نيويورك (الأمم المتحدة) «القدس العربي»: بعد تقديم تقريره الأول أمام مجلس الأمن، إلتقى يان كوبيتش مع الصحافة المعتمدة في المقر الدائم للأمم المتحدة للإجابة عن أسئلة الصحافيين. وقال ردا على سؤال لـ«القدس العربي» عن سبب الصمت على هجوم الأعظمية الذي قامت به ميليشيات طائفية ضد الوقف السني، قال إننا ننظر في الأمر وإن هذا الأمر غير مقبول ويجب أن يعاقب مرتكبوه. وحول سؤال تابع عن الجهة التي ستعاقب قال كوبتش «إنها مسؤولية الحكومة العراقية التي يجب أن تعاقب كل من ينتهك القانون».
وعادت «القدس العربي» وأثارت المسألة في الإيجاز الصحافي اليومي الذي يقدمة ستيفان دو جريك، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام، حول مسألة صمت الأمم المتحدة ممثلة بالأمين العام ومبعوثه الخاص للعراق حول هجوم ميليشيات «الحشد الشعبي» يوم الأربعاء الماضي على حي الأعظمية ذي الغالبية السنية وتدمير الممتلكات ونهب الوقف السني.
ووعد المتحدث أن ينظر في المسألة. وبعد فترة زمنية قصيرة صدر بيان رسمي عن يان كوبيتش يندد فيه «بالحادث المشين المتمثل في قيام عناصر إجرامية ذات نوايا تحريضية بالإعتداء على مبنى الوقف السني في منطقة الأعظمية، وإضرامهم النار في عدد من المساكن مما أسفر عن مقتل وجرح أشخاص أبرياء حوصروا داخل مساكنهم المحترقة».
وجاء في البيان: «أنوه برئيس الوزراء وقوات الأمن والقيادة السياسية، وأيضا بالعلماء والشخصيات الدينية المدعومين من السكان المحليين في الأعظمية لمعالجتهم للحادث بحكمة، مما أتاح إعادة السيطرة على الوضع على وجه السرعة وإفشال محاولة أولئك المحرضين إذكاء توترات طائفية في المنطقة».
وأضاف «يتعين أن يظل هذان الحيان من منطقة الأعظمية- التي تمثل طريقا يستخدمها الزوار القاصدون ضريح الإمام موسى الكاظم ومنطقة الكاظمية- يتعين أن يظلا رمزا للتعايش السلمي بين العراقيين من مختلف الطوائف والمذاهب وأيضا للثقة التي كانت متبادلة بينهم في السابق.
وكان كوبيتش قد قدم تقريره الأول أمام أعضاء مجلس الأمن للمرة الأولى منذ تسلم منصبه الجديد في شهر آذار/مارس الماضي، وقال إنه حرص منذ وصوله إلى بغداد على اللقاء مع أوسع نطاق ممكن من قادة العراق السياسيين وقادة المجتمع ورجال الدين، وذلك لسماع وجهات نظرهم بشأن السبل التي يستطيع من خلالها العراق ومكوناته المختلفة تجاوز التحديات والتهديدات التي يواجهها البلد، وبدء مسار ثابت نحو الوحدة والتعاون والمصالحة والاستقرار والتنمية.
وقال وعلى الرغم من وجود توجهات واختلافات كبيرة في الآراء، إلا إنه يوجد إجماع عام يتمثل في أن تحقيق النجاح في مواجهة عدو العراق المشترك، أي ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام، فإن يتطلب الوحدة والتعاون بين كل مكونات المجتمع العراقي، والمضي قدماً في تسريع تطبيق البرنامج الحكومي والاتفاق السياسي الوطني من أجل البدء في عملية المصالحة الوطنية.
وأكد في بيانه أن قوات الأمن العراقية ومعها قوات البيشمركة وأبناء الحشد الشعبي ومتطوعو العشائر السنية، وبدعم من التحالف الدولي ودول المنطقة، يحرزون تقدماً ويقومون بتحرير المناطق من سيطرة تنظيم الدولة. ووصفهم بأنهم «منقذو العراق».
«غير أن داعش أبعد ما تكون عن الهزيمة وتبقى انتصارات الحكومة هشة في بعض الأحيان. «إن القدرة على تحرير مدينة أو منطقة لا تعني بالضرورة القدرة على الاحتفاظ بها»، كما جاء في كلمة الممثل الخاص أمام مجلس الأمن.
