أكثر من مجرد منتخب!

تأهل المنتخب الجزائري الى نهائيات كأس أمم أفريقيا 2025/2026 المقررة في المغرب بعد تحقيقه الفوز الرابع على التوالي في العاصمة التوغولية لومي، لم يكن هو الحدث في الأوساط الإعلامية والفنية الجزائرية، التي راحت تتحدث عن تحول المنتخب من مجرد فريق يتشكل من مجموعة لاعبين متميزين الى أسرة متجانسة تعتمد على روح مجموعة استعادت البهجة والسعادة في اللعب، يتجاوب فيها كرسي الاحتياط بنفس الشكل مع زملائهم المتواجدين فوق أرضية الميدان، تأقلموا بسرعة مع مدرب جديد عرف كيف يتعامل مع لاعبيه، وكيف يستعملهم فوق الميدان، ضمن خيارات فنية وتكتيكية متنوعة، بالاعتماد على منظومة وليس مجموعة فرديات، خاصة بعد أن فرض منطقه على بلايلي وشايبي، وتمكن من احتواء القائد رياض محرز بدون صدام.
ولم يكن المدرب البوسني فلاديمير بيتكوفيتش بحاجة إلى فترة طويلة كي يتأقلم مع خصوصيات المنتخب الجزائري بكل محيطه الإعلامي والجماهيري وظروفه الصعبة التي مر بها خلال السنتين الأخيرتين، رغم اصراره على بعض الخيارات التي تبدو خاطئة، مثل الاعتماد كل مرة على ماندي وزروقي وبن رحمة، والاصرار على عدم الاستعانة بيوسف بلايلي وفارس شايبي ولو مؤقتا، في وقت تمكن فيه من تسيير ملف النجم رياض محرز والصبر عليه الى درجة انتقاله إلى جدة لملاقاته وإقناعه بضرورة الاستمرار مع المنتخب الجزائري رغم تراجع مستواه ومردوده منذ انتقاله إلى الدوري السعودي، وتأثره بكل الانتقادات التي تعرض لها منذ نهائيات كأس الأمم الأخيرة في كوت ديفوار.
بيتكوفيتش لم يكتف بتحقيق خمسة انتصارات في ست مواجهات رسمية، ولم يتأثر بالخسارة في الجزائر أمام غينيا، بل عاد بالفوز من أوغندا في الجولة الرابعة من تصفيات كأس العالم 2026 ، وحقق أربعة انتصارات في تصفيات كأس أمم أفريقيا سجل فيها عشرة أهداف وتلقى فيها هدفا واحدا، وثلاثة انتصارات متتالية خارج القواعد في مباريات رسمية وهو الأمر الذي حدث للمرة الأولى في تاريخ المنتخب الجزائري الذي استعاد لذة اللعب وعادت الى صفوف لاعبيه تلك البسمة التي كانت تنقصه حتى في كرسي الاحتياط الذي جلس فيه محرز، بونجاح، بن رحمة، غويري، بنزية، بن ناصر وعوار، بسبب خيارات فنية لم يحتج عليها أي لاعب على غير العادة.
في ظرف أربعة أيام بين مواجهتي توغو ذهابا وأيابا، أحدث بيتكوفيتش أربعة تغييرات على التشكيلة الأساسية، وقام بتغيير خط الهجوم كله، بدون أن يتأثر المردود، أو يتأثر محرز، بونجاح وبن رحمة وزرقان الذين دخلوا بدلاء في المباراة الثانية وقاموا بواجباتهم كما ينبغي، مثلما كانت ثقته في الحارس قندوز في محلها، فكان غياب ماندريا بمثابة ضارة نافعة، تشعل المنافسة بين كل الحراس الذين فتح لهم المدرب أبواب حراسة مرمى المنتخب، مثلما فتح الباب أمام فارسي لمنافسة عطال، وحجام لمزاحمة أيت نوري في الجهة اليسرى، وبوداوي وزرقان لمنافسة زروقي ، بن ناصر وعوار، اضافة الخيارات الكثيرة التي صارت مفتوحة على كل الاحتمالات في خط الهجوم.
حتى اصراره على عدم استدعاء بلايلي وشايبي، واستغنائه عن ياسين براهيمي يحسب للمدرب بيتكوفيتش الذي تحلى بالليونة والجرأة في خياراته التكتيكية المتنوعة من مباراة لأخرى، وأثناء المباريات بالانتقال من طريقة 4/3/3 الى 4/4/2 الى 3/4/3 ، مرورا بخطة 4/3/2/1 الى 3/5/2، و4/5/1 حسب ظروف المباريات والخصوم، بدون أن ننسى تفتحه على اللعب في مختلف الملاعب الجزائرية بين براقي، وهران، قسنطينة وعنابة، وقريبا تيزي وزو والدويرة، وتعامله المحكم مع الصحفيين أثناء الندوات الصحفية بأدب واحترام، بدون تعال أو تذمر من أسئلتهم التي كانت مستفزة أحيانا، وتعامل معها بهدوء وثقة في النفس.
تجاوب اللاعبين سهل على المدرب بيتكوفيتش عملية إعادة تكوين أسرة متماسكة، لا تتأثر بالغيابات، وليس مجرد منتخب كرة يقوم على لاعب أو اثنين رغم المنافسة الكبيرة على مختلف المراكز، والتي تحولت الى نعمة رغم كل المؤاخذات على خيارات المدرب البوسني في بعض المباريات لكن الانتصارات المتتالية خدمته ووضعته في موقع قوة أمام لاعبيه ووسائل الاعلام وجماهير الكرة التي عادت الى الروح بعد أن تبددت كل الشكوك والمخاوف وعادت الثقة بين كل أطراف الأسرة الكروية في الجزائر.
إعلامي جزائري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية