لبنان أمام شتاء طويل: بين التصعيد العسكري والأزمة السياسية

حجم الخط
0

سحابة كثيفة من التشاؤم سابقت زيارة كل من المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط إلى بيروت أمس. فالبون لم يزل واسعاً بين ما يطالب به الإسرائيليون والأمريكيون وبين ما يمكن أن يقبل به “حزب الله” ومن ورائه إيران في اللحظة الحالية. إذ يرفض الطرف الأكثر امتلاكاً للقوة التدميرية والمتعطش لسفك الدماء وقف النار أولاً ويصرّ على التفاوض تحت القصف، بل يوسع دائرة استهدافاته على نحو محموم وخطير.
أما “حزب الله” الذي أصيب بسلسلة ضربات قاسية جدّاً في الأسابيع الأخيرة، فهو يؤكد بأن ما استطاع إعادة ترتيبه من وضع تنظيمي طارئ ومن قدرة على توجيه الصواريخ والمسيرات نحو العمق الإسرائيلي تجعل العامل الزمني في صالحه، بل تراه يعوّل على استطالة العامل الزمني لامتصاص التفوق التكنولوجي الإسرائيلي كلما امتد أمد القتال.
بالتالي هو يرى أن بمستطاعه الاستمرار في المواجهة، مقدماً في الوقت نفسه إشارات من شأنها أن تفيد استعداده لفصل مسار الحرب في لبنان عن غزة، إنما مع المطالبة بوقف النار أولاً ومن ثم التفاوض على ما ينبغي عليه أو للدولة اللبنانية القيام به. بيد أن الحزب ليس في موقع رفض المفاوضات جملة حتى ولو استمر القصف بل حتى ولو توسع نطاقه.
وجهة نظر الحزب، والتي يعكسها المفاوض الأول على الضفة اللبنانية نبيه بري هو أن إسرائيل قامت حتى الآن بكل ما تستطيع القيام به حيال لبنان وما لم تستطع انتزاعه بنفسها من الحزب لن يقدّمه هو لها على طبق من فضّة، وبالتالي لا يمكن الاسترسال كثيراً في البناء على عوامل داخلية لبنانية، وفي الأساس منها التهجير القسري لغالبية أبناء الجنوب وأكثرية الطائفة الشيعية. ويميل حزب الله هنا إلى معادلة هذه المآسي مع مغادرة عشرات الآلاف من الإسرائيليين لمناطق الشمال، وإن كان الفارق هنا كبيراً سواء في حجم النزوح أو في جهوزية الدولتين والمجتمعين على إدارة هذا الملف.
عنوان آخر للتفاوض متصل برئاسة الجمهورية في لبنان. أظهر الثنائي الشيعي أمل – حزب الله التصلب هنا: بأن لا رئاسة قبل وقف إطلاق النار، ولا تسهيل من طرفهما في ظل الموازين والمعطيات الحالية لأي مبادرة من شأنها إيصال قائد الجيش جوزيف عون إلى قصر بعبدا، هو الذي يقترب تمديد ولايته في هذا المنصب على الانتهاء مطلع كانون الثاني/ يناير المقبل، وهنا أيضاً لن يقوم الثنائي حزب الله – بري بتقديم أي تسهيل لإيجاد حل لهذه المعضلة الإضافية. على العكس، يمكن أن يكون لبنان عما قريب في ظل شغور أو تبديل في هذا المركز الحساس، بما يخلق المزيد من التصدعات في بنيان ما بقي من دولة ومن نظام سياسي.
كل هذا والحرب الإسرائيلية أخذت تستهدف فروع مؤسسة “القرض الحسن” المالية، والتي شهدت للمفارقة، لجوءاً أوسع إليها عند المواطنين الشيعة بالخصوص، منذ انتكاسة النظام المصرفي اللبناني قبل خمس سنوات. ويبدو أن ليس هناك حتى الآن أي قناة من شأنها ثني إسرائيل عن توسيع ضرباتها، بل الخشية أن تجد نفسها في حل من أي اعتبار من هذا القبيل فيما الناخبون الأمريكيون يتحضرون للإدلاء بأصواتهم. اللبنانيون يتحضرون لشتاء قاس جداً وطويل لكن إسرائيل تجد صعوبة جدية في ترجمة التدمير الواسع الذي قامت به إلى وضع سياسي جديد.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية