قادة وجنود إسرائيليون: نطبق “خطة الجنرالات” في شمال القطاع.. دون تبنيها رسمياً

حجم الخط
0

أصدرت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، في بداية الأسبوع، بيان إدانة استثنائياً. واقتبست المرشحة الديمقراطية للرئاسة تقريراً للأمم المتحدة الذي بحسبه لم تدخل أي إرسالية للمواد الغذائية إلى شمال القطاع منذ أسبوعين وأكثر. وقالت إن على إسرائيل العمل بسرعة لضمان إدخال المساعدات المدنية للمحتاجين في المنطقة واحترام قواعد القانون الدولي. بعد التوبيخ الأمريكي، اجتمع ممثلو جهاز الأمن مع ممثلي الولايات المتحدة والأمم المتحدة لإبلاغهم بأن الجيش الإسرائيلي سيسمح بحركة شاحنات المساعدات إلى المنطقة، حيث بدأت في الأسبوع الماضي عملية هجوم جديدة للفرقة 162.

يبدو أن الإدارة الأمريكية لم تقتنع كلياً. وأعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، بأنه إذا لم تتوقف إسرائيل خلال ثلاثين يوماً عن التشويش على نقل المساعدات الإنسانية الأمريكية إلى القطاع، فستمنع الإدارة الأمريكية إرسال السلاح إلى إسرائيل. الولايات المتحدة تعيق منذ أيار الماضي، إرسال قنابل بوزن طن لسلاح الجو الإسرائيلي على خلفية تجاهل إسرائيل لمعارضة واشنطن لدخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح. حتى الهجوم صباح أمس، امتنع الجيش الإسرائيلي لبضعة أيام عن مهاجمة الضاحية الجنوبية؛ بسبب معارضة أمريكية. المساعدات الدفاعية الأمريكية لإسرائيل، حيث الخوف من تدهور جديد أمام إيران، تأتي مع ملصق الثمن: تنسيق وثيق أكثر. وبدون ذلك، التهديد بفرض عقوبات.

تتركز العملية العسكرية على مدخل مخيم جباليا للاجئين. وفي هذه الأثناء، لا تحظى بالاهتمام الكبير في ظل أحداث لبنان والتهديدات الإيرانية. المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي يصدر كل يوم بيانات عن قتل عشرات المخربين في المعارك. ولأن هذه البيانات تعتمد على تقارير القوات في الميدان، يصعب معرفة عدد المصابين الذين كانوا من المسلحين وعدد المواطنين الفلسطينيين الذين لم يخرجوا من المنطقة التي يعمل الجيش فيها.

الهدف العلني للعملية في جباليا هو ضرب بنى حماس التحتية، في المنطقة التي امتنع الجيش الإسرائيلي عن القيام بنشاطات ناجعة مستمرة فيها منذ كانون الأول الماضي. ولكن للجيش اعتبارات أخرى وراء الكواليس. كجزء من الضغط على حماس، وذريعة حماية السكان المدنيين، يطلب الجيش من سكان جباليا التوجه نحو الجنوب. ولكن الاستجابة قليلة حتى الآن. بقي في شمال القطاع بيوت كثيرة قائمة، وإن تعرضت لضرر كبير بسبب الهجمات الإسرائيلية. هذه بيوت حجرية، ويراها الفلسطينيون أفضل بكثير من عيش النزوح في مخيمات ارتجالية ومكتظة في منطقة المواصي في الشاطئ الجنوبي في القطاع. وتحاول حماس أيضاً منع المواطنين من الهرب.

يتدفق في الخلفية سيل كبير من الأنباء عن نوايا سياسية خفية. أحزاب اليمين المتطرف تشارك في اتخاذ القرارات وتستعين بضباط احتياط في مقر القيادة والفرق. هذا يتساوق مع “خطة الجنرالات” التي اقترحها غيورا آيلاند وضباط آخرون في الاحتياط. الهدف السامي لهذه الخطة هو دفع مئات آلاف الفلسطينيين من شمال القطاع إلى جنوب وادي غزة في الوسط، الذي ما زالوا فيه. وتطرح أفكار مثل إطلاق نار متعمد من بين السكان، وحتى عمليات تجويع. هي لم تحصل على مصادقة رسمية من سلسلة القيادة في الجيش الإسرائيلي، لكن الانشغال فيها والمشاركة السياسية لأحزاب وجهات إعلامية يمينية، تتغلغل إلى الأسفل.

يصعب الشك بأن الصعوبات التي تقف أمام إدخال المساعدات الإنسانية، إلى أن رفعت هاريس صوتها، لم تنبع فقط من التعقيدات البيروقراطية أو من الاستعداد لعمليات في ذكرى 7 أكتوبر. على الأرض وفي مقرات القيادة، هناك من يعتبرون هذه القوافل مساعدة للعدو، ويناسبهم عدم وصول شاحنات الغذاء إلى أهدافها. ثلاثة جنود من الاحتياط يخدمون في القطاع، تحدثوا هذا الأسبوع بشكل منفصل مع مراسل “هآرتس” بار بيلغ، أخبروه بأن انطباعاً تولد لديهم إزاء تطبيق فعلي لـ “خطة الجنرالات” على الأرض، وإن لم تتبنّ قيادة هيئة الأركان وقيادة المنطقة الجنوبية ذلك بشكل رسمي. “يقول القادة علناً إن الجيش يطبق خطة آيلاند”، قال جندي في الفرقة 162. جندي في فرقة الاحتياط 252 التي تنتشر في ممر نتساريم قال: “الهدف هو إعطاء موعد نهائي للسكان الذين يعيشون شمال منطقة نتساريم، كي ينتقلوا إلى جنوب القطاع. بعد هذا الموعد، كل من سيبقى في الشمال نعتبره عدواً وسنقتله. هذا لا يتفق مع أي معيار من معايير القانون الدولي. أشخاص جلسوا وكتبوا شيئاً مرتباً مع رسومات وفكرة عملية، التي سيطلقون في نهايتها النار على من لا يوافق على الإخلاء. مجرد وجود هذه الفكرة يعتبر أمراً غير معقول”.

ضابط كبير في هيئة الأركان، قال أمس رداً على سؤال لـ “هآرتس”: “نحصل على الأوامر من رئيس الأركان، ونرسلها إلى قادة الفرق. الكثيرون لهم مواقف مختلفة، وهذا جيد. ولكن هذا لا يملي الخطط العملياتية. لا يوجد هنا أي تجويع للسكان من أجل الإخلاء. ما الأمر؟”. وحسب قوله: “في الأيام الأخيرة، اتخذ الجيش خطوات استثنائية لإدخال قوافل الشاحنات إلى منطقة جباليا رغم المعارك. لم يتغير الكثير في روتين المساعدات الإنسانية”، وأضاف: “تتخذ القرارات والتخطيط حسب تخطيط عملياتي”.

بخصوص الـ 101 مخطوف، لا شك لدى جهات رفيعة في هيئة الأركان بأن “رئيس الحكومة نتنياهو اتخذ قراراً دعا إلى التخلي عن المخطوفين، الذين ما زال معظمهم على قيد الحياة، في أنفاق غزة. وقال أيال حولتا، رئيس مجلس الأمن القومي السابق، هذا الأسبوع، للقناة 13 بأن “نتنياهو يفضل تدمير حماس على إعادة إعادة المخطوفين. ويمكن قول كل شيء، وسيسمع الجمهور كل شيء، ووسائل الإعلام ستردد – لكن الواقع سيبقى على حاله. الأمر الوحيد الذي لا يتغير هو أن المخطوفين في غزة ويموتون واحداً تلو الآخر”.

في أسبوع احتفالات ذكرى 7 أكتوبر في هذا الأسبوع، تبين أن الوزيرة ميري ريغف تخطط لاحتفال زائد في الذكرى السنوية حسب التقويم العبري – عائلات المخطوفين عرفت حقيقة معينة. دعي ممثلوها للظهور في وسائل الإعلام والاحتفالات ليصرخوا صرخة أحبائهم الذين تم التخلي عنهم. الآن، تعود الأمور رويداً رويداً إلى المسار المخطط له. وفي وقت ينشغل بأمور مشتعلة أكثر، يزيح نتنياهو عن نفسه مسألة المخطوفين كما يطرد ذبابة مزعجة. مؤيدون ومساعدوه في وسائل الإعلام سينقضون على كل ابن عائلة يتجرأ على الاحتجاج على هذا الإهمال.

