القاهرة – «القدس العربي» : يستعد مجلس النواب المصري، خلال دورة الانعقاد الأخيرة التي بدأت في 4 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتستمر 9 أشهر، لحسم عدد من القوانين التي جرت مناقشتها عدة مرات، وتواجه رفضا من المعارضة والمنظمات الحقوقية.
أول هذه القوانين يتعلق بالإجراءات الجنائية التي يصفه المشرعون بـ”الدستور الثاني للبلاد”.
وواجه مشروع هذا القانون الذي تقدمت به حكومة رئيس الوزراء مصطفي مدبولي رفضا واسعا من أحزاب المعارضة والمنظمات الحقوقية ونقابات المحامين والصحافيين والمهندسين.
ومن المرتقب أن يناقش المجلس، تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، ومكتب لجنة حقوق الإنسان، عن مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الذي أعدته اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية غداً الأحد ، أعرب مسؤولون أمميون، في خطاب أرسلوه إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن مخاوفهم من تعديلات القانون، فضلا عما تضمن المشروع صياغات غامضة وفضفاضة لبعض الأحكام.
خطاب للسيسي
وحمل الخطاب توقيع كل من المقررين الخاصين للأمم المتحدة المعنيين بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، وبالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، وبحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، وباستقلال القضاة والمحامين، وبتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، والفريق العامل المعني بحالات الإخفاء القسري أو غير الطوعي.
وجاء في الخطاب، أن مخاوف المقررين الخاصين بالأمم المتحدة لا تزال قائمة بشأن الصلاحيات الموسعة التي من شأنها أن تمنحها التعديلات الجديدة لموظفي إنفاذ القانون والمدعين العامين دون مراجعة قضائية، فضلا عما تضمنه مشروع القانون من صياغات غامضة وفضفاضة لبعض الأحكام، والتهديد المزعوم لضمانات المحاكمة العادلة.
وأكد مقررو الأمم المتحدة في خطابهم، شعورهم بالقلق من أن بعض التعديلات تبدو وكأنها تنتهك أحكام الدستور المصري، وبالتالي تقوض الحقوق والحريات المحمية دستوريا.
وذكر الخطاب الحكومة بأنها وقعت في 14 يناير/كانون الثاني 1982 على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يتضمن المعايير الدولية بشأن الحق في المحاكمة العادلة واستقلال القضاء.
لم يكن قانون الإجراءات الجنائية هو الوحيد الذي لاقى اعتراضات، فمن من المنتظر أن يناقش البرلمان في دورته الحالية، مشروع قانون العمل الجديد، الذي وافقت عليه الحكومة تمهيدا لإقراره في مجلس النواب.
وأطلقت دار الخدمات النقابية والعمالية (منظمة حقوقية)، حملة توقيعات للمطالبة بعقد جلسات حوار مجتمعي قبل إقرار القانون.
وقالت الدار في بيان الحملة: “تعود مناقشات مشروع قانون العمل الجديد في لجنة القوى العاملة في مجلس النواب، فيما يستمر تجاهل جلسات الاستماع والتشاور المجتمعي حول مواد القانون، فيما تصب أغلب التعديلات في صالح أرباب العمل، والتي تتجاهل في الوقت نفسه حاجيات العمال، ومطالبهم”.
وأضافت: “خلال العام الجاري حين بدأت مناقشات مشروع قانون العمل الجديد، في لجنة القوى العاملة في مجلس النواب، دون عقد جلسات استماع مجتمعي من شأنها الاطلاع على آراء، ومقترحات المعنيين بالأمر، في وقت لا يتجنب فيه القانون الجديد مساوئ نظيره القديم، فيما بدا أن الأمر يجري على عجالة، ولمجرد سد الخانة”.
وتابعت: “يبدو أن مرور أكثر من واحد وعشرين عاما على إقرار قانون 12 لعام 2033، لم تغير في الأمر شيئا في إرادة صناع القرار، في وقت تغيرت فيه أشكال علاقات العمل، وبيئتها، وحتى نسب المتضررين من القانون، رغم تجسد الظلم الوقع على العمال في أكثر من مناسبة احتجاج”.
وواصلت الدار في البيان: “مع ذلك، وفي محاولة منا تحسين شروط وعلاقات العمل، ومنذ العام الماضي، تقدمنا إلى لجنة القوى العاملة والطاقة والبيئة في مجلس الشيوخ بطلب عقد جلسات استماع لمختلف الأطراف العمالية والمهتمين بالشأن العمالي- على الأخص- المنظمات النقابية المستقلة، بينما التفت اللجنة على الطلب، مكتفية بمشاركة وزارة القوى العاملة، والاتحاد العام لنقابات عمال مصر وهو هيئة حكومية”.
