الجزائر ـ “القدس العربي”:
غادرت رئيسة جمهورية الهند، دروبادي مورمو، الجزائر يوم الأربعاء بعد زيارة دولة استغرقت أربعة أيام، الأولى من نوعها لرئيس هندي إلى الجزائر، وفي سياق خاص اتسم بفتور العلاقات بين البلدين في الأشهر الأخيرة، على خلفية الحديث المتواصل عن اعتراض نيودلهي على انضمام الجزائر لمنظمة بريكس.
وبدا أن الزيارة قد بدّدت أجواء التوتر الصامت بين البلدين، في ظل حديث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بتفاؤل كبير عن مستقبل العلاقات بين بلاده والهند. وكان تبون في تصريحات صحافية مشتركة بعد المحادثات التي جمعته بنظيرته الهندية، قد عبّر عن رضاه العميق عن مستوى التفاهم الذي تم التوصل إليه، مؤكدا أن هناك تطابقا في وجهات النظر حول العديد من القضايا الدولية الهامة.
وأكد الرئيس الجزائري في هذا الشأن على دعمه المستمر للشعب الفلسطيني وحقوقه في إقامة دولته المستقلة، مشيرا إلى أنه تم الاتفاق على تكثيف التنسيق والتشاور بين الجزائر والهند حول هذه القضية. كما تناولت المحادثات الأوضاع في أوكرانيا، حيث شدد الطرفان على ضرورة الالتزام بالقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وهي نقاط تلاقي تجمع البلدين، اللذين يسعيان، وفق قائديهما، لتحقيق السلم والأمن الدوليين. ولم تكن قضية الصحراء الغربية بعيدة عن طاولة النقاش، حيث اتفق الطرفان على ضرورة متابعة مخرجات مجلس الأمن المتعلقة بهذه القضية. كما أكد الرئيس تبون والرئيسة مورمو حرصهما على دعم الاستقرار في منطقة الساحل، حيث تواجه المنطقة تحديات أمنية وسياسية معقدة تهدد السلم الإقليمي.
على الرغم من العلاقات التاريخية القوية التي تجمع البلدين، إلا أن الزيارة جاءت في ظرف خاص عقب تفاعلات قضية عدم انضمام الجزائر إلى بريكس
وعلى المستوى الثنائي، كانت المحادثات الاقتصادية محورا رئيسيا للزيارة. وقد اتفق الطرفان على ضرورة تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين وتطويره بما يتناسب مع إمكانيات كل من الجزائر والهند. ووفقا لتصريحات الرئيس تبون، تم الاتفاق على ترقية مستوى التعاون الاقتصادي وتشجيع الاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين الذي يظل دون المستوى بأقل من ملياري دولار فقط. وسيتم في هذا المنحى، التحضير لعقد دورة للجنة المشتركة للتعاون وآلية التشاور السياسي قريبا، في خطوة تهدف إلى تسريع وتيرة التعاون وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، في مجالات رئيسية مثل الطاقة، الصناعة الصيدلانية، وتكنولوجيا الاتصال، وهي قطاعات ترى الجزائر والهند أنها تمتلك إمكانات كبيرة للتعاون المشترك.
وفي سياق التحضير لذلك، انعقد بمناسبة الزيارة المنتدى الاقتصادي الجزائري-الهندي، الذي جمع رجال الأعمال والمستثمرين من البلدين، وهو ما يعكس وفق مراقبين، رغبة البلدين في تعزيز العلاقات الاقتصادية. وخلال هذا المنتدى، أكدت الرئيسة مورمو على النمو الاقتصادي السريع الذي تشهده الجزائر في السنوات الأخيرة، معتبرة أن هذه التطورات الاقتصادية توفر فرصة ذهبية لتطوير الشراكات الاقتصادية بين البلدين. وأشارت إلى أن الهند تسعى إلى إطلاق “عهد جديد” من التعاون الثنائي في مجالات متنوعة تشمل الصناعة الصيدلانية، تكنولوجيا المعلومات، الشركات الناشئة، الزراعة، والفضاء.
وشهد المنتدى الاقتصادي الذي عقد تحت شعار “نحو بناء تعاون اقتصادي مثمر”، توقيع مذكرة تفاهم بين مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري واتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية، مما يمهد الطريق أمام شراكات في المستقبل. وقد حضر هذه التظاهرة أكثر من 300 متعامل اقتصادي جزائري وهندي من قطاعات متعددة تشمل الطاقة والمناجم، البتروكيماويات، الصناعات الغذائية، تحلية المياه، وتكنولوجيا الإعلام والاتصال، بالإضافة إلى مجالات مثل الزراعة والنسيج والصناعة الميكانيكية. ومن خلال لقاءات ثنائية بين المتعاملين الاقتصاديين من البلدين، تم بحث سبل استغلال الفرص الاستثمارية المتاحة في أسواق البلدين، مع التأكيد على ضرورة استمرارية المشاركة في التظاهرات الاقتصادية المشتركة.
وعلى الرغم من العلاقات التاريخية القوية التي تجمع البلدين، إلا أن الزيارة جاءت في ظرف خاص عقب تفاعلات قضية عدم انضمام الجزائر إلى بريكس، حيث تعرضت الهند لانتقادات قوية في وسائل الإعلام الجزائرية، على خلفية ما قيل إنه اعتراضها على انضمام الجزائر إلى هذه المنظمة. وظهر ذلك في تصريحات الرئيس تبون، الذي ألمح دون ذكر الهند بالاسم، قائلا إن “من حاول منع دخول الجزائر إلى بريكس عليه أن يعرف أنه لم ولن يؤثر في الجزائر.. والمستقبل كشاف”. وفي نفس المنوال، اتهمت صحيفة “المجاهد” الحكومية بشكل أوضح دولة عضو في بريكس بأنها عرقلت انضمام الجزائر إلى المنظمة، مشيرة إلى أن هذه الدولة تصرفت بناء على “أوامر من إمارة خليجية صغيرة”.
ويبقى الرهان من خلال هذه الزيارة التي أعلن عنها بشكل مفاجئ وأخذت فيها الرئيسة الهندية كامل وقتها في اكتشاف الجزائر والتعرف على إمكانياتها الصناعية والسياحية، فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، وفق الإعلام الجزائري. وأشار الرئيس تبون في هذا الصدد، إلى أن الجزائر والهند ستستعيدان مستوى التشاور والتعاون بينهما مثلما كان عليه الأمر في الماضي، مؤكدا أن البلدين يسعيان مجددا إلى لعب دور فاعل على الساحة الدولية من خلال حركة عدم الانحياز.