بعد 13 شهراً من تبادل الضربات مع حزب الله، تفكك فيها الشمال كما عهدناه وتفرق عشرات الآلاف ليصبحوا لاجئين في بلادهم، يكتشف مواطنو إسرائيل أن النجاح العسكري لا يترجم إلى إنجاز سياسي مُرضٍ.
اتفاق وقف النار المتبلور في لبنان يثير عاصفة، أولاً وقبل كل شيء لأن الحقيقة بسيطة: هزمنا العدو الأخطر الواقف على حدود البلاد. قد تكون خلافات في الرأي داخل الجيش حول شروط الاتفاق، لكنكم لن تجدوا ضابطاً كبيراً واحداً يؤمن بأن هذه هي موازين القوى بين الطرفين. عملياً، كانت قيادة هيئة الأركان هي التي أرادت التخلي عن تعميق القتال في الشمال دون حتى معالجة خط التماس.
لكن حسن نصر الله، الذي قرر الربط بين لبنان وغزة، خسر مشروع حياته ثم حياته. باقي قيادة الحزب العليا انتقلت إلى عالم آخر، وعدد لا يحصى من المخربين أصيبوا في عملية البيجر، وخطة احتلال الجليل كانت ولم تكن، بفضل مناورة مكثفة سقط فيها أفضل الأبناء. كما أن ترسانة صواريخ حزب الله وإن واصلت إتعاس سكان الشمال، والوسط أحياناً، لكن ذلك لم يكن بالحجوم التي جرى الحديث عنها في الماضي، والمخزون نفسه هزل أيضاً. وها هي المشكلة الإضافية مع الاتفاق: بدلاً من تعميق الإنجاز ودحر حزب الله، يعطي فرصة أخرى لحزب الله. ليس من العبث أن رؤساء البلدات في الشمال، أولئك الذين يفترض بهم قيادة خطوة الإعمار أن يصرخوا بأن الاتفاق سيقلب ساعة الرمل تمهيداً لحرب لبنان الرابعة: بوليصة تأمين إسرائيل تعتمد على حرية العمل تجاه “التهديد الفوري” الذي هو تعريف قابل لكثير من التفسيرات: فمنذ نهاية حرب لبنان الثانية، في صيف 2006، أقام حزب الله معظم بناه التحتية بشكل يزعم أنه لا يخلق “تهديداً فورياً”. كما أن نقل وسائل القتال من إيران، وتدريب وحدات الرضوان، وحفر الخنادق، لم تعتبر “تهديداً فورياً”. ثم ننهض صباحاً لنكتشف قوة عسكرية خبيرة، مدربة ومسلحة حتى الرقبة باتت على مسافة 300 متر منا، ولا يفصل بينها وبين ذبح الإسرائيليين سوى أمر واحد.
في هذه المرحلة، للمدى القصير، يمكن الحديث عن إعادة السكان من الجانب الإسرائيلي، لأن خط البيوت الأول من الجانب اللبناني، وكذا قسم من الخط الثاني انكشف ودمر. قرى كاملة سويت بالأرض. لكن ماذا سيحصل إذا أراد أحد سكان لبنان العودة لبناء بيته؟ ولنفترض أنه جاء بملابس مدنية، فمن يضمن لنا ألا يكون شيعياً ينتمي لحزب الله، بل وربما مقاتلاً أيضاً؟ جنوب لبنان بات مملكة شيعية. لا توجد عائلة شيعية إلا وتنتمي لحزب الله: هذه هي الحقيقة المريرة التي تعلمناها من انتشار السلاح في كل بيت ثانٍ. ومن المهم الإيضاح: حزب الله ليس حماس؛ هذا الواقع لم يفرض على السكان بقوة الذراع. فما العمل مع ذاك المواطن؟ أمسموح تعريفه بأنه “تهديد فوري”؟.
وهكذا سيعطى حزب الله الإذن، عملياً، لإعادة بناء نفسه وإحياء الخطط التي صفيت لتوها. وستتراكم في إسرائيل، الآن مشاكل أخرى، ولعل الأكواخ السياحية ستمتلئ ثانية، وسيختفي الصبر الجماهيري اللازم للجهد الحربي. ثمة أساس لهذا السيناريو، بل تاريخ قريب: هذا ما حصل بالضبط بعد 2006. وعليه، ثمة أهمية عليا لتوسيع اصطلاح “منع التعاظم العسكري” بشكل يضم سلسلة من الأعمال التي لا تشكل “تهديداً فورياً”. قد يكون هذا رافعة التهديد على حزب الله، إذا فكر بإعادة البناء، وبالمقابل يضمن شرعية دولية للمس بالمنظمة حتى لو قامت بأعمال بالحد الأدنى.
لكن في هذه اللحظة، يخيل أن رئيس الوزراء، ذاك الذي اعتبر اتفاق الغاز استسلاماً وقال إنه الوحيد الذي يصمد أمام الضغوط الدولية، مصمم على إغلاق وقف نار بشروط دون. بل إنه يفعل هذا من فوق رأس زعماء الجمهور، فيما مؤيدوه في الإعلام يتذكرون فجأة أن يذكروا أن الجيش “بحاجة إلى الإنعاش” وغيرها من الحجج. في هذه الأثناء، تشدد قيادة الجبهة الداخلية التعليمات، ويستعد الجمهور في الشمال لأيام صعبة يحاول فيها حزب الله أن يرينا أنه لم يستسلم. من ينتصر بشكل واضح لا يصل إلى مثل هذه الوضعية، بل يملي قواعد وقف النار، ويواصل الضرب إذا لم يقبل بها الطرف الآخر، وإلا فهذا ليس نصراً، وبالتأكيد ليس نصراً مطلقاً.
يوسي يهوشع
يديعوت أحرونوت 26/11/2024