أسماء شهرة غريبة، تبدو للوهلة الأولى أقرب لأسماء عصابات المافيا الإيطالية من أي شيء آخر، لكنها في الواقع أسماء لشخصيات جزائرية، أقامت الدنيا ولم تقعدها في فترات تاريخية قريبة، في علاقة واضحة بظاهرة الفساد، التي نخرت وما زالت الحياة الاقتصادية والسياسية في البلد. لنبدأ بعرضها بالأخ طنطوزة، الذي ارتبط اسمه بما قيل إنه حالة فساد حصلت وقائعها في نهاية الثمانينيات، في علاقة بأحد أبناء الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، رحمه الله، الذي يكون حسب هذه الشائعات قد استفاد من العلاقة معه هذا الطنطوزة، للحصول على قروض مالية، تم الكلام في حينها عن أرقام كبيرة، ارتبطت بفرع بنك عمومي موجود في قصر المعارض في الصنوبر البحري في العاصمة. في وقت كانت فيه الجزائر تدشن عهدا «من أجل حياة أفضل» في مراقص ومطاعم رياض الفتح الفاخرة، على أنغام الشاب خالد، وهي تفتح أبوابها أمام أبناء الأغنياء الجدد، التي انطلقت كظاهرة جديدة في البلد.
الفساد ما زال حاضرا بيننا في الجزائر بشكل سافر في الكثير من الحالات، لم يتم القضاء عليه، رغم الحزم الذي ظهر في التعامل معه في السنوات الأخيرة، كإحدى نتائج الحراك الشعبي
حالة فساد ارتبطت بأحداث أكتوبر 88، أكاد أجزم أنها ساهمت في اشتعال لهيب أحداثها، نتيجة الانتشار الواسع لهذه الشائعة في حينها، التي تؤكد شائعات أخرى أن لها علاقة واضحة بصراع الأجنحة داخل النظام السياسي الجزائري، خلال هذه الفترة وهو يترنح فيها، كان يراد فيها التخلص من الرئيس الشاذلي بن جديد، كما أكده تسلسل الاحداث لاحقا. بالطبع ابن الرئيس الشاذلي قام وكذّب هذه الشائعات في ما بعد، كما يحصل في الغالب في مثل هذه القضايا، لتبرئة نفسه من شبهة الفساد، في وقت كانت فيه هذه الظاهرة محدودة في الجزائر، ولم تنتشر كما هو الحال الآن.
حالة الأخ البوشي – جزار بالدارجة الجزائرية المستمدة من اللغة الفرنسية، في علاقة بمهنة الرجل الأولى – تشبه إلى حد كبير ما حصل مع طنطوزة، فقد ارتبطت هي الأخرى بحالة اضطراب كان يعيشها النظام السياسي، لما قيل إنه حالة فساد وصلت وقائعها إلى العدالة الجزائرية، وما زالت لم يُفصل فيها نهائيا لحد الساعة حسب علمي، رغم مرور سنوات على الكشف عن القضية، بعد أن ارتبطت بقضايا أخرى بدرجة الخطورة نفسها وربما أكبر. هنا الأمر كذلك مرتبط، أو على الأقل هذا ما أرادت أن توحي به الشائعة السياسية، بأحد أبناء الرئيس تبون، الذي أدخل السجن لتتم تبرئته لاحقا، في وقت كان الرجل يمر بمرحلة تهميش سياسي، بعد إبعاده عن منصبه على رأس الحكومة، كالذي احتله لمدة قصيرة. مسلسل قانوني – سياسي ارتبط بظرف أزمة كان يمر به النظام السياسي الجزائري، استغل لجعله أكثر اضطرابا، بما تحيل إليه هذه الأسماء من علاقات سياسية على أعلى هرم السلطة، لعب فيها الإعلام السمعي البصري والمكتوب، المنكوب بالفساد هو الاخر، دورا مهما في التشويش أكثر على المشهد السياسي، لم يساعد المواطن على الوصول إلى ما يمكن أن يقربه من الحقيقة. لنكون أمام خاصية أخرى ارتبطت بهذه القضايا، ويتعلق الأمر بدور الإعلام كمؤسسات، رجالا ونساء، كأحد أطراف معادلة الفساد، كما بدأ يظهر في القضية الثالثة التي ارتبطت بتسيير وزير الصناعة والمواد الصيدلانية، الذي كلفته لحد الآن سجن أحد أبنائه على الأقل، وستكلفه بالتأكيد منصبه في القريب العاجل، وربما أكثر.