وعن التطورات الأخيرة في مدينة الرمادي وما حولها في محافظة الأنبار قال إن العواقب جاءت وخيمة بسبب ممارسات داعش على المدنيين إذ فر قرابة 120,000 شخص من المدينة بحثا عن ملاذ آمن، وهو تحرك أدى أيضا إلى بعض الجدل السياسي وأضاف ضغوطا على المناطق المضيفة. وأضاف «تبقى مناطق شاسعة من العراق وملايين العراقيين تحت سيطرة وتأثير داعش التي تستمر في ارتكاب جرائم بشعة وانتهاكات لحقوق الإنسان ضد الشعب العراقي بمن فيهم النساء والأطفال والأقليات. لقد أضاف داعش مؤخراً إلى جرائمه التدمير الوحشي للتراث الثقافي والتاريخي للعراق في محاولة أخرى لتدمير هويته الوطنية».
وقال إن من المهم تمكين المقاتلين المحليين والسلطات بشكل مناسب، من أجل تولي نصيبهم من المسؤولية الملقاة على عاتقهم لتحرير الأرض من داعش ومسك مناطقهم وحكمها. وينبغي تسريع جهود الحكومة لتقديم الدعم المالي والمادي الضرورين لرجال العشائر والسلطات المحلية. كما ينبغي تنسيق كل ذلك وخصوصاً الإمدادات والمساعدات العسكرية مع السلطات المختصة بالدولة وبموافقتها. وقال إنه يرحب بتشكيل لجنة حكومية مؤخراً للإشراف على تقديم الدعم، وبتصميم الحكومة العراقية على بسط السيطرة التامة على جميع العناصر المشاركة في عمليات التحرير في كل أنحاء العراق، ومساءلة الذين ارتكبوا جرائم، لأن بعض الانتهازيين والعناصر الإجرامية يواصلون إرتكاب الجرائم الشنيعة وأعمال القتل بدافع الانتقام والسلب ومصادرة الأراضي وتدمير الممتلكات العائدة للسكان المحليين والنازحين العائدين.
وقال: «ولا يسعني إلا أن أثني على الموقف الواضح لكل من رئيس الوزراء العبادي وسماحة آية ألله العظمى علي السيستاني اللذين اتخذا موقفا ثابتا ضد هذه التجاوزات».
وقال «في أغلب اجتماعاتي مع ممثلي العراق السياسيين سمعت رسالة واحدة، مفادها أن الحل العسكري بمفرده لن يكون كافياً. ولكي تكون أية مكاسب عسكرية مستدامة الأثر، يتعين على الحكومة العراقية أيضاً إستعادة ثقة المجتمعات الساخطة بأنها ستتولى جزءاً من إدارة شؤونها، وأن تكون لها ثقة في قدرة الدولة على ضمان حمايتها من العنف، وتحقيق العدالة، وخلق الظروف الملائمة لمشاركتها العادلة في المجتمع».
وأضاف كوبيتش أن الحكومة العراقية مدعوة وبشكل سريع لمواصلة اتخاذ تدابير لإعادة المسؤولية المدنية عن الأمن وسيادة القانون في المناطق المحررة. كما يتعين على الحكومة بالتنسيق مع السلطات المحلية إعادة الخدمات العامة وإعادة إعمار البنى التحتية الأساسية في أقرب وقت ممكن بغية تسهيل عودة النازحين. «لكن مما يثير القلق أن رئيس الوزراء العبادي قد أكد لي الصعوبات الجمة التي تواجهها، في الاستجابة إلى احتياجات الاستقرار المُلحّة تلك التي تضاف إلى الاحتياجات الانسانية الهائلة.
فالحكومة تواجه عراقيل كبيرة فيما يتعلق بالأموال والمواد المطلوبة للاستقرار وإعادة التأهيل. فالمناطق المحررة في حاجة عاجلة إلى تطهيرها من المخلفات الحربية المتفجرة، وأنا آمل على نحو خاص أن أرى إعادة تفعيل قوية لدور دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام UNMAS في العراق، ولا يمكن أن يتحقق هذا بدون دعم الجهات المانحة».