       الانتقال من النشوة إلى الواقع

إن ضربة المسيرة القاتلة لقاعدة المجندين الجدد في لواء غولاني، وإطلاق الصواريخ بشكل مستمر على شمال البلاد (بدرجة أقل نحو الوسط)، استقبلت هذا الأسبوع بمفاجأة في وسائل الإعلام وفي أوساط الجمهور. في أجواء النشوة التي سادت هنا بعد سلسلة النجاحات الاستخبارية والعملياتية ضد حزب الله، كان يمكن التفكير خطأ بأن قصة حرب لبنان الثانية قد انتهت. المنظمة الشيعية تلقت سلسلة لكمات مفاجئة وكبيرة، حيث يرفرف حزب الله مذبوحاً على الأرض، وأن كل ما بقي هو إملاء شروط الاستسلام.

الواقع على الأرض بعيد عن ذلك. الجيش الإسرائيلي يتقدم في جنوب لبنان تقريباً حسب الخطط الأصلية. القوات تمشط منشآت حزب الله القتالية في المناطق المعقدة والقرى قرب الحدود. وحتى الآن، تواجه مقاومة قليلة جداً. ولكن حزب الله لا يظهر في هذه الأثناء مظاهر الاستسلام. ربما يمكن إيجاد توجه تعاف معين في صفوفه حتى لو كان محدوداً. تظهر هناك محاولة لتنفيذ خطة نيران أكثر تنظيماً وتركيزاً على الشمال، حتى بلدات جنوب حيفا. في جنوب لبنان، انسحبت معظم قوات حزب الله إلى الخلف، إلى جنوب نهر الليطاني، لكن بعضها ما زال ينتشر شمال النهر بانتظار عمليات هجومية أخرى للجيش الإسرائيلي.

يحاول حزب الله إعادة عمل الوحدات المتقدمة التي أصيبت وقتل قادتها. ورغم الضربة الشديدة لترسانة الصواريخ والقذائف متوسطة المدى وبعيدة المدى، يؤكد الجيش الإسرائيلي أن أكثر من نصفها تدمر، ولم يبق لديه ما يكفي من الصواريخ لإلحاق أضرار حقيقية بإسرائيل. النظام في إيران يبذل جهوداً كبيرة لاستئناف تهريب السلاح إلى لبنان وسوريا، رغم الضربة التي تلقتها شبكات التهريب. كل ذلك يضاف إلى تهديد الصواريخ البالستية من إيران، الذي قد يعود في القريب إلى حياتنا كضيف شرف يظهر للمرة الثالثة في هذه الحرب.

صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية نشرت أمس بأن إسرائيل تقف أمام أزمة تتعاظم في نقص صواريخ الاعتراض. هذا هو سبب قرار الإدارة الأمريكية سرعة نشر بطاريات اعتراض الصواريخ من نوع “ثاد” التي ستكمل المنظومات الإسرائيلية – حيتس ومقلاع داود والقبة الحديدية. بدا شعار رؤساء الحكومات القديم الذي يفيد بأن المساعدات الأمريكية تهدف لمساعدة إسرائيل للدفاع عن نفسها بقوتها الذاتية، أجوف أكثر من أي وقت مضى.

سترول: “التسليح الإسرائيلي موضوع جدي”

هذا ما قالته الدبلوماسية دانا سترول للصحيفة البريطانية، وهي شخصية رفيعة سابقة في البنتاغون، والآن باحثة في معهد واشنطن لأبحاث الشرق الأوسط. “إذا ردت إيران على هجوم إسرائيل وانضم إليها حزب الله، فإن منظومات الدفاع الجوية الإسرائيلية ستكون متوترة. لن تستطيع الولايات المتحدة مواصلة تزويد السلاح لأوكرانيا وإسرائيل في نفس الوتيرة. نقترب من انعطافة”.

المدير العام للصناعات الجوية، بوعز ليفي، قال للصحيفة البريطانية إن خطوط إنتاج صواريخ حيتس تعمل سبعة أيام على مدى 24 ساعة، لكن إنتاج صاروخ جديد “ليس مسألة أيام”. ليس سراً أنه يجب ملء مخازن السلاح الآن، أضاف.

