عمان ـ «القدس العربي»: قبل نحو شهرين وفي أحد المقرات السيادية في الأردن، وصف المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب بأنه «ليس خصماً للأردن، لا بل يوجد نوع من الصداقة معه لكنها ليست ضامنة لأي شيء في الواقع».
ترامب خطر على العالم
برز ذلك التقييم مع الإشارة إلى أن مشكلة فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية تتجاوز الأردن فقط، باعتبارها مشكلة دولية وعالمية. «ترامب خطر على العالم وليس على الأردن فقط» هذا هو الانطباع في زوايا عمان الضيقة.
اللهجة وسط الرسميين الأردنيين الكبار بخصوص سيناريو فوز ترامب لا تبدو مخيفة إلى حد ملموس لدوائر القرار الأردنية، بالرغم من كل الخطاب الشعبوي الذي أثارته ملاحظة دعائية عالمية للمرشح ترامب وسط الأردنيين عندما عبر عن قلقه بأن مساحة دولة الكيان الإسرائيلي محدودة وصغيرة ولا بد من توسيعها.
المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، كان أول من علق جرس الإنذار المتعلق بخطاب ترامب وسط الجمهور عندما سأل علناً في مهرجان خطابي: بأي اتجاه يريد ترامب توسعة إسرائيل جغرافياً؟
حتى في مواصفات خبير بالمؤسسات الأمريكية مثل الدكتور مروان المعشر، تلك التوسعة التي يقترحها ترامب بالضرورة على حساب الأردن، علماً أن المعشر حذر في وقت مبكر من عناصر التشبيك بين اليمين الإسرائيلي ونظيره الأمريكي، على اعتبار أن من يحكم دولة الكيان الآن هم أولئك المتطرفون الساعون للوطن البديل. وكان لافتاً للنظر أن يقولها المعشر بحضور «القدس العربي» في ندوات 3 مرات على الأقل مؤخراً.
لكن اللافت للنظر أكثر هو أن الحكومة الأردنية وفي الخطاب الرسمي لا تناقش مخاطر عودة ترامب، بل دخلت المسألة في نطاق الاحتمالات على مستوى الجاهزية الاستراتيجية الأردنية لكل السيناريوهات.
وعناصر الرفض الرسمي لعودة ترامب مقتصرة فقط على ما يسميه كثيرون اليوم بـ «وهم حل الدولتين» الذي يختار الأردن حصراً على أساسه تمنيات سياسية بأن تفوز كامالا هاريس بالانتخابات المرشحة.
وما يبدو عليه الأمر في عمان أن الشارع الأردني قلق من شبح ترامب أكثر من مؤسسات الحكومة التي لا تعلق على هذا الملف الحساس، فيما تتوسع رقعة القلق الشعبية على الأقل قبل ساعات فاصلة من النتائج الحاسمة للانتخابات الأمريكية. يتحدث المعشر وآخرون من الخبراء عن ضرورة الاستعداد لصفقة القرن.
في الأثناء، يقرأ المشتبكون سياسياً وإعلامياً في العاصمة الأردنية، المرحلة والمسألة والملف انطلاقاً من عدة زوايا؛ فقد أبلغ المحلل السياسي والمتابع التفصيلي للتطورات، عريب الرنتاوي، مؤخراً في ندوة مفتوحة، بأن ما سمعه من مسؤولين أوربيين مؤخراً يشير إلى أن اليمين الإسرائيلي خطته أصبحت واضحة وتتمثل في السيطرة المطلقة، بمعنى ضم مناطق أراضي «سي» في الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان فيها، خلافاً لاقتطاع شمالي قطاع غزة والسيطرة الأمنية المطلقة عليه، والتأسيس لشريط حدودي أمني مع لبنان.
خطة واضحة
تلك خطة واضحة الملامح وفقاً للرنتاوي، الذي كشف النقاب عن اتصالات مع مسؤولين أوروبيين يقولون ذلك ويتعاملون معه باعتباره تمثيلاً لوقائع تمضي على الأرض حتى بصرف النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
في المقابل، وفي نقاش مع «القدس العربي» مرتبط بالنقاشات الأمريكية الحادة، يطرح المحلل والخبير السياسي الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح، مقاربة تبدو علمية أكثر وهو يحذر من تأثيرات الغرق في المقارنات ما بين هاريس وترامب.
يسأل الدكتور شقديح: هل نعتمد في المقارنة بينهما عدد القتلى من الشعب الفلسطيني أم حجم الأرض المسروقة للمستوطنات، أم نعتمد الدعم المالي والعسكري للكيان ومستويات التعاطي مع العنصرية؟
ويجيب على السؤال قائلاً: بكل بساطة، إن اعتمدنا هذه المقارنات، قد يكون الجواب على السؤال لصالح ترامب. وفي حال «أردنة» السؤال والجواب، يمكن التوقف عند الملاحظة التي يهمس بها السياسي الأردني مروان الفاعوري وهو يعتبر أن «الخل أخو الخردل».
لكن القيمة المضافة من زاوية الشعب الأردني إذا ما تمكن ترامب من السيطرة والعودة، هي تلك التي تقترح ـ في رأي الفاعوري ـ أن لحظة المصارحة والحقيقة أقوى بوجود ترامب بدلاً من الاسترسال في الغرق بوهم الديمقراطيين والليبراليين الأمريكيين الذين مولوا وذخروا عملياً حرب الإبادة ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني.
يقف الفاعوري مجدداً أمام السؤال الأردني في تلك المقاربات، ويقرر بأن الوضع النموذجي والأفضل وطنياً هو ترك الأوهام والتعامل مع الوقائع القائلة بأن الحليف الأمريكي، بصرف النظر عن ترامب أو هاريس، يدعم وبقوة وبكل التفاصيل العدو الأبرز والوحيد للشعب الأردني ومصالحه.
وهنا يمكن البقاء في حالة مراقبة لموقف الإطارين الشعبي والرسمي الأردني تجاه النتائج الوشيكة لانتخابات الرئاسة الأمريكية.
ولسبب لا يزال غامضاً، يمكن القول إن المؤسسة الرسمية قلقة في كل حال، لكن لا تعتبر عودة ترامب مخيفة جداً، وإن كانت مرحلته ستكون معقدة وصعبة فيما يقال خلف الستائر والكواليس بأن على عمان إذا ما عاد ترامب إلى الواجهة، أن تتعامل معه بطريقة مختلفة عن تعاملها مع طاقمه وصفقة القرن بنسختها الأولى في الماضي، دون أن يعني ذلك بالقياسات الرسمية بعد التسليم والخضوع لأي أجندة قد يقترحها أي رئيس مقبل للولايات المتحدة.