قصة معارض سوري غادر مدينته جسر الشغور عام 1980 وعاد إليها بعد التحرير

حجم الخط
1

جسر الشغور ـ «القدس العربي» غادر المعارض السوري عبد الرحيم بحرو مدينته جسر الشغور في ريف إدلب الغربي في ثمانينات القرن الماضي، وعاد إليها بعيد تحريرها ويقول مخاطبا نفسه بعد غياب قسري دام 35 عاما: «ساعة كاملة مرت كلمح البصر، حلم من الأحلام لا أدري أهو حقيقة أم خيال، لو لم التقط بعض الصور، وأعدت رؤيتها لقلت في نفسي إنه حلم يا أبا يحيى إنه حلم، ولكنها الحقيقة، نعم تحقق الحلم ولكن يالها من حقيقة… دخلت مدينتي جسر الشغور وشريط الأحداث ودفتر الذكريات يقلب بسرعة البرق صفحة وراء صفحة، لا أستطيع تتبعها لسرعته، أسعى جاهدا أن أطابق ما بين الواقع الذي أراه وما بين الصور القديمة التي تمر في ذاكرتي. أول صورة تطابقت بين الماضي والحاضر هي بيت أستاذنا الأديب الشاعر إبراهيم عاصي رحمه الله».
يروي المعارض قصته لـ «القدس العربي» قائلا: القصة بدأت من مدرستي التي تدعى مدرسة الشهيد وليد شعبان في الثامن من شهر آذار/مارس عام1980 منذ أن كنت شابا صغيرا، كنت يومها في الصف الحادي عشر، رفضنا الظلم والقهر والاستعباد من حاكم ظالم يريد إذلال شعب يطالب بالحرية والعدالة والمساواة، عبرنا عن سخطنا بمظاهرات سلمية جابت شوارع مدينتي جسر الشغور، وكان الرد الإجرامي على هذه المدينة بأهلها الطيبين بأن قتل يومها ما يقارب 50 من أهلها وأنا شاهد على هذه الجريمة في عهد حافظ الأسد، بعد هذا الحدث الجلل أصبحت المدينة الآمنة تتشح بالسواد فمن أهلها من قتل أو اعتقل ومنهم من استطاع أن يفر بجلده ويخرج خارج أرضه ووطنه مرغما حفاظا على نفسه وأهله، ومن الناس الذين استطاعوا الخروج والدي وعمي وبقيت أنا أدير أمور أسرتنا المكونة مني أنا الوحيد لعائلتي وثلاث من الأخوات البنات، وبقيت على هذا الحال ما يقارب السنة، وتم اعتقالي وأخذوني إلى مدينة إدلب إلى قسم المخابرات العامة.
ويتابع بحرو قصته: «كان سبب الاعتقال هو أنني أصدرت جواز سفر لي وكان التحقيق معي لماذا تريد إصدار جواز سفر، أنت ممنوع من السفر خارج سوريا، بالنتيجة حجزوا جواز سفري وقالوا لي فليأت أبوك وعمك حتى نسمح لك بالسفر، أفرجوا عني وتركوني أخرج من مبنى المخابرات العامة. عدت إلى مدينتي جسر الشغور وأنا منهك القوى وحزين محطم الفؤاد، وبعد تلك الحادثة بدأت أسعى للبحث عن وسيلة للخروج مع أمي وأخواتي الثلاث من هذا الجحيم الذي كنا نعيشه، كان في ذاك الوقت شيء إسمه جواز حج ولا يسمح من خلاله إلا في الذهاب إلى السعودية لأداء فريضة الحج، وبحكم أن والدتي من مدينة حلب فقد تركنا جسر الشغور واستقررنا في مدينة حلب حتى أتمكن من الحصول على جوازي للسفر، ومنذ حصولي على الجواز وحتى إقلاع الطائرة من مطار دمشق الدولي متجهة إلى مطار جدة عشت أصعب اللحظات في حياتي من أن يكتشف أمري وأعود إلى غياهب السجن وهذه المرة لن أخرج منه إذا عرفوا أمري، وصلت الطائرة إلى مطار جدة وبدأت رحلة العذاب النفسي والعاطفي بأنك لن ترى مدينتك بعد الآن، ومن اللحظة الأولى لهبوط الطائرة أدركت أنه لا عودة إلا بزوال العصابة التي تحكم بلدي سوريا، لم تمر في غربتي مناسبة إلا وذكرت مدينتي وأطلالها، وهواءها، ونهرها العاصي، كان كل شيء يبدو حلما لن يتحقق».
ويضيف بحرو: وأخيرا جاء موعد لم يكن بالحسبان إنها ثورة الكرامة والحرية التي خرج فيها الشعب السوري مطالبا بالحرية وإسقاط بشار الأسد، كنت أدرك ان النظام سيستعمل كل أسلحته وقوته ضد العزل الأبرياء، كما في الثمانينات، لكن الثورة تتقدم يوما بعد يوم وفي كل يوم تتحرر مدينة من حكم بشار الأسد، إلا أن جاء دور مدينتي. إنها مدينة العاصي جسر الشغور ولم أتوقع نفسي يوما إني سأزور مدينتي، وأنا على قيد الحياة إلى أن تحقق الحلم في يوم الجمعة الأول من أيار/مايو الحالي».
قد لا يكون هذا المعارض هو الوحيد الذي خرج من مدينته قسريا منذ ثلاثين عاما إلا ان الوقت الحالي ما زال يشهد عمليات نزوح قسرية، بل أحيانا تصل إلى التهجير الطائفي والعرقي في بعض المناطق ويخرج فيها المدنيون دون أن يعلموا متى يعودون، ان بقيت منازلهم على سطح الأرض ولم تدمرها آلة الحرب.

سليم العمر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Jane:

    هذه قصة واحدة من عشرات بل من مئات القصص التي تبين معاناة الشعب السوري تحت الحكم البعثي الطائفي الفئوي منذ سنة 1970 و حتى الآن و لكن النصر قريب بإذن الله و ستكون سوريا بعد بشار و عائلته من اللصوص و القتلة و ميليشياته الارهابية، ستكون دولة عصرية حضارية تعيش فيها كل فئات الشعب بمساواة و يحكم القانون الجميع فلا أحد فوق القانون و لا أحد يتعالى على آخر.

إشترك في قائمتنا البريدية