عند التعديل الوزاري المقبل على الأبواب، اعلام لا يمكن تصور أن يكون طرفا فاعلا في الحرب ضد الفساد، إلا إذا استرجع حريته بشكل كامل، من دوامة الفساد التي يعيش داخلها. وهو ما يحيلنا إلى قضية نونو مانيطا، التي تم الكشف عن بعض فصولها في المدة الأخيرة، في علاقة واضحة بما قيل إنه حالة فساد مرتبطة بتسيير وزارة الصناعة، في ارتباط واضح كما كان الحال في القضيتين السابقتين بأفراد عائلة المسؤول الأول عن القطاع وابنائه تحديدا، في انتظار بت العدالة في الملفات المطروحة، تأكيدا لما هو سائد في الجزائر منذ سنوات عن الدور المحوري لأفراد العائلة في تفشي الفساد، الذي يكون المدخل عادة لتوريط المسؤول السياسي، عبر الابن أو البنت أو حتى الزوجة لابتزازه لاحقا. عائلة تقول الكثير من المؤشرات انها فقدت معاييرها الأخلاقية، لم يعد يهمها الا النجاح المادي السريع لأفرادها، عرف كيف يستغلهم الكثير من قوى الفساد التي لا يخلو منها أي مجتمع. داخل اقتصاد ريعي غابت فيه المساءلة، حتى إن تمت تكون بعدية وبعد مغادرة المسؤول منصبه.. وبعد أن يقع الفأس في الرأس. يهدر فيها المال العام بهذا الشكل الوقح عيناني، كما تقول اللغة الجزائرية الدارجة المعبرة..
الفساد الذي تخبرنا هذه الحالات القليلة المعروضة انه ما زال حاضرا بيننا بشكل سافر في الكثير من الحالات، لم يتم القضاء عليه، رغم الحزم الذي ظهر في التعامل معه في السنوات الأخيرة، كإحدى نتائج الحراك الشعبي. في انتظار الوصول إلى مرحلة أعلى في محاربته لن تكون ممكنة وقابلة للتنفيذ على أرض الواقع، إلا عبر تحرير العدالة كذلك وليس الإعلام فقط. زيادة بالطبع على دور المواطن، الذي ما زال رافضا للفساد كقاعدة عامة، رغم بوادر التدهور الأخلاقي الملاحظ لدى الكثير من الجزائريين والجزائريات في هذا المجال بالذات. وهو ما كان قد عبر عنه الحراك الشعبي منذ سنوات، حين رفع هذه المسائل السياسية النوعية على رأس أولياته، حتى وهو يُهمل القضايا الاقتصادية والاجتماعية الملحة، التي أصر على أنها غير قابلة للحل، كما تبينه هذه الحالات المعروضة، إلا إذا تم البت في هذه القضايا السياسية النوعية، المتعلقة بالجانب المؤسساتي وليس الفردي، الذي عادة ما يمهد الطريق نحو تصفية الحسابات، بين العصب والأفراد، كما ظهر في أكثر من قضية فساد تم تداولها في الآونة الأخيرة. عكس ما يطالب به الجزائري المتخوف من استشراء الفساد، وتنوع أشكاله المستترة والمعلن منها، التي يمكن أن تؤدي إلى تهديد أسس الدولة الوطنية ذاتها كما حصل أكثر من مرة في السنوات الأخيرة.
كاتب جزائري