زيارة ماكرون للمغرب: تجديد لدعم سيادة المغرب على الصحراء الغربية وعقود واتفاقيات استثمارية

آدم جابر
حجم الخط
0

وعد الرئيس الفرنسي في الرباط بأن تنشط بلاده على الصعيد الدبلوماسي في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لدعم مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب كحل وحيد للنزاع حول الصحراء الغربية.

باريس ـ «القدس العربي»: حظي الرئيسُ الفرنسي إيمانويل ماكرون باستقبال فخم وحافل خلال زيارة الدولة التي أجراها بداية الأسبوع إلى العاصمة المغربية الرباط واستمرت ثلاثة أيام، والتي توّجت إعادة العلاقات إلى مجاريها بين المغرب وفرنسا، بعد توتر دبلوماسي حادّ خلال السنوات الأخيرة، بسبب خلافات من بينها شبهات تنصّت من جانب المغرب على هاتف الرئيس الفرنسي، وخفض فرنسا عدد تأشيرات الدخول الممنوحة إلى مواطني المغرب لدفع الرباط إلى استعادة مواطنيها غير المرغوب فيهم في فرنسا، وموقف فرنسا من قضية الصحراء الغربية.

الزيارة التي رافق الرئيس الفرنسي فيها وفد رفيع ضم العديد من الوزراء ورجال الأعمال وشخصيات في مجالات عدّة، أتت بدعوة من العاهل المغربي، عقب تغيير الموقف الفرنسي من ملف الصحراء بعد ضغط المغرب عليها لتحذو حذو واشنطن التي أعلنت أواخر عام 2020 اعترافها بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، والذي يُعدّ الأساس لتطبيع علاقاته مع فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن الذي يصدر قرارات سنوية حول هذا النزاع. وقد تمثلت أقوى لحظاتها الدبلوماسية في تجديد إيمانويل ماكرون، في خطاب أمام البرلمان المغربي، التأكيد على تأييد بلاده «لسيادة» المغرب على الصحراء الغربية، واعداً باستثمارات فرنسية في هذا الإقليم المتنازع عليه. حيث قال الرئيس الفرنسي: «أعيد التأكيد أمامكم، أنه بالنسبة لفرنسا، فإن حاضر هذه المنطقة ومستقبلها يندرج في إطار السيادة المغربية. أقولها أيضا بكل قوة، الفاعلون الاقتصاديون وشركاتنا سيرافقون تنمية هذه المنطقة عبر استثمارات ومبادرات دائمة وتضامنية لصالح سكانها» ما أثار تصفيقا حارا من قبل البرلمانيين. كما وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الرباط بأن تنشط بلاده على الصعيد الدبلوماسي في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لدعم مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب كحل وحيد للنزاع وحول الصحراء الغربية. وشكر رئيس مجلس النواب رشيد طالبي علمي فرنسا على «موقفها التاريخي». فيما اعتبر رئيس الغرفة الثانية للبرلمان المغربي محمد ولد الرشيد، وهو صحراوي، أنه موقف باريس «يشكل لحظة فاصلة في مسار التطور الإيجابي للحل النهائي لهذه القضية».
تميزت زيارة الدولة هذه للرئيس الفرنسي إلى الرباط كذلك بالتوقيع إعلان مشترك بإرساء «شراكة استثنائية وطيدة» تنص خاصة على مبادئ «العلاقة المتساوية بين دولتين، والمساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفي اختيارات السياسة الخارجية، واحترام الالتزامات المبرمة، والثقة، والتشاور المسبق…إلخ. وأوضح الرئيس الفرنسي أنه سيقوم مع العاهل المغربي، في أسرع وقت، بتعيين لجنة مراقبة مشتركة تكون مسؤولة عن تزويدهما بالمقترحات في هذا الاتجاه، اعتبارا من الربع الأول من العام المقبل، من أجل تحديد خطوطها العريضة لهذه الشراكة. وأشار إلى أن المغرب سيكون بذلك أول بلد خارج الاتحاد الأوروبي تتعاون معه فرنسا بشكل مكثف.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد تميزت زيارة الدولة هذه للرئيس الفرنسي إلى الرباط بإبرام البلدين نحو 40 عقدا واتفاق استثمار، بقيمة ناهزت 10 مليارات يورو، بما في ذلك توقيع شركات فرنسية لمجموعة عقود مع شركاء مغاربة لإنجاز عدة مشاريع في الصحراء الغربية تشمل إنتاج خاصة ونقل الطاقات المتجددة. يضاف إلى ذلك اتفاق في مجال النقل السكك الحديدي يضمن مشاركة شركتي ألستوم وإيجيس الفرنسيتين في الشطر الثاني للخط فائق السرعة بين مدينتي طنجة ومراكش المغربيتين. وللتذكير، كانت فرنسا تأمل في أن تبقى الطرف الرئيس في توسيع خط القطارات السريعة، بعدما حظيت بصفقة شطرها الأول بين مدينتي طنجة والدار البيضاء، والذي دشّنه العاهل المغرب محمد السادي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2018 ويعد الأول من نوعه على الصعيد الأفريقي.