وتابعت: “وها هي لجنة القوى العاملة تعيد كرتها، وتستمر في تجاهل تنظيم جلسات الاستماع، فيما بدا إصرارا غير مبرر على تغييب الصوت العمالي المستقل”.
ولفت البيان، إلى أن مشروع قانون العمل كان قد خرج من لجنة القوى العاملة في البرلمان عام 2017، بعد أن نظمت بشأنه جلسات استماع محدودة العدد والحضور، وأدخلت عليه بعض التعديلات قليلة الأثر، متجاهلة الكثير من الملاحظات التي أعرب عنها القادة العماليون، والنقابيون، ورفعها الخبراء والمهتمون بالشأن العمالي، بل ومعظم الملاحظات التي أبداها قسم التشريع في مجلس الدولة، والتي أرسلها المجلس القومي لحقوق الإنسان، فضلا عن ملاحظات منظمة العمل الدولية.
وأكد البيان، أن احتفاظ مشروع القانون الجديد بمادة حظر الإضراب عن العمل، أو وضع شروط إجرائية شديدة التعقيد تخص تنفيذه قانونا، واحدة من أكبر الخطايا التي يرتكبها، فثمة تحريم لأداة أجازتها كل من المعاهدات الدولية، والدستور، للتعبير عن احتجاجهم، ورفض شروط العمل المجحفة.
في السياق ذاته، قال خالد البلشي، نقيب الصحافيين المصريين، إن قانون العمل الحالي لا يراعي التوازن في علاقات العامل وأصحاب العمل.
جاء ذلك خلال مائدة مستديرة، استضافتها نقابة الصحافيين الأربعاء، لمناقشة مشروع قانون العمل الجديد بحضور عددٍ من المتخصصين، والقانونيين للتحاور حول مواد القانون، وتقديم رؤية النقابة حول مشروع القانون، ومناقشة تطبيق الحد الأدنى للأجور في المؤسسات الصحافية.
وأضاف البلشي: لدينا مطالب بأن يخرج مشروع قانون عادل للعمل، ويتلافى العيوب السابقة والحالية في القوانين التي تحكم العمل”، مبينا أن تنظيم الاحتجاجات والاعتصامات في الصحف حاليا يشير إلى وجود أزمة يجب مراعاتها.
وزاد: اشتباكنا مع مشروع قانون العمل ليس بشأن مادة أو ثلاثة كمشروع قانون الإجراءات الجنائية، ولكن هو اشتباك وتناول لمشروع قانون ينظم عملنا كصحافيين وخاصة الصحافيين في الصحف الخاصة.
وأكد أن مشروعات القوانين يجب أن تنتج عن حوار مجتمعي؛ وخاصة تلك التي تمس المجتمع المصري كمشروع قانون الإجراءات الجنائية ومشروع قانون العمل.
تهديد خطير
كذلك، انتقد المحامي العمالي هيثم محمدين مشروع قانون العمل الجديد، مؤكدا أن بعض التفاصيل الصغيرة في بنوده تشكل تهديداً خطيراً على حقوق العمال.
وقال في كلمته خلال الندوة، إن من أبرز هذه التفاصيل “المادة الرابعة” التي تنص على أن كل الغرامات المحكوم بها على أصحاب الأعمال تؤول إلى الخزانة العامة، مشيرًا إلى أنه كان يجب أن تذهب هذه الغرامات لصالح “صندوق دعم العمالة غير المنتظمة” أو “صندوق طوارئ العمال”، أو حتى لصالح اللجان النقابية المعنية.
وتناول، التناقضات التشريعية التي يعاني منها قانون العمل الحالي، وقال: في حين تمنع إحدى المواد فصل العامل إلا في حالة الخطأ الجسيم، تنص أخرى على السماح بفصل العامل حال وجود ما يسمى “مبرر مشروع”، وهو تناقض يستغله أصحاب الأعمال في المحاكم.
وأضاف أن قانون العمل حدد تعويضا ضئيلاً للعامل في حال فصله، وهو شهران عن كل عام، وهو تعويض غير عادل خاصة في ظل تغيرات الأسعار وفرق العملة.
وتابع: إذا امتنعت جهة العمل عن تنفيذ حكم إعادة العامل إلى عمله، الغرامة القصوى عليها تعادل 20 ألف جنيه فقط، وهو مبلغ زهيد جدا، ويجب أن تكون العقوبة أكثر قسوة.
عقود العمل
وفيما يتعلق بعقود العمل المحددة المدة، اعتبر محمدين أن بند إعادة نفقات التدريب في حال لم يكمل العامل مدة عقده هو بمثابة تقنين للعمل الجبري، ما يمنع العامل من الاستقالة خوفا من تعرضه للمقاضاة.
وأضاف: إذا وافق العامل على نقل عمله بين الأقسام أو الانتقال للعمل بنظام اليومية أو القطعة أو الإنتاج، فهذا يحول عقد العمل من عقد متوازن إلى عقد لصالح صاحب العمل بشكل غير عادل، ما ينتهك حقوق العامل.
وفيما بالتشغيل بالسخرة، وصف محمدين كيفية تعامل القانون مع هذه القضية بأنها غير كافية، حيث اعتبرها مجرد مخالفة يعاقب عليها بغرامة مالية قدرها 20 ألف جنيه فقط، مطالبا بضرورة محاكمة المتورطين في هذه الممارسات بموجب المادة 176 من قانون العقوبات، والتي تشدد العقوبات ضد هذه الأنواع من الاستغلال.
يشرعن الإتجار بالبشر
وطالب المحامي مالك عدلي، المدير التنفيذي للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بمراجعة عاجلة لمشروع قانون العمل الجديد، الذي وصفه بأنه “يشرعن الإتجار بالبشر ويستغل العمال بشكل ممنهج”.
وأضاف أن نصوص القانون لا تضمن حقوق العمال الأساسية”، مشيرا إلى أن الحد الأدنى للأجور الذي يقره القانون لا يتم تطبيقه بشكل فعلي، مما يجعل العمال عرضة للاستغلال من قبل أصحاب الأعمال”.
ولفت إلى أن العقود السنوية التي يعتمدها العديد من أصحاب الأعمال تعتبر “صيغة مشرعة لتهديد العمال”، منتقدا أيضا غياب الإجراءات المتعلقة بالسلامة النفسية والصحة العقلية للعمال في القانون الجديد.
وأكد عدلي أن القانون الحالي يمنع العمال من ممارسة حقهم في الإضراب بشكل شبه رسمي من خلال فرض عراقيل كبيرة على تنظيمه والحصول على الموافقات اللازمة.
وانتقد القيادي النقابي جمال عثمان مشروع قانون العمل الجديد، لافتا إلى أن تحالف أمانات عمال الأحزاب والنقابات صاغ مشروع قانون بديل يركز على معالجة الثغرات والمشاكل التي يعاني منها قانون العمل الحالي.
وبين أن المشروع البديل نص على ضرورة تطبيق علاوة قدرها 10 في المئة على الأجر الشامل وليس الأجر التأميني، ما يعد خطوة هامة لتحسين الوضع المالي للعمال.
واعتبر أن الحد الأدنى للأجور في المشروع الجديد ما زال منقوصا، حيث لا توجد ضوابط واضحة لضمان تطبيقه بشكل عادل، كما يتم الانتقاص منه بضم العلاوات والمكافآت وتكلفة أدوات السلامة والصحة المهنية.
كما أكد عثمان على أهمية الحق في الإضراب كحق ثابت وقانوني، لافتا إلى أن المشروع البديل يشمل حظر تقييد الإضراب إلا في بعض الأماكن مثل المرافق الصحية والعسكرية، واعتبر أن أي تقييد لهذا الحق في المشروع الجديد يعني إخراجه من مضمونه.
… ومنصة اللاجئين ترصد مشاكل قانون «لجوء الأجانب»
سيبدأ البرلمان المصري غدا الأحد مناقشة قانون، يواجه انتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية ويحمل عنوان “لجوء الأجانب”. وتحت عنوان “يعصف بالحمايات الأساسية للاجئين ويمثل تراجعاً عن الوضع القانوني القائم”، طرحت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومنصة اللاجئين في مصر، دراسة معمقة حول مشروع القانون المقدم من الحكومة المصرية بشأن تنظيم لجوء الأجانب في مصر، والذي ناقشته لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب في الثاني والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وتناولت الدراسة أهم المشكلات الكامنة في نصوص مواد مشروع القانون المطروح، الذي يأتي ليستبدل – حال إقراره- منظومة إدارة اللجوء في مصر، التي تدار حاليا بالتعاون بين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والحكومة المصرية. وتطرح الدراسة مشكلات تزخر بها مواد القانون، كان يمكن تفاديها إذا ما اعتنى معدو القانون بالحوار والتشاور مع المنظمات الدولية والمحلية المعنية بشؤون اللاجئين، وأصحاب المصلحة من اللاجئين أنفسهم. وحسب الدراسة، أبقت الحكومة المصرية نص مشروع “قانون لجوء الأجانب” طي الكتمان طوال عام ونصف العام، تلت الإعلان عنه للمرة الأولى في يونيو/ حزيران 2023، ولم تظهر مواد المشروع إلى النور إلا بعد موافقة لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان عليها في نهايات أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدون أن تخاطب الحكومة طوال تلك المدة أيا من الأطراف المعنية وعلى رأسها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. تبين الدراسة في رصدها أنه على الرغم من أن مشروع القانون المقترح يبادر بتضمين التعريفات الواردة في نصوص الاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر وباتت جزءا من منظومتها القانونية في النصوص التعريفية، إلا أنه يضيف لتلك النصوص، وإلى المواد المعنية بالاستبعاد أو الحرمان من الحق في اللجوء أسبابًا لا تتفق مع المواثيق الدولية، كما أن نصوصه تفرغ الحماية الممنوحة للاجئ بعد البت في طلبه من أي معنى حقيقي. وزادت الدراسة: النصوص نفسها لجأت إلى استخدام مصطلحات فضفاضة لتعريف صلاحيات للجنة المنتظر تشكيلها من مجلس الوزراء، والتي تملك وحدها سلطة النظر في طلبات ملتمسي اللجوء وتسوية أوضاع اللاجئين في مصر والإشراف عليها، وتمنحها صلاحيات واسعة في إسقاط صفة اللاجئ وما يترتب عليها من حقوق وحمايات، أو في “اتخاذ ما تراه من تدابير” في ظروف يفترض أنها استثنائية ولكن تعريفها في نصوص المشروع شديد العمومية، إلى حد يجعلها قابلة لإساءة الاستخدام في أي وقت. وتابعت: لا يعني مشروع القانون في نصوصه بالأوضاع الإنسانية الصعبة التي تدفع بملتمسي اللجوء إلى الفرار من بلدان إقامتهم الأساسية واللجوء إلى مصر، ما ترتب عليه جنوح عدد من مواد القانون نحو تجريم اللجوء في الحالات التي يصل فيها ملتمسو اللجوء إلى الأراضي المصرية بطريقة غير منظمة، وهو ما شهدته مصر في العامين الأخيرين مع الحروب المشتعلة على حدودها الشرقية والجنوبية. وواصلت: يحتوي مشروع القانون أيضا على العديد من النصوص العقابية التي تمس اللاجئين وملتمسي اللجوء، بل وتجرِّم المواطنين على مساعدة اللاجئين والقيام بأفعال إنسانية مثل إيواء لاجئ دون إخطار السلطات، بدون أي سند قانوني أو دستوري لمثل هذا التجريم. وترصد الدراسة تغافل مواد المشروع المطروح عن تحديد الآليات والإجراءات التي ستدار من خلالها عمليات الفحص والبت في طلبات اللجوء خلال المرحلة الانتقالية، التي قد تطول بين إنهاء تدخل المفوضية في البت في طلبات اللجوء وتولي اللجنة الدائمة المزمع تشكيلها القيام بتلك المهام، خاصة مع عمومية مواد القانون وتركها عديد من التفاصيل الأساسية المُحدِّدة لعمل اللجنة وحدود اختصاصاتها للائحة التنفيذية التي قد يتأخر صدورها لسنوات. وطالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومنصة اللاجئين في مصر، بتأجيل طرح القانون للتصويت أمام الجلسة العامة لمجلس النواب. كما دعت لحوار حقيقي حول القانون مع المنظمات والأطراف المعنية لضمان خروج مشروع قانوني وطني منصف لتنظيم اللجوء، يحترم التزامات مصر الدولية والإنسانية، ويضع حقوق ومصالح اللاجئين وملتمسي اللجوء في مقدمة أولويات القانون، ويضمن وجود مرحلة انتقالية كافية تسمح بانتقال سلس من المنظومة القائمة للمنظومة الجديدة بالتعاون مع مفوضية شؤون اللاجئين.