وطالب كوبيتش أعضاء مجلس الأمن والمجتمع الدولي بكامله، بدعم جهود الحكومة العراقية وتوفير التمويل للعديد من الاحتياجات، لأن العراق حاليا غير قادر على مواجهة تحديات الأمن والأزمة الانسانية والجهود المطلوبة للاستقرار وإعادة التأهيل بمفرده. وللأسف، فإنه رغم أن الحاجة العاجلة إلى دعم متواصل وكبير للعراق تكتسي أهمية بالغة فإن استجابة المجتمع الدولي غير كافية بشكل كبير، كما لو أن وجود أزمات قديمة وجديدة أخرى كافٍ لتبرير تراجع الاهتمام بالمحنة التي حلت بالعراق وشعبه. إن غياب الدعم قد يفضي في نهاية المطاف إلى تبديد الفرص القائمة لنجاح العراق في حربه ضد الإرهاب، وجعله مثالاً يحتذى به في أجزاء أخرى من المنطقة وما وراءها، وعلى عكس بعض التوجهات السائدة في أماكن أخرى. وبغياب دعم من هذا القبيل فإن هذه الفرصة الضعيفة قد تختفي.
وقال الممثل الخاص للأمين العام إن جهود المصالحة الوطنية ذات أهمية أساسية للتغلب على التحديات الكامنة التي تواجه العراق ووحدته، وإيجاد حلول مستدامة للتعايش السلمي، والتعاون وتنمية مكونات العراق المتنوعة. وعليه يتعين بذل المزيد من الجهود الفعالة والمثمرة من طرف الحكومة والقوى السياسية لتبنّي تشريع ذي أولوية يدعم جهود المصالحة الوطنية.
وأكد كوبيتش أن رئيس الوزراء لديه مسودة قانون للعفو العام. ويجري مجلس النواب الصياغة النهائية لتشريع يفضي إلى تحقيق التمثيل المتوازن في المؤسسات العراقية، كما أن قانون الحرس الوطني مطروح حالياً للنقاش. «ينبغي ان تُقرن جهود الحوار السياسي هذه بجهود ترمي إلى تعزيز المصالحة على مستوى المجتمع. وتقع على عاتق رجال الدين والعلماء ووجهاء المجتمع ورؤساء العشائر والسياسيين على حدٍ سواء مسؤولية تعزيز مبادئ نبذ العنف والتسامح الديني والشمولية والعفو فضلاً عن المساءلة عن الجرائم التي ارتكبت».
وحول الوضع الأمني قال إنه غير مستقر فأعمال العنف تواصل إلحاق خسائر فادحة في صفوف الرجال والنساء والأطفال من جميع المكونات العراقية.
فمنذ حزيران/يونيو من العام الماضي وحتى نهاية نيسان/ابريل من هذا العام، بلغ عدد الضحايا من المدنيين أكثر من 44 ألف شخص، من بينهم 15.219 قتيلاً و29.493 جريحاً. ولقد تضررت البعثة هي الأخرى عندما تم اختطاف أحد موظفيها المحليين بتاريخ 26 نيسان/ابريل على يد مسلحين مجهولين في مدينة بعقوبة في محافظة ديالى. ويساور الأمم المتحدة قلق متزايد لعدم تحقيق تقدم في هذا المجال وتحث بقوة السلطات العراقية المعنية لضمان إطلاق سراحه بسرعة.
وفي نهاية تقريره الأول قال إنه ما زال ينظر إلى الأوضاع بمنظور إيجابي رغم التعقيدات والمضاعفات الهائلة والمعوقات والمخاطر. «التقدم بطيء، بغض النظر عن الرؤية الواضحة للحكومة والإرادة السياسية لرئيس الوزراء.
فمحنة العراق وشعبه تحجبها تطورات أخرى في المنطقة بنحو غير عادل وغير مُبرر، في الوقت الذي تزداد فيه الحاجة إلى مزيد من الدعم لمواجهة داعش الإرهابي ودحره، والعمل من أجل وحدة العراق على أساس تحقيق التوازن بين حقوق ومصالح مكوناته. ومع ذلك، فالفرص موجودة أيضا.
إذ إن هناك حاجة إلى الدعم السياسي والمالي والمادي الكافي والمستمر وطويل الأمد للعراق وحكومته وشعبه من قبل المجتمع الدولي، لاسيما دول المنطقة، لتحويل تلك الفرص إلى واقع ملموس، لصالح العراق والمنطقة و خارجها».
عبد الحميد صيام