لندن- “القدس العربي”:
قال المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناطيوس، إن صفقة وقف إطلاق النار التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي يوم الثلاثاء، تعتبر انتصارا لإسرائيل ونكسة لإيران وحلفائها.
ويرى الكاتب أن الصفقة التي جاءت بعد أشهر من المفاوضات المحبطة، ستعطي لبنان الممزق أول فرصة له منذ عقود لاستعادة السيادة الحقيقية على أراضيه، وقد تفتح الطريق أمام مكاسب دبلوماسية أوسع في المنطقة.
و”كان اتفاق وقف إطلاق النار بمثابة انتصار لإسرائيل على حزب الله، أعنف وكيل لإيران”، وفق رأي إغناطيوس، الذي أشار إلى تباهي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان انتصاري يوم الثلاثاء، بأن بلاده قتلت “الآلاف” من مقاتلي “حزب الله” وأرجعت الحزب “عقودا إلى الوراء”. وباغتيالها الأمين العام، حسن نصر الله، فقد “قضت على محور المحاور”.
وأضاف الكاتب أن بايدن الذي اختفى تماما عن المسرح العالمي، أعلن عن الصفقة في روز غاردن بالبيت الأبيض. وهي تعبير عن نجاح ثمين لدبلوماسية الإدارة الأمريكية بعد عام من المحاولات غير المثمرة للتوصل إلى هدنة في غزة.
وكان الاتفاق مع لبنان نتاج الدبلوماسية المكوكية الكلاسيكية التي قام بها مبعوث البيت الأبيض عاموس هوكشتاين، الذي كان يسافر بين لبنان وإسرائيل منذ أشهر. وقال بايدن إن إدارته لا تزال تعمل على التوصل إلى هدنة في غزة، مع انضمام تركيا إلى مصر وقطر كوسيط.
وأضاف الرئيس الأمريكي تعليقا مغريا مفاده أن فريقه “لا يزال مستعدا لإبرام” صفقة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، والتي ستكون “جوهرة التاج الدبلوماسية” لنتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وقال بايدن إن مثل هذه الصفقة قد تشمل “مسارا موثوقا به” إلى دولة فلسطينية، وهي اللغة التي كانت سببا في فشل التوصل لاتفاقيات.
ومع ذلك، لا تزال الحرب في غزة طاحنة، حيث تعهد نتنياهو بإكمال مهمة محو حماس، كما قال. لكنه يواجه هناك مشكلة كبيرة، نظرا لغياب خطة اليوم التالي بعد توقف القتال. وقال إن القطاع تسوده الفوضى الأمنية، ويحتاج فرض الأمن والنظام فيه من جديد لعدة أشهر، وجهود تحتاج لصبر بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية المعتدلة بعد نهاية النزاع.
أما خطة “اليوم التالي” للبنان التي أُعلن عنها يوم الثلاثاء، فتقوم على نشر القوات المسلحة اللبنانية في مناطق “حزب الله” السابقة في جنوب لبنان خلال الأيام الستين المقبلة، وانسحاب القوات الإسرائيلية.
ويقول إغناطيوس، إن الجيش اللبناني هو واحد من المؤسسات الوطنية القليلة العاملة في لبنان، حيث يدمج الشيعة والسنة والمسيحيين والدروز. وإذا تمكن الجيش من الانتشار بنجاح والحفاظ على الوحدة، فسوف يبدأ في إعادة بناء هذا البلد المدمر بعد عقود من الحرب.
وفي معرض شرحه للاتفاق، قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية: “هذه هي اللحظة المناسبة للبنان لاستعادة سيادته على أراضيه”. ورفض المسؤول الإجابة على سؤال حول ما إذا كانت سوريا قد تكون على استعداد للمساعدة في منع مرور الأسلحة إلى “حزب الله” مستقبلا، كما أشارت مصادر لبنانية. وقال المسؤول إن هذا موضوع “مكالمة أخرى، ومحادثة أخرى”.
وتقول مصادر لبنانية إن الاختراق في مفاوضات هوكشتاين تمثل في بند يمنح الجانبين الحق في الدفاع عن النفس إذا ما انتُهكت الشروط. وكان لبنان قد رفض خطة سابقة تضمنت رسالة جانبية أمريكية تمنح إسرائيل هذا الحق. وإذا عاد “حزب الله” الدخول إلى جنوب لبنان وكان يستعد لشن هجوم، فإن الاختراق سوف يحال أولا إلى لجنة مراقبة برئاسة الولايات المتحدة. وسوف تتحمل القوات المسلحة اللبنانية المسؤولية أولا، وستكون إسرائيل حرة في التدخل بعد ذلك.
وأشار الكاتب إلى أن إيران لم تكن طرفا مباشرا في المفاوضات، إلا أنه نقل عن مسؤول خليجي قوله: “بالطبع كانت هناك بعض الاتصالات الخلفية مع إيران” بشأن وقف إطلاق النار الذي يشمل وكيلها. وقال مسؤول كبير ثان في الإدارة الأمريكية، إن الولايات المتحدة وإيران تبادلتا رسائل منتظمة، و”لو كانت إيران تعارض الاتفاق، لما حدث”.
في المقابل، قدم الصحافي مايكل يونغ تقييما متفائلا، حيث قال إن “الاتفاق بعيد كل البعد عن الكمال، ولكن الجانبين يريان بعض المزايا، وقد يصمد الاتفاق بالفعل لأن البدائل خطيرة جدا”.
وأضاف إغناطيوس أن إسرائيل لها مصلحة في نجاح الجيش اللبناني، مع أن نتنياهو وغيره من قادة إسرائيل لا يقدّرون هذا. فقد أهدر لبنان سيادته قبل عقود من الزمان عندما سمح للميليشيات باستخدام أراضيه لمهاجمة إسرائيل: منظمة التحرير الفلسطينية أولا ثم حزب الله. وكان كل منهما بمثابة دولة داخل الدولة، الأمر الذي أدى إلى شل الحكومة اللبنانية.
وبحسب موقع تابع لأحد المدرّسين بالجامعة الأمريكية في بيروت، فقد شنّت إسرائيل ضد لبنان منذ أيلول/ سبتمبر أكثر من 8,000 هجوم منفصل.
من جانبه، شنّ حزب الله هجمات متكررة ضد أهداف إسرائيلية، بما في ذلك ضربات على مراكز حضرية في تل أبيب وحيفا. وانتهى الأمر بالطرفين إلى تصعيد في العنف يوم الثلاثاء، حيث أطلق حزب الله وابلا من الصواريخ على خمسة أهداف إسرائيلية على الأقل، وضربت إسرائيل مواقع في بيروت، بما في ذلك منطقة الحمرا في قلب المدينة.
وينهي إغناطيوس بالقول إن الشرق الأوسط هو بمثابة “مسرح الحرب”، إلا أن اتفاق الثلاثاء منح فرصة بأن هذا الكابوس قريب على النهاية.