في زيارة قصيرة لجنوب لبنان بداية الأسبوع، كان بالإمكان الانفعال من مستوى الالتزام بالمهمة والثقة المهنية للقوات. وتعمل وحدات الاحتياط العادية الآن على الأرض وتصطدم مع مسلحين من حزب الله، وتدمر وسائل قتالية. المحاولة التي تراكمت في سنة القتال في غزة والمناوشات على طول الحدود الشمالية، زادت كفاءة القادة والجنود. ولكن حجم قوات الجيش الإسرائيلي صغير بالمقارنة مع المهمات الملقاة عليه، ومثله أيضاً منظومات الدفاع الجوية، والوحدات النظامية ووحدات الاحتياط متوترة جداً.

يكشف الجيش الإسرائيلي الآن بالتدريج معسكرات حزب الله ومخازن السلاح والأنفاق ومنشآت القيادة والمكوث تحت الأرض. بدأ حزب الله في الاستعداد بهذه الصورة كجزء من دروس حرب لبنان الثانية في 2006. في حين أنه عندما عاد أعضاء قوة الرضوان إلى من خمس سنوات من القتال إلى جانب نظام الأسد في الحرب الأهلية الدموية في سوريا، انتشر عدد كبير منهم في جنوب لبنان ووسعوا الاستعدادات للهجوم على طول الحدود.

يتم كشف عدد من المواقع العسكرية قرب موقع اليونيفيل، وتثبت عدم جدوى نشاطها، والأكاذيب المتفق عليها التي استند إليها تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701 (القرار ساعد رغم ذلك على الهدوء النسبي خلال 17 سنة؛ لكن الثمن يتبين الآن). قادة قوة الأمم المتحدة في لبنان فضلوا عدم التفتيش في الأماكن التي كان يمكن أن تعرض حياتهم وحياة جنودهم للخطر. “مطلوب من الشخص بذل الجهد بشكل دائم كي يرى ما تحت أنفه”، كتب جورج أورويل. الكاتب البريطاني لم يصادف في حياته رجال يونيفيل، الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء العمل.

للجيش الإسرائيلي نافذة فرص مقلصة جداً ترتبط بالشتاء في نهاية السنة وربما بالضغوط الدولية. رغم أن المنظومة الدولية لم تثبت نجاعتها في العمليات في قطاع غزة، ثمة سباق ضد الزمن يتطور هنا لاستكمال مهمات كثيرة بقدر الإمكان. التوجه لدى قيادة المنطقة الشمالية هو وضع جدول أعمال صارم نسبياً، والعمل على إنهاء الحرب في المدى المنظور. هناك شك حول قبول سكان المستوطنات التي تم إخلاؤها، الذين يدركون الآن حجم المشروع الذي بناه حزب الله وراء الحدود. المطالبة من هناك، وأيضاً من المنظومة السياسية، ستكون مواصلة التقدم شمالاً. عندما حاول قائد المنطقة الشمالية أوري غوردن، التلميح بإمكانية البدء في إعادة السكان إلى بيوتهم، واجهته ردود قاسية من رؤساء المجالس المحلية على الحدود.

“نواصل تدمير بنى حزب الله التحتية، الموجودة على بعد بضعة كيلومترات من الحدود”، قال ضابط كبير في هيئة الأركان هذا الأسبوع. “هذه خطوة مهمة في الطريق لخلق الظروف المناسبة لإعادة سكان الشمال. المس بمنظومة القيادة والسيطرة ومنظومة النيران والقدرات الهجومية لحزب الله على خط التماس تساعدنا في ذلك. ولكننا بحاجة إلى تطبيق هذا الواقع ليبقى ساري المفعول حتى بعد الحرب، وهذا يحتاج إلى استخدام القوة أيضاً بعد ذلك”.

في هذه الأثناء، يبدو أنه حلم بعيد. قيادة حزب الله الجديدة التي تستند إلى المتبقين على قيد الحياة بعد هجمات إسرائيل السابقة، ستضطر للتشاور مع أسيادها في إيران. يصعب استبعاد إمكانية تفضيل شن حرب استنزاف بدعم من إيران، مع إزعاج دائم للجبهة الداخلية الإسرائيلية. من غير المؤكد أن خيار حرب الاستنزاف سيئ لنتنياهو، الذي ينصب معظم اهتمامه على بقائه في الحكم وخارج السجن.

عاموس هرئيل

هآرتس 16/10/2024

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية