“ووترغيت الإسرائيلية”: تلاعب بالوسطاء وضحى بـ”الهدف الرئيسي” وضلل الجمهور وكذب على العالم وتنصل من مستشاره

حجم الخط
0

عاموس هرئيل

يفضل إلا تتوقع المعارضة وحركة الاحتجاج الكثير بشأن القضية الأمنية الجديدة. رئيس الحكومة نتنياهو، الذي تحلق فوقه غيمة من الشكوك والاتهامات، يمكنه النجاة بسلام أيضاً من الفضيحة الأخيرة، التي ما زال جزء من تفاصيلها ممنوعاً عن النشر. في مكتب نتنياهو طبقة كثيفة من التمايز والحماية التي تهدف إلى تمكين رئيس الحكومة من ادعاء البراءة ونفي أي صلة فعلية له بما ينسب لموظفيه (في هذه الحالة يمكن التنصل حتى من تشغيلهم).

ما سيحدث هنا أننا سنحصل على نظرة خاطفة إلى ماكينة الدعاية والسم التي تستخدم ضدنا كمواطنين منذ عقد تقريباً. سيكون هذا أمراً مثيراً للاشمئزاز، لكنه مسلٍ، وربما سيتورط أحد ما من المستشارين والمساعدين في المكتب كما حدث في السابق.

قلصت المحكمة أول أمس القيود على منع النشر، حيث تسمح الآن بالربط بين عدد من النقاط في هذه القضية. في الاعتقال الآن مواطن على ذمة التحقيق، وهو متحدث عمل في مكتب رئيس الحكومة (حول نفيه سنتحدث فيما بعد)، وثمة عدد آخر من المشبوهين. يتعلق الاشتباه الرئيسي بأن هذا المواطن أخرج وثائق سرية جداً تخص الجيش، بشكل غير قانوني، ووجدت طريقها إلى وسائل الإعلام الأجنبية بشكل خدم الخط الذي يتبعه مكتب نتنياهو، بعد أن أعطيت لها تفسيرات متلاعبة؛ أي أن التهمة مزدوجة: استخدام غير قانوني لمواد استخباري، ثم تشويهها.

يتبين من منشورات مختلفة أن لب ما حدث وجد في أسبوع. بعد العثور على جثث ستة مخطوفين الذين قتلوا على يد حماس في رفح، حدث ضغط كبير من قبل الجمهور على الحكومة من أجل استئناف العمليات للتوصل إلى صفقة لتحرير المخطوفين الآخرين. يبدو أن التسريب المشوه هدف إلى صد هذا الضغط وإلقاء كل المسؤولية على الجمود في الاتصالات على قادة الخاطفين، أي على زعيم حماس، السنوار، الذي قتل فيما بعد في حادثة مع قوة للجيش الإسرائيلي.

منذ بداية الحرب، ونتنياهو يعيش صراعاً على بقائه السياسي، الذي تفاقم حتى مقارنة مع بداية محاكمته في 2021، والانقلاب النظامي في 2023. واستهدف الجهد الرئيسي لتزيل عنه كل المسؤولية عن الإخفاقات التي مكنت من حدوث المذبحة في 7 تشرين الأول من السنة الماضية، وتوجيه النار إلى قيادة الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” وخصومه السياسيين، ومن بينهم وزير الدفاع غالنت. عندما حقق هذا الجهد نجاحاً نسبياً في أوساط مؤيديه، قام نتنياهو بتوسيعه إلى قضية المخطوفين.

ومكن نتنياهو من عقد صفقة المخطوفين الأولى في تشرين الثاني من السنة الماضية، لأنها لم تكن تنطوي على ثمن باهظ بالنسبة له. ولكن نتنياهو تهرب بعد ذلك دائماً من عقد صفقة أخرى. وقد ساعد في ذلك أيضاً رفض حماس، المتهمة الرئيسية بالمأساة من البداية. ولكن بقاء الائتلاف هو ما بقي أمام ناظري نتنياهو. شركاؤه في اليمين المتطرف، وتحديداً بن غفير وسموتريتش، يعارضون أي صفقة (لأنهم يريدون احتلالاً دائماً للقطاع وإعادة الاستيطان هناك). في حين أن ما يهم نتنياهو هو استقرار الحكومة أكثر من حياة المخطوفين. برز هذا الأمر في كانون الثاني الماضي، وعلى الأقل حتى تموز، عندما منعت تسريبات وإحاطات ممنهجة من مكتب رئيس الحكومة حدوث أي انعطافة في المفاوضات.

ظهرت في بداية أيلول الماضي، مشكلة جديدة بعد قتل المخطوفين الستة. هنا دخلت حملة تعويق الصفقة إلى عملية تسريع إزاء المظاهرات في البلاد التي طالبت بإنقاذ باقي المخطوفين. بدأ نتنياهو يتحدث في خطاباته بشكل مطول بأن على إسرائيل الاحتفاظ بمحور فيلادلفيا. وهكذا فقد وضع عائقاً واضحاً أمام عقد الصفقة، وهو ما فاجأ رؤساء جهاز الأمن الذين لم يعطوا هذا المحور أهمية مشابهة.

حسب التهمة، فإن الوسيلة الأخرى التي استخدمها المكتب هي التسريب لصحيفتين أجنبيتين؛ حصلت صحيفة “جويش كرونيكال” البريطانية على معلومات خاطئة حول الخوف من أن يهرب السنوار المخطوفين إلى مصر ومنها إلى إيران، لذلك من الجدير الاحتفاظ بمحور فيلادلفيا (المراسل المسؤول عن ذلك اتُّهم لاحقاً بأنه شخص محتال وأقيل من الصحيفة. أما صحيفة “بيلد” الألمانية فعرضت ما وصف بأنه وثائق استخبارية سرية من إسرائيل، التي بحسبها لا يريد السنوار إطلاقاً عقد الصفقة. من هنا جاء ادعاء بأن الجيش الإسرائيلي يرتكب خطأ مزدوجاً. فهو يخفي المعلومات الحاسمة عن الجمهور الإسرائيلي، ويتهم نتنياهو بأنه هو الذي يفشل الصفقة.

الزوجان نتنياهو والمراسلون المتعاطفون، كرروا هذه الادعاءات في بداية أيلول. بعد ذلك فوراً، خفت الاحتجاج وتم إبعاد المخطوفين مرة أخرى إلى أسفل جدول الأعمال، لأن المواجهة مع حزب الله تفاقمت في هذه الأثناء لتصل إلى حرب شاملة، وتم استئناف تبادل اللكمات بين إسرائيل وإيران. ولكن عملياً، يثور شك بأنه تمت هنا إدارة عملية حرب نفسية من خلال مكتب نتنياهو، لأن الهدف الذي كان يجب التأثير عليه ليس العدو، بل مواطنو إسرائيل. في الحقيقة، طرحت حماس دائماً خطاً متشدداً في المفاوضات، لكن لم يحدث أي تغيير حقيقي في مواقفها؛ فاشترطت إعادة المخطوفين مقابل وقف الحرب وانسحاب إسرائيل من غزة، إضافة إلى إطلاق سراح عدد كبير من السجناء الفلسطينيين (رغم أنه طلب أفردت له هامش مرونة كبيراً).

في غضون ذلك، اشتعل لدى الجيش ضوء تحذير؛ فبعد ما نشر في ألمانيا وبريطانيا، كان واضحاً للاستخبارات العسكرية “أمان” بأنه تم استخدام معلومات داخلية حساسة. لذلك، تم فتح تحقيق في قسم أمن المعلومات لدى الجيش، والذي بسبب خطورته انتقل التحقيق بسرعة إلى “الشاباك”، الجسم الأكثر خبرة والذي لديه صلاحيات أوسع لإجراء التحقيق.

مساعدة العدو أثناء الحرب

سمحت المحكمة بنشر تفاصيل من بيان النيابة العامة أثناء طلب تمديد الاعتقال، الذي بناء عليه “يجري فحص موضوع نقل معلومات سرية خلافاً للقانون. وتشمل القضية الاشتباه بتعريض معلومات حساسة للخطر، والمس بتحقيق أهداف الحرب”. في نهاية المطاف، يبدو أن القصد هو محاولة التشويش على إعادة المخطوفين، وهو أحد الأهداف الرئيسية التي حددتها الحكومة للحرب.