ومن المتوقع أن يسرّع تنظيم المغرب لبطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2030 مع كل من إسبانيا والبرتغال في إنجاز مشروع القطار فائق السرعة بين مدينتي طنجة ومراكش المغربيتين، حسب مراقبين. وتطرق الرئيس الفرنسي إلى «شغف مشترك» بين البلدين لكرة القدم، معربا عن أمله في أن تكون استضافة المغرب لمونديال 2030 «ناجحة». وقال ماكرون ممازحاً «إذا كان هناك من مجال واحد نصرّ فيه على الاختلاف، فهو كرة القدم حصرا» ذلك في إشارة إلى المباراة التي فازت فيها فرنسا على المغرب في نصف نهائي مونديال قطر.
كما تم التوقيع على اتفاقية «لتفعيل عرض المغرب في قطاع الهيدروجين الأخضر» بين شركة توتال إنجي والحكومة المغربية، التي تُراهن على التموقع في السوق الدولية لهذه المادة، وكانت قد أعلنت قبل بضعة أيام عن توصلها بـ40 مشروعا ستخضع للانتقاء لاحقا، وجلها في منطقة الصحراء الغربية. وأيضاً، اتفق عملاق الطيران الفرنسي سافران والحكومة المغربيّة على إنشاء «وحدة لصيانة محرّكات الطائرات وإصلاحها» فيما أعلنت شركة الملاحة البحرية الفرنسية «سي ام اي سي جي ام» عن إبرام شراكة لاستغلال رصيف الحاويات في ميناء الناظور المغربي، مناصفة مع شركة «مارسا ماروك» المغربية لمدة 25 عاما.
بخصوص ملف التعاون في مكافحة الهجرة غير الشرعية، الذي اعتُبر الموضوع المحفوف بالمخاطر في رحلة إيمانويل ماكرون إلى المغرب، ويحظى الملف باهتمام كبير لدى الجانب الفرنسي، فقد دعا إيمانويل ماكرون إلى «تعاون طبيعي وسلس يحقق نتائج أوضح» وذلك في وقت يسعى فيه وزير الداخلية الفرنسي الجديد برونو روتايو، الذي يعتمد نهجا صارما، إلى دفع بلدان منطقة المغرب العربي، بما فيها المغرب، إلى استعادة مواطنيها غير النظاميين غير المرغوب فيهم على الأراضي الفرنسية. وكان الوزير الفرنسي قد تحدث عن المغرب كمثال، مشيرا إلى أنه في عام 2023 تم منح 238 ألف تأشيرة لمواطنين مغاربة مقابل 1680 فقط إعادة قسرية إلى وطنهم. وقال للدول المعنية: «إذا لم تصدروا لنا المزيد من التصاريح القنصلية لطرد مواطنيكم الجانحين، فسنصدر من جانبنا تأشيرات أقل لجميع مواطنيكم». وهي إستراتيجية استخدمها بالفعل سلفه جيرالد دارمانان في خريف عام 2021 حيث قرر خفض التأشيرات للمغاربة والجزائريين والتونسيين إلى النصف، في قرار تسبب بتسميم العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا والمغرب العربي. وندد المغرب بإجراء «غير مبرر» واعتبرتها المنظمات غير الحكومية «مهينة». غير أن فرنسا تراجعت عنه في كانون الأول/ديسمبر عام 2022. وتوجهت رئيسة الدبلوماسية الفرنسية آنذاك كاترين كولونا إلى الرباط لتعلن شخصيا نهاية هذا الإجراء، في محاولة من باريس لإعادة التواصل مع الرباط.
وبعد محادثاته مع نظيره المغربي عبد الوافي لفتيت، على هامش زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون، شدد بورنو روتايو على الرغبة المشتركة في العمل على «إجراءات تحديد هوية الأشخاص الذين لم يتم توثيق أصلهم» من أجل «تقصير المواعيد النهائية وعمل أفضل فيما يتعلق بأعداد الأشخاص الذين تريد باريس إعادتهم إلى المغرب». لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، شدد في ختام زيارته على أنه لا ينبغي خلط هذا الموضوع بإمكانية «التحرك بمرونة وسهولة أكبر» بين البلدين، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتبادلات الثقافية أو غيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية