أدت حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة والتي دخلت عامها الثاني على قطاع غزة، إلى تدمير كافة القطاعات التجارية والاقتصادية التي لم يبق لها أي أثر بعد الدمار الكبير الذي أصاب كافة المنشآت الصناعية والتجارية من شمال القطاع حتى جنوبه، سواء بالقصف الجوي أو بالتجريف خلال العمليات البرية للجيش الإسرائيلي في مناطق واسعة من القطاع.
ومنذ بداية حرب الإبادة على غزة مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2023 تتعمد إسرائيل ضرب الاقتصاد بشكل كامل من خلال قصف المصانع المختلفة من منشآت خاصة بصناعة الأغذية ومنشآت تجارية وزراعية، بالإضافة إلى تدمير الفنادق والمطاعم والمدن الترفيهية والعديد من المنشآت الأخرى.
ووفق معطيات شبه رسمية، فإن إجمالي الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد في قطاع غزة قد وصل إلى 35 مليار دولار، تنوعت ما بين خسائر في قطاع الزراعة والتجارة والسياحة والفنادق وتدمير الأبراج السكنية، وهذه النسبة في الخسائر تعتبر الأكبر من حيث إجمالي الدمار الذي تعرضت له القطاعات الاقتصادية بشكل عام على مدار تاريخ الصراع. وقال مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، إن أكثر من 16 قطاعا اقتصاديا حيويا في قطاع غزة تعرض للتدمير المتعمد من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء الحرب على القطاع، وزاد الأوضاع تدهورا إغلاق المعابر المستمر ومنع تدفق البضائع، كما أن توقف المصانع عن العمل في غزة، زاد من تدهور الأوضاع الاقتصادية بالنسبة للتجار، بالإضافة إلى أن توقف عمل المؤسسات الحكومية أثر على إتمام مصالح المواطنين وخاصة التجار والعوائد الاقتصادية، كما أحدث غياب الدور الرقابي الحكومي حالة من الفوضى بين المواطنين والتجار وانتشار الغلاء واستغلال التجار للمواطنين.
وأدانت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من دمار واسع للقطاعات الصناعية والتجارية وقطاع السياحة والفنادق، معتبرة أن هذا الإجراء المتعمد مخالف لكل القوانين الدولية، لكن إسرائيل وعلى مدار سنوات الصراع دائما فوق القانون وتتصرف من باب الانتقام والعقاب الجماعي وهذا ما يجري في قطاع غزة من تدمير كامل للبنية التحتية والقطاعات الاقتصادية كافة إلى جانب ارتكاب العديد من المجازر الدامية بحق المدنيين العزل.
ومن أبرز القطاعات التي شهدت دمارا هائلا وأفرزت مشكلات على المستوى الاقتصادي، تدمير كافة المنشآت السياحية على طول ساحل بحر غزة، إلى جانب تدمير عدد كبير من المطاعم التي تضم عددا كبيرا من العمال، بالإضافة إلى تدمير المنطقة الصناعية في حي الزيتون بشكل كامل، والتي تضم ورش حدادة ومخارط ومصانع آلات ثقيلة والعديد من المصانع الأخرى، وجميعها دمرت بعد عمليات الجيش البرية لمنطقة الزيتون جنوب شرق غزة، كما أن تجريف المساحات الزراعية في مناطق واسعة من القطاع، أثر بشكل كبير على الاقتصاد وعلى عملية الإنتاج، وتوقف الأيدي العاملة عن العمل في مجال الزراعة.
خسائر يصعب تعويضها
وفي أحاديث منفصلة لمراسل «القدس العربي» أوضح أصحاب منشآت اقتصادية وصناعية حجم الخسائر التي تعرضوا لها نتيجة تعمد الاحتلال ضرب الاقتصاد منذ بداية الحرب، وما تسبب ذلك بعواقب اقتصادية عليهم في ظل استمرار الحرب وغياب أي مؤشرات على تجاوز المحنة التي تعرض لها الاقتصاد في القطاع وما زال يتعرض لها ما تبقى من منشآت.
يقول خليل الفيري صاحب ورشة حدادة كبيرة في حي الزيتون جنوب شرق غزة، إن ورشته تعرضت للقصف الجوي في الشهر الثاني للحرب ودمرت بشكل كامل، وتمتد الورشة على مساحة واسعة وتغطي كافة احتياجات منطقة شمال غزة من الصناعات الحديدية من أبواب وشبابيك وعربات، وغيرها من الصناعات الأخرى.
وأوضح لـ«القدس العربي» أنه تعرض لخسائر كبيرة من جراء الدمار الذي حل بمصنعه، وقدر تلك الخسائر بمليون دولار وربما أكثر من ذلك، إلى جانب أن أكثر من 30 عاملا توقفوا عن العمل قسرا، ويواجه هؤلاء ظروفا معيشية قاسية.
ولفت إلى أن «ما تعرضت له القطاعات الاقتصادية من خسائر حجمها كبير جدا، ويصعب تعويضها في القريب العاجل، حتى لو توقفت الحرب، فإن إمكانية تعويض الخسائر وعودة عجلة الإنتاج يحتاج إلى سنوات طويلة، ولا يمكن تحمل هذا التأخير والاعتماد على السلع المستوردة».
أما أنس حسين والذي كان يملك مجموعة من المنشآت السياحية في مناطق مختلفة من ساحل غزة تعرضت جميعها إلى حرق ودمار واسع بعد قصفها من البوارج الحربية التي تتمركز على طول ساحل بحر غزة، فقد خسر بعد هذا الدمار مبالغ مالية كبيرة يصعب تعويضها.
وبين لـ«القدس العربي» أن «الاحتلال الإسرائيلي تعمد منذ الأيام الأولى للحرب تدمير كافة المنشآت الاقتصادية والتجارية من مطاعم وفنادق ومصانع ومدن ترفيهية، وهذه تعتبر ركائز أساسية للاقتصاد في قطاع غزة، لذلك كان تدميرها من ضمن الأولوية بالنسبة لإسرائيل مع بداية الحرب».
ولفت إلى أنه وعلى مدار سنوات الحصار والتصعيد العسكري المتواصل على قطاع غزة، تعرض للعديد من الخسائر إثر الدمار الجزئي، ولم يتم تقديم تعويضات كافية له خلال تلك الفترة، وأجبر على إعادة ترميم منشآته من تمويله الخاص، ويخشى الآن من فقدان مشاريعه وإعادة ترميمها على نفقته الخاصة، وهذا مستحيل بالنسبة له، كون الخسائر كبيرة.
وينتظر الكثير من أصحاب المنشآت التجارية والصناعية توقف الحرب لإعمار ما تعرضوا له من خسائر، إلا أن هناك عددا من رجال الأعمال وأصحاب المنشآت التجارية فقدوا أموالهم، بعد أن تعرضت للسرقة من منازلهم وبعضهم أجبروا على تركها أثناء نزوحهم إلى جنوب غزة على حاجز نتساريم، حيث ترك بعض التجار ملايين الدولارات، ولم يعد بالنسبة لهم مجال لإعادة ترميم أوضاعهم بعد الدمار الهائل الذي حل بهم.
ويقول الخبير الاقتصادي ماهر الطباع إن «وصول الخسائر الاقتصادية إلى هذا الحد يعتبر بمثابة كارثة يصعب التعافي منها في الوقت القريب، مع استمرار وضع الاحتلال عراقيل أمام محاولات النهوض بالواقع الاقتصادي في فلسطين بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص».
ويشير في حديثه لـ«القدس العربي « إلى أن «الاحتلال اتخذ تدابير مباشرة وغير مباشرة في تدمير القطاعات التجارية والصناعية، ووصل هذا الدمار إلى ما يقارب من 90 في المئة. ويهدف الاحتلال من وراء ذلك القضاء على قدرة الفلسطينيين، ومنعهم من العودة مجددا للعمل والإنتاج والاستقلالية، والإبقاء على التبعية للجانب الإسرائيلي».
ولفت إلى أن «الدمار انعكس سلبا على الأيدي العاملة، التي توقفت قسرا نتيجة الدمار الذي لحق بالعديد من المنشآت، لاسيما قطاع الفنادق والسياحة الذي يضم أعدادا كبيرة من الأيدي العاملة، وجميعهم يعيشون في ظروف صعبة».