هذا تفسير واسع، ولا نعرف إذا كانت النيابة العامة ستتمسك به حال تقديم لائحة اتهام. ثمة طريقة أخرى للادعاء بوجود اشتباه حول مساعدة العدو أثناء الحرب، أي المخالفة الأخطر في كتاب القوانين، مخالفة الخيانة. يظهر من هذه الأقوال ضمناً أن الأمر لا يتعلق فقط بمواد استخبارية تم وضع اليد عليها كغنيمة في الأنفاق، ثم تسريبها، بل يتعلق بمعلومات حساسة جداً تستند إلى فهم في الوقت الحقيقي لخطوات حماس. وثمة مسألة رئيسية أخرى تتعلق بالعلاقة بين المتهم الرئيسي والمتهمين الآخرين، وهي: هل توسط بينهم أحد؟ هل انتقلت معلومات استخبارية خام أو “أعيدت صياغة” لوثائق رسمية؟ هل يوجد أشخاص آخرون في محيط نتنياهو عرفوا عن هذه العملية؟

ما زالت المحكمة تحظر نشر اسم المتهم الرئيسي الذي نشرت صورته المخفية من قبل في وسائل الإعلام الإسرائيلية. الكشف عن اسمه على بعد كبسة زر واحدة في الشبكات الاجتماعية في إسرائيل وفي الخارج (التي كالعادة، تنشر القصة مع التحيز والأخطاء). في نهاية الأسبوع، تنصل مكتب رئيس الحكومة من المشتبه فيه وادعى بأن شخصاً في المكتب لم يتم اعتقاله أو التحقيق معه. هذا أيضاً تلاعب كاذب. المشتبه فيه، كما هو معروف لعشرات المراسلين الذين كانوا على تواصل معه، عمل بصورة ملاصقة لرئيس الحكومة طوال الحرب، لذلك هو يظهر في صور كثيرة في الأرشيف بجانب نتنياهو، لا سيما أثناء زياراته لقواعد الجيش.

إذا لم يتم توظيفه رسمياً هناك، فقد حدث ذلك لأنه فشل في فحص السرية الأمنية المطلوبة. حذر “الشاباك” في هذا الشأن، لكنه مع ذلك، واصل عمله في صالح المكتب. إضافة إلى ذلك، حاول مكتب رئيس الحكومة في الأيام الأولى إلقاء الذنب على المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي لتشغيله في إطار أيام الاحتياط. رفض الجيش ذلك بذريعة منطقية؛ أن الشخص المتورط في تشويه رئيس الأركان لا يجب أن يحصل على المال من الجيش الإسرائيلي. اقتبست وسائل الإعلام مقربين من المتهم في نهاية الأسبوع: “نتنياهو يكذب ويرميه تحت الإطارات. هو لم يعمل لديه فحسب، بل جلس عنده طوال اليوم في المكتب، ورافقه في كل جولاته”.

نتنياهو، كما يظهر من التحقيقات التي أجريت معه، يهتم بعدم إبقاء أي شهادة موثقة عن العمليات، التي قد يتضح بأنها غير قانونية. من جهة أخرى، له استحواذ موثق تغطيته إعلامياً، تغطية ورطته في قضيتين في السابق: الملف 2000 والملف 4000. وبسبب الردود الصاخبة والمتناقضة التي تخرج من مكتبه، يبدو أن المكتب هذه مرة أخرى يتعرق كالعادة.

الهاتف الذكي، خلافاً للهاتف المحمول العادي الذي يستخدمه كثير من الحريديم، بدا جهازاً رائعاً؛ فيه توثيق للمراسلات والتسجيلات، ومعظم ما تم مسحه يمكن للمحققين استعادته. اذهبوا واعرفوا أي معلومات آثمة وجدت في هاتف المشتبه فيه الرئيسي بعد سنة من الانشغال الكبير بالدفع قدماً بأهداف رئيس الحكومة. مرة كل بضع سنوات، من الجدير العودة واقتباس فيلم “كل رجال الرئيس” حول قضية “ووتر غيت” التي ورطت وأسقطت الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في السبعينيات: “الحقيقة، أن هؤلاء ليسوا رجالاً لامعين بشكل خاص، والأمور خرجت عن السيطرة”.

 هآرتس 3/11/2024

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية