها؛ في سياق حرصه على تعزيز حضوره السياسي من خلال توسيع قاعدته الجماهيرية هناك.
لم يتجاوز الانتقالي معركته القائمة ضد المنطقة العسكرية الأولى (آخر مناطق الجيش اليمني في جنوب البلاد) والتي يعمل، بكل ما أوتي من وسائل، على إخراجها من وادي حضرموت، باعتبارها كما يعتقد آخر قلاع النفوذ الشمالي في جنوب وشرق اليمن، وهو بذلك يريد أن تحل محلها قوات النخبة الحضرمية المدعومة إماراتيًا.
معركة الانتقالي لتثبيت حضوره في وادي حضرموت مرت بمراحل، وما زال يستعد لمعركة فاصلة هناك يكتب من خلالها حضوره الفعلي ممثلًا لحضرموت، وتعميدًا لحضرموت باعتبارها جزءًا من مشروع دولته الانفصالية؛ وتنظيم التظاهرات هو من أجل تأكيد حضوره الجماهيري وإثبات حجم قاعدته الشعبية هناك كرسالة واضحة يريد أن يسمعها الداخل والخارج في سياق معركته السياسية لبسط نفوذه على حضرموت بعدما حقق من نجاح في السيطرة على محافظة شبوة المحاذية لها، وفي ظل التطورات التي تشهدها حضرموت، وزاد معها قلق الانتقالي إزاء معركته هناك.
يدرك الانتقالي جيدًا أن مشروع دولته الانفصالية لن يستقيم له عود أو يُكتب له نجاح بدون حضرموت التي تمثل معظم مساحة جغرافيا جنوب وشرق البلاد؛ علاوة على ما تمثله اقتصاديًا، من خلال ما يتوفر في أراضيها من حقول نفطية. وعلى الرغم من تعيين عدد من أبناء حضرموت في قيادات الانتقالي، أبرزهم فرج البحسني عضو مجلس القيادة الرئاسي، محافظ حضرموت السابق، وأحمد بن بريك، محافظ حضرموت السابق، وغيرهما، إلا أن حضرموت كمكون اجتماعي وثقافي ليس من السهل الاستحواذ عليه من خلال احتواء بعض القيادات؛ باعتباره يتمتع بخصوصية ثقافية في علاقته بالدولة، بعد تجارب يرى الحضارم أن الدولة في المراحل السابقة لم تمنحهم حقهم انطلاقًا من مكانة حضرموت كجغرافيا وثروة وثقافة؛ وبالتالي صاروا ينظرون لعلاقتهم بالدولة من منظور مختلف ومرتبط بما يتحقق لهم من حقوق ومكانة وتمثيل. وانطلاقًا من هذا انبثقت فكرة استقلالهم كدولة؛ وهي فكرة غذاها اعتزازهم بما يتوفر في مناطقهم من ثروات، بالإضافة إلى ما يتوفر لهذه الفكرة من دعم إقليمي.
تحتل المسيرة التي يعدّ لها «الانتقالي» الإثنين، أهمية خاصة انطلاقًا من التطورات التي تشهدها المحافظة، وخاصة على صعيد استضافة الرياض لهيئة رئاسة مجلس حضرموت الوطني، التي عقدت مشاورات هناك، انتهت بتشكيل الأمانة العامة للمجلس، الذي ما زال يتوقع منه احتواء الأزمة الحضرمية الراهنة؛ وخاصة باتجاه التصعيد الذي يقوده حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع ضد السلطة المحلية ومجلس القيادة الرئاسي؛ وهو التصعيد الذي يشكل تهديدًا جديدًا للانتقالي انطلاقا من إصرار الحلف على اعتماد مؤتمر حضرموت الجامع ممثلا لحضرموت في مشاورات التسوية اليمنية، كما أن هذا التصعيد الذي يقوده الحلف قد انعكس خطوات على الأرض، من خلال سيطرة مسلحي الحلف على مداخل ومخارج قطاعات الإنتاج النفطي، وإشرافه على حركة قاطرات النفط في المحافظة، وتعزيز حضوره الاجتماعي من خلال استمرار التحشيد والاستنفار القبلي في المناطق الشرقية، وتجمع قيادات قبلية حضرمية كبيرة حول مطالبه، الأمر الذي وضع الحلف في صدارة الأحداث في هذه المحافظة خلال الشهور الثلاثة الماضية؛ حتى بات سفراء أجانب يعقدون لقاءات عبر تقنية الاتصال المرئي مع رئيس الحلف و«الجامع» عمرو بن حبريش.
مما سبق لم تعد معركة الانتقالي في حضرموت مع المنطقة العسكرية الأولى فقط، بل مع مجلس حضرموت الوطني وحلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع؛ ولعل ما يتعلق بالحلف و«الجامع» قد شكل قلقًا كبيرًا للانتقالي، يضاف إلى قلقه من دعم الرياض لمجلس حضرموت الوطني، الأمر الذي جعله يُراهن كثيرًا على ما يسميها «مليونية تأكيد الهُوية الجنوبية» والتي يتضح من الاسم والاستعدادات لها مدى حرصه على إثبات أن حضرموت ضمن الهوية الجنوبية التي يتبناها «الانتقالي» وهي هوية يرى الانتقالي أنها منفصلة عن هوية اليمن، ويرى أيضا أنه جزء من هذه الهوية التي يقدم نفسه ممثلا لها.
كما لم يغب الهدف السابق عن أجندة الانتقالي في هذه المسيرة، ممثلًا في إخراج المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، وهو ما أكده رئيس تنفيذية انتقالي محافظة حضرموت، سعيد المحمدي، وفق وسائل إعلام محلية، قائلا «إن مليونية الهوية الجنوبية تأتي للتأكيد على مطالب حضرموت وفي مقدمتها تحرير واديها وإحلال قوات النخبة الحضرمية على جميع ترابها».
وفي ورقة بعنوان «وادي حضرموت: المعركة المنتظرة» لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، ذكر الباحث ماجد المذحجي أن «حضرموت تعد الجائزة الكبرى للمجلس الانتقالي، وأي نجاح محتمل له في السيطرة على المحافظة الاستراتيجية الغنية بالنفط سيعني حسم معركة النفوذ الفعلية لصالحه وسيطرته على معظم المساحة غير الخاضعة لجماعة الحوثيين، وهو ما يعني فعليًا السيطرة تقريبًا على كامل جنوب اليمن السابق باستثناء محافظة المهرة الواقعة في أقصى الشرق. كما ستخضع موارد حضرموت من النفط والغاز لسيطرة الانتقالي الأمر الذي سيمنحه هيمنة على عملية صنع القرار داخل الحكومة».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية